ترك برس

رأى الخبير والمحلل السياسي التركي مصطفى أفا، أن الاتفاقية التي وقعتها تركيا والصومال قبل أيام لها أهمية تاريخية ومن شأنها أن تُغير التوازنات وتؤسس لتوازن جديد، وقد أظهرت تركيا من خلالها أنها الدولة المحورية في القرن الإفريقي، وضامنة استقراره الأمني والسياسي.

وقال أفا في مقال نشره موقع "تي آر تي عربي" التركي الرسمي إن العلاقات التركية-الصومالية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من التعاون المشترك، لا سيما في السنوات الأخيرة، ما يجعل من أي تطور في الصومال محط اهتمام أنقرة، التي تبنَّت سياسة داعمة للاستقرار في القرن الإفريقي.

وأضاف: لكونها البلد الذي يمتلك أطول خط ساحلي في البر الرئيسي للقارة الإفريقية بساحلها الذي يبلغ طوله 3330 كيلومتراً، وجدت مقديشو نفسها أمام عديد من التحديات، مثل القرصنة والهجمات الإرهابية والنفايات الكيميائية والصيد غير المشروع، إلى جوار حالة الحرب التي شهدتها طوال العقود الثلاثة الماضية.

وذكر أن عام 2011 شكَّل نقطة التحول الأهم في العلاقات التركية-الصومالية بعد زيارة الرئيس أردوغان إلى العاصمة الصومالية مقديشو خلال رئاسته للوزراء، بعد أن ضربت المجاعة البلاد وأنهكتها الحرب والفوضى، وامتنعت الدول حتى عن فتح سفارات فيها، لتدشن زيارة أردوغان عهداً جديداً بين البلدين.

وأوضح أنه بعد الزيارة، أصدر أردوغان تعليماته إلى جميع مؤسسات الدولة التركية لفعل كل ما يلزم للمساعدة في إعادة إعمار الصومال، وشاركت المنظمات غير الحكومية التركية في هذا المجهود، الذي ظهرت آثاره في مجالات الاقتصاد والصحة والتعليم، بالإضافة إلى مكافحة المجاعة والفوضى، واستطاعت الجهود التركية-الصومالية في تحقيق نجاحات ملحوظة في مقديشو وما حولها.

وعبَّرت تركيا في كل مناسبة عن تمسُّكها ودعمها لوحدة وسلامة الأراضي الصومالية، وافتتحت أكبر قاعدة تدريب عسكري داخل الصومال في نهاية سبتمبر/أيلول 2017، حيث يخضع الجنود الصوماليون لتدريب عسكري منتظم هو الأول الذي تتلقَّاه عناصر الجيش في الصومال.

وفي هذا الإطار يصبح من غير المستغرب إبرام اتفاقية للتعاون الدفاعي والاقتصادي ما بين تركيا والصومال، بعد أن أكدت تركيا رفضها المبدئي أي زعزعة للاستقرار في القرن الإفريقي، ويشكِّل هذا الموقف امتداداً لمواقف أخرى اتخذتها أنقرة بعد وقوفها إلى جانب الحكومة الإثيوبية في حرب التيغراي.

ولفت الكاتب إلى أن تركيا قادت في عام 2013 وساطة وحواراً بين رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية حسن شيخ محمود، ورئيس إقليم "أرض الصومال"، أحمد سيلانو، انتهت بما عُرف بـ"إعلان أنقرة".

وقد وُقِّع الإعلان في 13 أبريل/نيسان 2013، ومثَّل الحكومة الصومالية فيه الوزير عبد الكريم جوليد، فيما وقَّعه عن جانب إقليم "أرض الصومال" الوزير محمد عمر.

وأكد الإعلان إعلاء قيمة الحوار وأهمية استمراره، كما تعهَّد الطرفان بتجنُّب أي أعمال من شأنها تعرض عملية الحوار للخطر وتسهيل دخول المساعدات الدولية إلى الصومال.

اتفاقية التعاون الدفاعي والاقتصادي

وبحسب أفا، انتقلت العلاقات التركية-الصومالية إلى مرحلة جديدة بعد توقيع "الاتفاقية الإطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي" في 8 فبراير/شباط الماضي. ومن المهم والمفيد هنا التذكير بأن تركيا وقَّعت هذه الاتفاقية استناداً إلى "إعلان أنقرة"، ما يجعلها تتوافق والقانون الدولي.

ولأهمية الاتفاقية استراتيجيّاً سارع البرلمان الصومالي إلى التصديق عليها ووضعها موضع التنفيذ، ما يوضح مدى خطورة الوضع الذي تمر به المنطقة.

وتنص الاتفاقية الدفاعية بين أنقرة ومقديشو على إحياء تركيا البحرية الصومالية ومساعدة الصومال في تنمية واستغلال موارده الطبيعية ومكافحة الإرهاب والقرصنة وغيرها من التهديدات، وأعلن الجانب الصومالي أن أبواب بلاده مفتوحة أمام الدول التي ترغب في العمل المشترك في إطار القانون الدولي.

من جانبه، قال وزير الإعلام الصومالي، داوود عويس، عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، إن الاتفاقية تعمل باعتبارها قوة استقرار في القرن الإفريقي، وركز عويس في بيانه على كون تركيا عضواً في الناتو وحليفاً وثيقاً للصومال، مشيراً إلى أن الاتفاق التاريخي الذي يمتد لعشر سنوات سيعزز بشكل كبير جهود الحكومة الصومالية لحماية سيادتها.

وجاءت الاتفاقية بعد توقيع جمهورية إثيوبيا الفيدرالية وإقليم "أرض الصومال" مذكرة تفاهم تتيح وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر من خلال استئجارها خطّاً ساحليّاً يبلغ طوله نحو 20 كيلومتراً على طول خليج عدن، مقابل الاعتراف بإقليم "أرض الصومال" دولةً مستقلة.

وكانت كلمة "السيادة" هي المشتركة في كل التصريحات، إذ تكشف طبيعة وأهمية الاتفاقية، لا سيما أن التوقيع عليها جاء مباشرةً عقب محاولات التدخل في سيادة الصومال.

وتابع المقال: 

لم يقتصر الحراك التركي لحفظ الاستقرار في القرن الإفريقي على الصومال، بل وقَّعت تركيا مؤخراً "اتفاقية التعاون في مجال التدريب العسكري واتفاقية التعاون المالي العسكري وبروتوكول تنفيذ المساعدات النقدية" مع جيبوتي بحضور وزير الدفاع التركي، يشار غولر، ونظيره الجيبوتي حسن عمر محمد.

التطورات الإقليمية واتفاقية الدفاع

وانعكس تحسن العلاقات التركية مع دول الإمارات ومصر والسعودية إيجابيّاً على المشهد في الصومال، ما مكَّن من توقيع هذه الاتفاقية الدفاعية دون أن تتعرض للتشويش أو التعطيل من أي من القوى الإقليمية والدولية التي سلَّمت بأهمية الدور التركي في حفظ الأمن في القرن الإفريقي.

بالإضافة إلى ذلك، ورغم توقيع الحكومة الفيدرالية الصومالية والولايات المتحدة مذكرة تفاهم تنص على بناء خمس قواعد عسكرية لقوات النخبة في الجيش الوطني الصومالي، التي درَّبتها الولايات المتحدة، والمعروفة باسم "لواء الداناب" (البرق)، فإن أهميتها وحضورها الإعلامي ظل محدوداً، مقارنة بالاتفاقية الدفاعية التركية-الصومالية.

وعندما يتعلق الأمر بتركيا، فإن الصوماليين من مختلف التيارات السياسية لا يترددون في النظر إليها من المنظور نفسه، بمعنى آخر أصبحت مسألة العلاقات مع تركيا الآن قضية غير حزبية وغير قابلة للتفاوض بالنسبة للصومال.

وقد نظَّم مواطنون في العاصمة الصومالية مقديشو مظاهرة مؤيدة للاتفاقية، وفي المظاهرة التي حضرها السكان المحليون، بالإضافة إلى عديد من النواب والوزراء، قال وزير الدولة للشؤون الأمنية محمد علي حجة، مخاطباً الجمهور: "نحن هنا للتعبير عن امتناننا وتقديرنا للاتفاقية التاريخية التي وقَّعناها مع تركيا. تركيا بلد تربطنا به علاقات جيدة منذ قرون، ودائماً ما كانت تشعر بالمشكلات التي يعاني منها الشعب الصومالي".

إن الاتفاقية الموقَّعة بين تركيا والصومال لها أهمية تاريخية، ومن شأنها أن تُغير التوازنات وتؤسس لتوازن جديد، وحتى دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا، التي لا تشعر بالارتياح تجاه هذه الاتفاقية، تتفق في الواقع على أن خطوة تركيا مبررة وضرورية لسلامة الصومال.

وفي هذه الاتفاقية أظهرت تركيا أنها الدولة المحورية في القرن الإفريقي، وضامنة استقراره الأمني والسياسي، كما تُظهر التطورات الأخيرة نجاح استراتيجية "صناعة الدفاع من أجل السلام"، فتركيا تزوّد أغلب دول المنطقة بمنتجات الصناعة الدفاعية، ما يمنحها تأثيراً توظفه في حفظ أمن واستقرار المنطقة، في مقابل السياسات الأمريكية التي تعمل على تقسيم دول المنطقة من خلال مطابقة "أرض الصومال" بالمسألة التايوانية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!