بريل ديدي أوغلو – صحيفة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس

ما زلنا نتساءل ما دام العالم أجمعه يدعي أنه يقاتل داعش ويواجه إرهابها فلماذا لم يستطع العالم أن يتخلص من تأثير هذه الجماعة ويوقف إرهابها ولماذا لم يستطع أن يحبسها في منطقة معينة ويحمي بقية العالم من أعمالها الجهنمية ولماذا لم يستطع تجفيف منابعها وأن يوقف الدعم المقدم لها!

قبل عدة أيام نشرت صحيفة لاموند (le Monde) الفرنسية خبرا يلقي الضوء على أجوبة هذه التساؤلات.

شركة لافارج (Lafarge) للاسمنت، إحدى أقوى الشركات العالمية بلا منازع تنشىء في عام 2010م مصنعًا لها في شمال سوريا بمنطقة تل أبيض مقابل مدينة أكتشاكاله التركية، هذا المصنع يعد الأكبر من نوعه في منطقة الشرق الأوسط. في تلك الأيام وإن كانت موجة الربيع العربي قد انطلقت إلا أنها لم تكن قد ضربت سوريا بعد مما جعل الشركة تؤمن بأن سوريا ما زالت مكانًا آمنًا مناسبًا للاستثمار التجاري.

الشركات الكبرى وقبل إقدامها على استثمارات كبيرة مثل هذه تقوم بداية بتحليل المخاطر، ومن المؤكد أن شركة لافارج قد قامت هي الأخرى بمثل هذا البحث والتحليل ووجدت أن تلك الدولة مكان آمن ومناسب لمزاولة أعمالها، لكن يبدو أن تحليلات تلك الشركة كانت خاطئة أو أن نسبة الأرباح المتوقعة كانت كبيرة جدا بحيث دفعتها للمخاطرة والإقدام.

الشركة التي اتخذت قرارها بالإقدام والمخاطرة لا بد أنها خمنت أن المنطقة الشمالية من سوريا الخاضعة لسيطرة الأكراد ونظام الأسد هي أكثر المناطق أمنًا ولذلك رجحتها على بقية المناطق السورية الأخرى.

إذا كان الموضوع أعمال فعندها يتفق الجميع

بعد إنشاء الشركة لقاعدتها الصناعية لم تتناسب الحسابات مع الواقع أو كما يقال "لم تكن الظلمة كما رغب السارق"، فالشركة لم تتوقع انطلاق الثورة السورية أو أنها توقعت نهاية هذه الثورة سريعا أو أنها توقعت نجاح الثورة بحيث يذهب الأسد ويتم إنشاء دولة كردية في تلك المنطقة بشكل عاجل؛ لكن كل هذه التوقعات لم تحدث وخابت ظنون الشركة العملاقة.

ففي عام 2012م وعلى رغم من الجهود الجبارة التي بذلتها وحدات حماية الشعب ونظام الأسد للدفاع عن تلك المنطقة أصبحت المنطقة التي تتواجد فيها القاعدة الصناعية خاضعة جزئيا لسيطرة داعش. وبناء عليه أصبحت الطرقات التي تمر منها قوافل الأسمنت تخضع لسيطرة عناصر داعش وأصبحت الشركة تدفع خراج أو ضريبة على كل شاحنة أسمنت تمر من نقاط التفتيش التابعة لداعش، إضافة إلى أنها عقدت مع داعش صفقات تجارية بخصوص الوقود والطاقة اللازمة للمصانع. أما نحن فكنا نتساءل من أين لداعش كل هذه الأموال.

في عام 2014م اتسعت الرقعة التي تسيطر عليها داعش حتى وصلت إلى الحدود التركية واصبحت المنطقة التي تتواجد فيها مصانع شركة لافارج خاضعة بالكامل لسيطرة داعش واضطرت الشركة في التاسع عشر من أيلول/ سبتمبر ذلك العام إلى وقف كامل نشاطها، لكن وفي سبيل تخليص العاملين في المصنع بدأت حملة مراسلة من خلال البريد الإلكتروني مع داعش لتتم المفاوضات على ترك المصنع لداعش مقابل إطلاق سراح العاملين وبالنهاية استمرار عمل المصنع لتعود أرباحه على داعش التي حمت المصنع واستخدمته.

عداء داعش على أي درجة من سلم الصدق؟

بعد مرور عدة شهور أصبح من الواضح طبيعة الشراكة التي تجمع شركة لافارج مع داعش، في شباط/ فبراير عام 2015م استطاعت وحدات حماية الشعب استعادة المصنع. القوات الدولية التي تحارب ضد داعش كانت هي القوة التي نقلت المصنع من سيطرة داعش لسيطرة وحدات حماية الشعب ولكننا لا نعرف بعد ما إذا كانت قابلية الشركة للتعاون مع أي كان أو أن التدخلات والضغوط الدولية هي السبب في الصورة التي نراها، فقد تحول المصانع لما يشبه القاعدة العسكرية. وبالتالي تنازلت فرنسا عن مصنعها لدول أخرى. هذا الخبر وإن لم يكن كافيًا لتبرير وتفسير هجمات باريس في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2015م لكنه يلقي الضوء على سبب اختيار داعش باريس هدفا لهجماتها. أضف لذلك أنه لا يمكن لوحدات حماية الشعب إنكار مثل هذه الأخبار عن الدعم المقدم من دول أوروبية مختلفة على رأسها فرنسا. حادثة شركة لافارج هي واحدة من القصص التي عرفت ومن يعلم كم القصص والأحداث المشابهة التي تخفى علينا. هذه الأحداث تدل على أن الشعوب في الشرق الأوسط ما زالت تنتظر الدعم من دول أجنبية لتفتح المجال أمام التدخلات السياسية المختلفة. هذه الدول الأجنبية التي تنأى عن التدخل ولو قليلا ما لم تحقق مرابح اقتصادية. وما هذه الحادثة إلا كالمثل القائل "ذهب إلى دمياط لتجارة الأرز فربح من تجارة برغل بلاده".

عن الكاتب

بريل ديدي أوغلو

كاتبة في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس