محمود علوش - ديلي صباح

سبق أن كتب في صحيفة ديلي صباح مؤخراً أن تغيير القيادة داخل أكبر أحزاب المعارضة مهم، لكنّه لن يكون كافياً وحده لتقديم أداء سياسي مُختلف إذا لم يُصاحب بتغيير في النهج أيضاً. ويبدو أنني كنت مُحقاً في هذا الجانب لأن أوزيل أظهر بداية غير مشجعة من خلال إثارة سياسة الهويات القومية والدينية بحديثه عن أن العلويين والأكراد أقل مساواة من الأتراك الآخرين. ليس لأن هذه السياسة، التي أثارها كمال قليتشدار أوغلو أيضاً، أظهرت فشلها في التأثير القوي على خيارات الناخبين في انتخابات مايو فحسب، بل لأنها أيضاً أقل أهمية بكثير مقارنة بالقضايا الأخرى التي تهم الناخب في الوقت الحالي مثل الاقتصاد والهجرة والإدارة المحلية والأمن وغيرها.

إن محاولة تحريك خطوط الصدع الاجتماعي أمر مُحبط للساسة الداخلية عموماً لأنها تُعيد إلى الأذهان الاضطرابات المؤسفة التي شهدتها تركيا في حقبة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي بسبب سياسات الفرز القومي والديني. كما أن تركيا، التي دخلت القرن الثاني بطموحات عالية وتواجه تحديات داخلية وخارجية مُتعددة، تفرض على أكبر أحزاب المعارضة إنتاج خطاب سياسي مؤثر قادر على التكيّف مع متطلبات العصر الجديد.

يُمكن القول بثقة إن سياسات الفرز على الهويات القومية والدينية لم يعد لها اليوم تأثير واضح في السياسة التركية لأن المجتمع التركي أصبح ناضجاً بما فيه الكافية لتجاوز هذه الهويات ولأن سياسات المواطنة أصبحت هي السائدة بشكل عام. الافتراض البديهي أن أوزيل يسعى من خلال اللعب على وتر الهويات القومية والدينية إلى استقطاب الناخبين العلويين والأكراد في الانتخابات المحلية المقبلة.

مع ذلك، فإن من البديهيات الأساسية في الممارسة السياسية لزعيم جديد لحزب معارض أساسي أن يستفيد من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها سلفه في هذه المسألة بالتحديد. من الواضح أن تغيير النهج أصعب بكثير على حزب الشعب الجمهوري من تغيير القيادة. لقد دخل قليتشدار أوغلو في تحالف انتخابي مُدمر تحت الطاولة مع حزب الشعوب الديمقراطي ومنحه وعوداً بإعادة نقاش المسألة الكردية تحت قبة البرلمان وإلغاء نظام الوصي على البلديات. ورغم ذلك، لم ينجح قليتشدار أوغلو في دفع غالبية الأكراد إلى دعمه في الانتخابات الرئاسية ولا حتى في رفع نسبة التصويت لتحالف المعارضة إلى مستوى يُمكنه من الوصول إلى السلطة.

لأن أوزيل يُحاول على الأرجح الاستفادة من خطأ التكتيكات التي انتهجها قليتشدار أوغلو في صياغة التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي وليس من خطأ النهج، فإنه يلجأ إلى إثارة مزاعم أن الأكراد والعلويين أقل مساواة من غيرهم، بدلاً من الحديث صراحة عن قضايا حساسة أخرى مثل "المسألة السياسية الكردية" التي أظهرت انتخابات مايو أنها أقل قدرة على التأثير في ديناميكية السياسة الداخلية مقارنة بما كان يأمله قليتشدار أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطي ومن خلفه منظمة "بي كا كا" الإرهابية.

مع ذلك، فإن تغيير التكتيكات فقط دون تغيير النهج من غير المرجح أن يؤدي إلى نتائج مختلفة علاوة عن كونه يجلب المزيد من العقبات أمام أوزيل لإعادة ترميم التحالف مع حزب "الجيد" والدخول في شراكة انتخابية معه في بعض البلديات الحضرية الكبرى الأكثر أهمية في السباق الانتخابي مثل إسطنبول وأنقرة.

بالتأكيد، لا تؤيد ميرال أكشنار إثارة سياسات الهوية القومية والدينية لأنها دفعت ثمنها في تحالفها السابق مع كمال قليتشدار أوغلو على مستوى قاعدتها القومية. إن السياسة التركية الراهنة تتطلب قادة معارضين قادرين على صياغة خطاب وطني خال من العصبيات القومية والدينية كي يتمكنوا من مقارعة الخطاب الوطني العابر لهذه العصبيات لحزب العدالة والتنمية والتحالف الحاكم بشكل عام.

مع اقتراب الانتخابات المحلية التي ستُشكل اختباراً حاسماً لمدى قدرة أوزغور أوزيل على إحداث فارق في الحياة السياسية التركية، فإن عامل الوقت لا يُساعده في تدارك زلات اللسان التي قد تنطوي على أثمان سياسية كبيرة. إذا كانت المعارضة قادرة بالفعل على توظيف الأوضاع الاقتصادية الحالية وحدها لتحسين فرص فوزها في الانتخابات المحلية المقبلة، فلماذا اللجوء إلى اللعب على وتر الهويات القومية والدينية؟ الجواب ببساطة يكمن في المُعضلة الكبيرة التي تواجه حزب الشعب الجمهوري بعد تغيير القيادة وتتمثل في صعوبة إحداث تغيير في النهج. من الواضح أن المُعضلة الأكبر التي تواجه أوزيل في هذه المرحلة تتمثل في الموازنة بين الحاجة إلى استعادة الهوية الأيديولوجية الكمالية لحزب الشعب الجمهوري وبين ترك مساحة في هذه الهوية لاستقطاب الناخب اليساري. ربما يُراهن أوزيل على الحاجة الملحة لأصوات ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي في بلديات مثل إسطنبول، لكنّها لا تُغني الحاجة أيضاً إلى الأصوات القومية.

في منطقة تعج بالصراعات القومية والدينية التي جلبت الويلات للشرق الأوسط، فإن المسؤولية الوطنية تفرض على الأحزاب السياسية التركية امتلاك الوعي السياسي الكافي لتجنب اللعب على مثل هذه القضايا.

عن الكاتب

محمود علوش

صحفي لبناني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس