ترك برس

تناول تقرير تحليلي للخبير والباحث في مركز "سيتا" التركي للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مراد أصلان، أبعاد قرار تركيا الانسحاب من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا.

وقال أصلان في تقريره بموقع "تي آر تي عربي" الرسمي إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن في 5 أبريل/نيسان الجاري انسحاب بلاده من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، ما أثار حالة من الدهشة لدى المجتمع الدولي.

وركز الإعلام اليوناني على أن الإنتاج الصناعي-العسكري التركي لم يعُد يحدد بأي قيود، وهذا الأمر يجعل من الضرورة توضيح نطاق الاتفاقية ومعاهدة السماء المفتوحة وإزالة الغموض عنها. بحسب الكاتب.

ووقعت معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا عام 1990، بين دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) ودول حلف وارسو، وهدفت إلى تقييد عدد الأسلحة التقليدية التي يمكن للدول اقتناؤها والإعلان عن أماكن تخزينها، لتؤدي حالة الشفافية هذه إلى زيادة الثقة ما بين الدول الموقعة على الاتفاقية.

وجرت مراقبة التزام الدول الاتفاقية من خلال الاعتماد على "اتفاقية السماوات المفتوحة"، فعندما تريد أي من الدول الموقعة على الاتفاقية معرفة مدى التزام الدولة الأخرى الاتفاقية تطلب إجراء تفتيش عبر تقديم طلب قبل يوم واحد من عملية التفتيش، وإرسال طائرة مراقبة إلى الموقع الذي تدّعي فيه وجود الأسلحة وتصويره جواً.

وفي حال وجدت أي من الدول أسلحة غير متفق عليها مثل الدبابات والمدافع تنشط آليات اتفاقية فيينا، وتذكّر الدولة المعنية بمسؤولياتها تجاه الاتفاقية، وفي حال نقل الدول الموقعة على الاتفاقية أياً من القطع أو الأنظمة العسكرية لمنطقة أخرى فيجب عليها إبلاغ الدول الأخرى الموقعة على اتفاقية بهذا الإجراء، كما تنظم عملية الجمع الاستخباري المفتوح ما بين الدول الموقعة على الاتفاقية خلال عمليات النقل.

ويقول أصلان إن التفاصيل الدقيقة للاتفاقية هدفت إلى إدارة الأزمة في وقت الحرب الباردة، وزيادة الثقة ما بين دول حلفَي الناتو ووارسو والحيلولة دون حرب جديدة ما بينها، لكن الظروف الآن بدأت بالتغيير، فحلف وارسو تفكك، وأصبحت الدول الأوروبية جميعها أعضاء في حلف الناتو، باستثناء روسيا وبيلاروسيا.

كما أعلنت روسيا في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 الانسحاب من الاتفاقية، وقابلتها الولايات المتحدة وحلف الناتو بالإعلان عن نفس النية بموجب مبدأ المعاملة بالمثل، وفي ظل هذه الظروف جاء المرسوم الرئاسي التركي بالانسحاب من الاتفاقية، وينتظر نفاذ هذا القرار تصديق البرلمان عليه.

ويرى أصلان أن الاتفاقية أصبحت "غير قابلة للتطبيق" بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، وتحشيد القوات العسكرية في المناطق الانفصالية في جورجيا، وتعزيز الوجود العسكري في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية التابعة لدولة مولدوفا، وفضلت روسيا الانسحاب من الاتفاقية على أن تظل عرضة لطلبات التفتيش وغيرها، ما أفقدها أي قيمة على المستوى البعيد.

ومن السهل تقدير الانعكاسات السلبية للاتفاقية، بدءاً من عدم وجود أي قيود على التسليح، فالدول الأوروبية ترغب في الشعور بالأمان بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، لذا فمن المنتظر أن تشهد الفترة المقبلة ارتفاعاً في الإنفاق الدفاعي، وزيادة في وزن الصناعات الدفاعية في الإنتاج الصناعي.

ويؤكد أن الدول الأوروبية التي ركزت في إنفاقها على قضايا الرفاهية سوف تتجه أكثر إلى تخصيص الأموال إلى الإنفاق العسكري، وعندما تصل هذه الدول إلى حالة من الاكتفاء والرضا عن جيشها تزداد دوافعها العدوانية.

وتابع التقرير:

على الرغم من أن الاتفاقية تتعلق بالتوازن ما بين حلف الناتو وحلف وارسو، فإنها انعكست على التوازنات داخل حلف الناتو نفسه، وعامل الثقة ما بين أعضائه كما هي الحال في حالة اليونان وتركيا.

لا يمكن تجاهل القلق الذي تظهره وسائل الإعلام اليونانية على قرار تركيا الأخير، والذي يظهر لديها نقصاً واضحاً في المعرفة بالاتفاقية، ويجري الترويج إلى أن تركيا يمكنها إنتاج واستيراد ما تريده من الأسلحة، وهذا غير صحيح، فالاتفاقية التي تحدّ من حجم الأسلحة لا تضع قيوداً على مصادرها سواء محلياً أو استيراداً، فيمكن لأي دولة تلبية احتياجاتها من الأسلحة بالطريقة التي تراها مناسبة.

ولا تظهر أرقام التسليح في تركيا تعسفاً واضحاً، كما أن عمليات التسليح تخضع لاعتبارات متنوعة على رأسها قيود الميزانية،فالنقاش حول عمليات التسليح يستلزم حسابات دقيقة مع مصروفات الرفاه، وبالتأكيد فإن الأولوية دائماً ما تكون للقضايا الوجودية، لكن ذلك يتطلب التزام قيود الميزانية.

بالإضافة إلى ذلك فإن مخزون تركيا من الأسلحة والأنظمة القتالية بحاجة إلى التخلص من جزء منها واستبدال أنظمة جديدة بها، ما يعني أن تركيا بدلاً من أن تتجاوز حدود الاتفاقية بتكديس الأسلحة فإنها تسعى إلى الاستبدال بالأسلحة القديمة والحصول على أسلحة جديدة لم يسبق لها اقتناؤها، ما يعني البقاء في حدود الاتفاقية، لذلك يجب النظر إلى الخطوة التركية نظرة واقعية بدلاً من النظرة التحريفية.

ومن المفيد الإشارة إلى كيفية التعامل مع المخاطر والتهديدات الناتجة عن إلغاء معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، فالاتفاقية تغطي أوروبا وغرب آسيا، ما يجعلها غير صالحة، تحديداً بعد تفجّر الصراع في أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا والبلطيق، وإلغاء كل القيود على التسليح، وتهديد بوتن بالسلاح النووي وإرسال الدول الغربية لطائرات إف 16 إلى أوكرانيا.

وبعد فقدان هذه المعاهدة لصلاحيتها أصبح من الضروري إيجاد طريقة لحل الإشكاليات داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وتجاوز مشكلات عدم الثقة ما بين أعضائه كما جرى بين الرئيس الأمريكي السابق ترمب وماكرون.

الأمر الآخر الذي يجب التعامل معه هو الحرب في أوكرانيا، فحكم بوتين لا يمكن له الانتهاء دون حراك شعبي حقيقي، ما يعني بقاءه حتى عام 2030، والمعارك في الفترة الأخيرة لا تسير في مصلحة أوكرانيا والغرب، ويترافق مع ذلك تصاعداً في سباق التسلح، وانحصار خيارات الحرب في التوصل إلى اتفاقية جديدة مع روسيا أو هزيمته أو هزيمة روسيا.

كما أنه من المهم لتركيا أن تقيم التهديدات التي تتعرض لها بعيداً عن تصورات حلف الناتو، فالصورة الأمثل للسياسة التركية هي السياسات السلمية، لكن ذلك لا يمنع أن توفر تركيا أنظمة الأسلحة المتطورة للتعامل مع الأزمات في الشرق الأوسط والقفقاس والقوقاز والأطلسي.

فمن المهم تجنب أي فجوة تسلحية في سلاح الجو وأنظمة الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية، ومن الضروري أن تتجه قدرات الدفاع التركية لتحقيق الكفاءة الأعلى بالتكلفة الملائمة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!