د. محمد الظاهر - خاص ترك برس

واهم من يظن أن الحصار الظالم الذي تتعرض له قطر هو قرار سيادي عربي، فهذا النوع من الحصار لم تستخدمه سوى دولة واحدة في تاريخنا المعاصر وهي الولايات المتحدة الأمريكية، فقد رأت في الحصار الاقتصادي ورقة ضغط وابتزاز تفرضها على كل دولة ترفض سياستها الخارجية، مما يؤثر سلبا على تلك الدول. لقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية هذا السلاح، ضد كل دولة ترى أنها تشكل تهديدا لمصالحها الاقتصادية.

لقد فرضت الولايات المتحدة حصارها الاقتصادي منذ خمسينيات القرن الماضي بحجة خوفها من النظام الشيوعي، مع أن فيدل كاسترو لم يكن شيوعيا حين فرض عليه الحصار، وإنما اضطر للاستعانة بالإتحاد السوفياتي، خوفا من الخطر العسكري الداهم لبلاده، وحتى بعد هذا الحصار كانت كوبا دولة من دول عدم الانحياز التي أعلنت رفضها لهيمنة القطبين الشيوعي والرأسمالي.

وفرضت حصارها على العديد من دول أمريكا اللاتينية مثل بنما وكولومبيا وفنزويلا وتشيلي ونيكاراغوا، لأن هذه الدول أرادت أن تدافع عن مصالح شعوبها ضد الاحتكارات الاقتصادية الأمريكية التي كانت تنخر كالسوس في تلك البلاد.

وفرضت حصارها على الصين خوفا من تنامي قوتها الاقتصادية وإرغامها على فتح أبوابها أمام السلع الأمريكية.

وفرضت حصارها على إيران، كي لا تكون نموذجا لشق عصا الطاعة على السيد الأمريكي.

وفرضت حصارها الظالم على العراق بحجة أن النظام العراقي السابق يمتلك أسلحة كيماوية، ويهدد دول المنطقة بهذه الأسلحة.

وفرضت حصارها على العديد من الدول العربية الأخرى مثل ليبيا والسودان وسوريا، لأن هذه الدول حسب أكاذيبها تشكل خطرا عليها، مع أن العالم كله يعلم، أن هذه الدول ليس لها أي وزن في وجه القوة الطاغية الأمريكية.

لقد فرضت أمريكا هذا النوع من الحصار كي تدمر تلك الدول، وتنهب خيراتها، وليس لأي سبب آخر. لكن العديد من الدول التي فرضت عليها أمريكا حصارها الظالم، ورغم قلة مواردها، استطاعت الصمود في وجه هذه الحرب القذرة، لسنوات  وعقود، ولم تستسلم، مما اضطر أمريكا إلى استخدام القوة المباشرة لتركيع بعضها.

نسوق هذا الكلام، لأن بركان الأكاذيب الذي انفجر في وجه قطر، منذ القرصنة الألكترونية لموقع وكالة أنبائها، يسير في نفس السياق الذي طبقته الولايات المتحدة الأمريكية، والمبني على ضخ الأكاذيب كي تقنع العالم بعدالة هذا الحصار.

لكن الغريب في الأمر أن الحصار الظالم لقطر، جاء فجأة ودون مقدمات، فما أن تعرض موقع وكالة الأنباء القطرية للقرصنة، حتى بدأت أعاصير الأكاذيب تهب عليها من كل جانب، مما يوحي أن من  أطلق تلك الأكاذيب له اليد الطولى في القرصنة الألكترونية، إذ لا يمكن لأي عاقل أن يصدق أن تلك الأكاذيب كانت مخزنة في جراب الحاوي، فما أن تعرض موقع القناة للقرصنة، حتى بدأ الحاوي باخراج الوثائق التي تجعل قطر الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، وأنها لم تترك وسيلة لإثارة الاضطرابات في الدول الخليجية التي اتبعتها، مما جعل منه الخطر الماحق على تلك الدول، مع أنها كانت قبل أيام من ذلك الإختراق تشارك في القمة الخليجية والعربية الإسلامية التي أقيمت على شرف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

إن توقيت هذه الحملة، مع الحصار الظالم السريع المرافق لها، يوحي لكل ذي عقل، أن كل ما رآه وسمعه غير مبني على أي منطق، ولا يمكن لأي عاقل أن يصدقه. فإذا ما عرفنا أن مثل هذا النوع من الحصار هو صناعة أمريكية، ندرك أن القرارات السريعة التي صدرت ضد قطر، لا يمكن أن تكون قرارات سيادية، وإنما هي قرارات أمليت عليها من صاحب تلك الصناعة، ولكنه كان متعجلا جدا في تلك القرارات، لأنه لم يترك حيزا زمنيا ولو بسيطا، كما كان يفعل في حصاراته السابقة، بل أخرج ما في جعبته فورا ودون سابق إنذار. دون أن يتقي الله في عقولنا، التي أصابها الدوار من سيل الاتهامات، وكأن قطر قد خرجت من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر فجأة فحق عليها القصاص.

ونقول لكل مروجي هذه الأكاذيب، إذا كانت قطر بالفعل هي الممول الأول والأخير للإرهاب طوال هذه الفترة، وكانت خطرا عليكم، فلماذا صمَتُّم عليها طوال هذه الفترة، أم كنتم شياطينا خرسا، إلى أن صدر لكم الأمر بتحريك ألسنتكم.

ما يعزينا، أن الدول التي تعرضت للحصار الأمريكي الصريح، وليس الحصار الأمريكي بالنيابة، كما يحدث الآن مع قطر، كانت أفقر كثيرا وأقل إمكانيات بكثير من قطر، واستطاعت أن تعض على جوعها وتقاوم هذا الحصار، وأن قطر تمتلك من الإمكانيات بالخروج بقوة من هذا الحصار الذي لا يمكن لأحد أن يصدق أنه حصار عربي.

عن الكاتب

د. محمد الظاهر

صحفي ومترجم وشاعر متخصص في أدب الأطفال


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس