د. صادقي نعيمة - خاص ترك برس

تُعد ظاهرة الحرب أحد أشكال الصراع الدولي ، وهي تعبير عن التصادم و القوة بين طرفين أو أكثر ، هذه الحرب ومن منطلق مسلمة نظرية  نجد تفسيراتها في العامل الإيديولوجي كالدين  ، الخطأ التقديري و الإدراكي  لصناع القرار ، الموارد و الثروات الإقتصادية ، البيئة النفسية للقادة ، الصراع على جغرافيات محددة.

إن تشابك و تداخل هذه العوامل  في  الصراع  الدائر بين الفلسطينيين و الصهاينة ، أدى إلى  إستمرار الحرب  وهو دليل على فشل أدوات إدارة الصراع  و عدم توازن طرفيها سواء بعدد الأطراف المساندة أو الدعم اللوجستيكي أو درجة التسليح ، إذ لم يعد الحديث عن طرق تسوية النزاعات الدولية يُجدي فتيلا أمام الدعم الأرعن و المطلق و الإنتقامي للكيان المحتل من طرف أمريكا ، و أُسقطت  بذلك ترهات حقوق الإنسان و الأفكار التي طالما روج لها الإعلام العالمي بأن الديمقراطيات الكبرى  هي الأكثر ميلا للسلام . إذ أصبحت الإبادة الجماعية في فلسطين تتم بمباركة هذه القوى التي تدعي السلام.

البعد التاريخي:

التحولات التي أحدثتها عملية طوفان الأقصى 07 أكتوبر 2023 على المستوى الجيو سياسي ، إذ مثلت نقطة فارقة في مسارات الصراع ، فعنصر المفاجئة و المباغتة وفق "نظرية الإقتراب المباشر للباحث ليدل هارت"  قد تحقق وحقق مكاسب ميدانية للمقاومة الفلسطينية ، في المقابل لم يحقق الصهاينة في سلتهم أي انتصار عدى المجازر و الجرائم  الإنسانية باستهداف المدنيين و المدارس و المستشفيات ثم يأتي إستهداف و تصفية قادة حماس لشل المقاومة ولوي ذراعها  كرد فعل عن فشلهم الذريع.

إن عملية استهداف قيادي حماس ليس بالجديد فقد تمت تصفية الأب الروحي لها اسماعيل ياسين - القائد ياسر عرفات ..... وهي إستراتيجية الموساد لإدارة حروبه طالما أنه لا يوجد حسيب ولا رقيب لجرائمه منذ قيام هذا الكيان الطفيلي كما أن المعتقد و الايديوجية في تصوره تستبيح دماء الأطفال والأبرياء العزل .  على خلاف ايديولوجية المقاوم للمحتل الذي تحثه عقيدته على أخلقة الحروب وعدم قتل الطفل و المرأة و الشيخ و الحيوان و الشجر.

فضلا عن سلسلة الاغتيالات السياسية على الأراضي الإيرانية حيث لا طالما كانت إيران مجالا لتصفية حسابات القوى الدولية و الإقليمية واغتيال الزعماء و القادة  . على غرار اغتيال الرئيس الايراني في طائرته منذ أيام.

كما سبق إستهداف العلماء الايرانيين عبر استهداف سياراتهم بصواريخ مسيرة وفي بعض الاحيان بعبوة متفجرة في مقر اقامتهم أو في سياراتهم.

السياق الزماني و المكاني لحادثة اغتيال الشهيد اسماعيل هنية متى وأين وكيف؟

✓ توقيت الحادثة كان في وقت حرج فقد جاء بُعيد مراسيم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان وهذا خطأ تقديري للقيادة الفلسطينية لان إيران هي في مرحلة انتقالية  وفي ظرف استثنائي سيكون من الصعب استتباب الأمن الداخلي خلاله ، هنا نتساءل هل قيادة حماس بما فيهم الشهيد هنية وقعت في خطأ إدراكي لتصور العدو وذلك بالإطمئنان على أن إيران ليست تهديدا فهي لطالما فتحت أراضيها لنشاط قيادي حماس  في المقابل نجلة الشهيد هنية نشرت تغريدة في تويتر تقول أن إيران صديقة.

✓ جاءت عملية الاغتيال على إثر الزيارة التي قام بها النتن ياهو الى امريكا و التصفيق له بحرارة في الكونغرس والذي يعني إعطاء الضوء الأخضر والتأييد المطلق للقيام بما يشاء وأينما يشاء و كيفما يشاء.

✓ التطبيع المعلن لبعض الأنظمة العربية الوظيفية و العميلة للكيان على غرار مصر ، الأردن ، المغرب ، الامارات العربية المتحدة ، المملكة السعودية ، والتخاذل في اتخاذ موقف موحد إلى جانب فلسطين وبذلك سقطت كل السرديات العربية كما أن الأنظمة العربية التي تتقاسم الحدود مع فلسطين نحجت في تنويم شعوبها و باعت فلسطين مقابل بقاءها لفترة أطول في السلطة.

✓ التزامن مع اغتيال قائد عسكري في لبنان من حركة حزب الله اللبناني.

التحليل السياسي للحادثة وردود الفعل:

كيف تمت عملية الاغتيال  خصوصا و أنها ليست المرة الأولى التي يزور فيها هنية إيران ؟ هل ايران غدرت به أم أنها  تعرضت لابتزاز سياسي مما جعلها تضحي به ؟ اذا كانت كذلك فما مصلحتها ؟ أم أن ايران هي دولة وظيفية عميلة لان عملية الاغتيال تمت وفق مخطط مدروس و دقيق بتحالف استخباراتي ممنهج لن تكشف عنه حتى التحقيقات.

في ملابسات الحادث صرح الحرس الجمهوري الثوري الإيراني في بيان مقتضب أن العملية تمت بواسطة صاروخ اسرائيلي مُسير عبر الذكاء الاصطناعي ، عندما كان القائد السياسي لحركة حماس الشهيد اسماعيل هنية في مقر خاص بقدماء المحاربين شمال العاصمة طهران . وصرح :  إننا "ندرس أبعاد حادثة استشهاد هنية في طهران وسنعلن عن نتائج التحقيق لاحقا" أما الخارجية الإيرانية فقد صرحت :" دماء هنية لن تذهب هدرا " ، لكنه تصريح متأخر ولا يعكس المتوقع فلو كان لايران نية حمايته لقامت بها من البداية ، ربما هناك نية أخرى مُبيتة.

وفق العرف  الدبلوماسي فالعملية تمت على الأراضي الإيرانية وترتبط بضيف دبلوماسي في بلد أجنبي يتمتع بحصانة دبلوماسية و يجب أن تتوفر له الحماية الأمنية في البلد المستضيف.

قراءة في البعد الأمني:

هل عجزت إيران عن توفير الأمن للقائد السياسي اسماعيل هنية و للبعثة الدبلوماسية المرافقة له ؟ هل هناك خلل في المنظومة الأمنية الإيرانية ؟ لماذا جرى الاغتيال في طهران بالضبط ؟ لماذا لم يتم في تركيا ؟ أو في قطر ؟ لبنان ؟ هل تورطت بعض الجهات الإيرانية في الاغتيال ؟ أم يُراد لها أن تتورط في الحرب ضد اسرائيل كإنتقام؟

بالنتيجة الواضح أن  حكومة نتن ياهو لا تريد لا التفاوض ولا السلام لذلك يهدف من خلال هذا الاغتيال وعلى الأراضي الإيرانية إلى توسيع دائرة الحرب لتصبح حربا شاملة و غير محدودة ، لان انتهاء الحرب بالنسبة له هو انتهاء لمسيرته السياسية ، لكن قد ينقلب السحر على الساحر لأنه تحت ضغط شعبه الذي يعارض استمرار الحرب أمام تزايد عدد الجنود القتلى في جيشه الأوهن من بيت العنكبوت ، كما يسعى لجر المنطقة ككل إلى الدمار و توريط أطراف أخرى في الحرب فليس لديه ما يخسره وهو الخاسر الأكبر أمام مقاومة شرسة أثبتت للعالم قوتها بدون أي غطاء ولا  أي دعم إقليمي  ولا دولي. 

هذه العربدة  يفسرها ابن خلدون بإقتراب هذا الكيان للنهاية ففي آخر مراحل تطور الدولة ينتشر الظلم والجباية  

إن استشهاد هنية  لن يُثني المقاومة عن مواصلة مراميها بل ستستمر بعزيمة أكبر وإرادة أقوى

وصدق عندما قال : دماؤنا ليست أغلى من دماء أبناء شعبنا . هذا الشعب يستحق التضحية.

عن الكاتب

د. صادقي نعيمة

باحثة دكتوراه منظمات دولية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس