ماجد عزام - خاص ترك برس

عاش السودان أو للدقة الاقتتال بين قوات الجيش ومتمردي الدعم السريع – الجنجويد - تطورات مهمة خلال الأيام والأسابيع الماضية مع سيطرة المتمردين على مدينة واد مدني عاصمة ولاية الجزيرة وارتكابهم فظائع وجرائم، كما هي عادتهم بالمناطق السودانية المختلفة.

هذا التطور على أهميته لم يحسم الحرب التي لا تزال مستمرة في الجزيرة نفسها والخرطوم، بينما أدت سيطرة المتمردين على واد مدني إلى استنفار واسع في صفوف الشعب السوداني من أجل التصدي للخطر المستفحل حيث لا يمكن التفكير أو العمل على مستقبل وسلامة وأمن واستقرار ورخاء البلاد دون القضاء عليه.

قبل قراءة التطورات والمستجدات الأخيرة ووضع الملاحظات الأساسية عليها لا بد من التذكير بأسس وقواعد مهمة لفهم ما جرى في السودان البلد العربي الإسلامي الإفريقي المهم والحبيب والاستراتيجي خلال السنوات العشر الماضية.

أولا،ً لا بد من التذكير بنشأة  الدعم السريع – الجنجويد - من قبل نظام عمر البشير الذي أنشأ المجموعة لقمع الانتفاضة في إقليم دارفور بدلاً من المبادرة إلى التفاوض وتفهم المطالب المحقة لأهل الإقليم، والتوصل إلى حلول وتوافقات وطنية وعادلة حولها.

إذاً زعيم "الجنجويد" محمد حمدان دقلو "حميدتي" متهم بارتكاب جرائم حرب سابقاً وتالياً، تماماً مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أحد أهم داعميه  وفي الربط بين بوتين وحميدتي لا بد من الانتباه إلى فساد هذا الأخير، وهو متهم كذلك بنهب خيرات البلاد خاصة الذهب بالتواطؤ مع مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية سيئة الصيت التي كانت خاضعة فعلياً لسيطرة بوتين والكرملين.

 حميدتي المستبد والفاسد والمتهم بارتكاب جرائم حرب، يسعى زوراً وبهتاناً لتقديم نفسه كداعم للثورات والديموقراطية مع ركوب موجة محاربة ومعاداة الإسلاميين رغم حضورهم الجذري والأصيل وسط الشعب السوداني المتدين بطبعه كما قال ذات مرة نائب الرئيس السابق الزبير محمد صالح للرئيس المصري المخلوع حسني مبارك عندما طلب منه محاربة الإسلاميين واقصائهم من المشهد العام.

من هنا يمكن فهم نفاق حميدتي تجاه الثورة الشعبية ضد نظام البشير-2018- وادعاء حمايتها فقط لتبييض صفحته والتمكن من السلطة في عموم البلاد، ونهب خيراتها كلها، والتحكم بمقدراتها وعدم الاكتفاء بنهب الغرب ودارفور فقط.

بنظرة إلى الوراء يمكن الاستنتاج أن   الدعم السريع- الجنجويد-  هو الطرف الثالث الذي ارتكب الجرائم بحق المتظاهرين خلال السنوات الخمس الماضية، وهو من اعتدى وأطلق النار عليهم بالتواطؤ المباشر أو الضمني مع قوى الحرية والتغيير "قحت" التي دعتهم مراراً إلى للنزول للشارع دون أسباب وحيثيات حقيقية وجدية مع انتقال الحراك إلى السياسة وساحاتها ومؤسساتها وأحزابها ومنابرها.

هنا نجد جوهر القصة ومربط الفرس حيث سعى قحت والدعم لتقاسم السلطة على حساب مطالب الثورة ومصالح البلاد، وإقامة دولة مدنية ديموقراطية لكل مواطنيها دون إقصاء لأي جهة أو تيار أو فكر ما عدا حزب عمر البشير - المؤتمر الوطني - باعتباره المسؤول عن حالة الانهيار والتردي خاصة بسنوات حكمه الأخيرة، إثر سعيه للحكم منفرداً وإعراضه عن كل الدعوات والحوارات والوثائق والتفاهمات لإنقاذ البلاد بمشاركة الجميع دون إقصاء أيضاً.

الآن بالانتقال أو العودة إلى الأزمة والمستجدات الأخيرة  بما في ذلك الاقتتال والحرب إضافة إلى المعطيات المنهجية والتأسيسية السابقة بدأ الأمر مع توقيع وثيقة المصالحة-الاتفاق الإطاري ديسمبر 2022- من أجل العودة إلى السكة الصحيحة بعد اقالة حكومة عبد الله حمدوك والتباعد بين الأطراف السياسية غير أن الدعم أصر على دمجه بالمؤسسة العسكرية على مدار 10 سنين، وهو مطلب وأمر تعجيزي ومستحيل، وتلقي مساندة قحت العلنية والضمنية خاصة مع رفض توسيع دائرة المصالحة والسعي للوصول إلى أوسع درجة ممكنة من التوافق الوطني الحقيقي، وعدم إغلاق الباب أمام القوى والأطراف الأخرى للانضمام إلى العملية السياسية.

في السياق لابد من التذكير دائماً بحقيقة أن جماعة الدعم السريع هي من لجأت وبادرت إلى الخيار العسكري ضد القوات المسلحة والشعب بشكل عام-أبريل نيسان 2022- في ذروة المفاوضات للتوصل إلى تسويات وحلول منطقية بعيدا عن قصة العشر سنوات المستحيلة والتعجيزية.

لابد من التذكير كذلك برفض قحت توسيع دائرة المصالحة والتوافق مع تمسكها بذهنية الإقصاء والاستفراد، وعدم تبني موقف واضح من المطلب التعجيزي للدعم بدمجهم بالمؤسسة العسكرية الشرعية بعد عشر سنوات لإبقاء السيف مسلطاً فوق رقاب السياسيين والشعب السوداني بشكل عام.

وفيما يخص سيطرة المتمردين على واد مدني فقد شابتها علامات استفهام عديدة والتحقيق فيها مستمر لكنها في كل الأحوال لم ولن تحسم الحرب، وهم لم يحكموا سيطرتهم بشكل تام على المدينة والولاية ، والحرب لا تزال متواصلة هناك ،  بينما أدى احتلال مدني وجرائم المتمردين فيها إلى استدعاء غضب السودانيين وتصاعد دعوات المقاومة الشعبية للدفاع عن أعراضهم وبلادهم ومستقبل أولادهم.

بموازاة هذه التطورات بدت لافتة كذلك عودة حميدتي نفسه إلى العلن إثر اصابته بداية الحرب وغيابه عن المشهد لفترة طويلة وجرى ترتيب لقاءات وجولات خارجية له بدت ردا على جولات وزيارات رئيس مجلس السيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان العربية والافريقية والاقليمية.

في تأكيد على المعطيات والاستنتاجات السابقة بدا لافتا جدا لقاء حميدتي ورئيس الحكومة السابق عبد الله حمدوك بمدينة أديس أبابا الأسبوع الماضي، وخروج التفاهم والتحالف مع قحت للعلن بعدما غيّرت اسمها إلى تقدم للتمويه، و وخلط الأوراق بينما بادر التيار المركزي فيها للتفاهم مع مجرم حرب في تجاهل للفظائع الموثقة بالصوت والصورة والشهادات والوقائع التي ارتكبتها  قوات المتمردين ضد أهل حمدوك  وجمهوره والشعب السوداني بشكل عام.  والتحالف العلني مع مجرم حرب، يهدف أساسا الى تقاسم السلطة بين الطرفين واضعاف القوات المسلحة الشرعية التي تقف عائقاً أمام ذلك.

في الأثناء شهدنا انحياز فجاً من مجموعة ايغاد وتجاوز نتائج قمة جيبوتي لصالح تحالف حمديتي -حمدوك غير البرىء على حساب المصالح  القومية الواسعة للسودان والسودانيين علماً أن هذا لا يجب ان يقفل الباب نهائياً امام  مساعي الوساطة الأفريقية تحديداً مع التمسكم بالمطلب العادل بخروج قوات الدعم من  الممتلكات  والمؤسسات والمباني العامة والخاصة والعاصمة الخرطوم تحديداً مع عدم  اقصاء أي طرف من الحوار الوطني الجامع الضروري والملح.

في الأخير، ثمة استنتاج جوهري لا يمكن تجاهله أو القفز فوقه حيث تمثل قوات الدعم السريع  استنساخاً واضحاً وفجاً لتجربة المتمرد خليفة حفتر في ليبيا، مع نفس الرعاة والداعمين الإقليميين والدوليين في سياق إجهاض الثورات  العربية الأصيلة وإعادة أو تحديث أنظمة الاستبداد الساقطة للامساك بالسلطة مع أقنعة وأذرع  وواجهات سياسية وهي للمفارقة نفس تجربة ما يعرف بالحرس - غير الثوري - في إيران والعراق واليمن ولبنان وسوريا، حيث  القبضة الأمنية للميليشيات وامساك بالسلطات كافة  للتحكم بتوجهات البلاد وسياساتها مقابل مكاسب فئوية وظاهرية وشكلية لواجهات مدنية، ما يعنى في  الحالة السودانية تحييد الشعب الطيب والكريم والصادق وتجاهل مطالب ثورته العادلة والمحقة في سياق طمس وإنكار تاريخ  وثقافة وتراث البلاد بشكل عام.

عن الكاتب

ماجد عزام

كاتب ومحلل سياسي فلسطيني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس