د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس

"يجب أن تكون المرحلة الانتقالية بدون الأسد، لكن  ربما قد تكون أيضا بدور للأسد الذي يجب أن لا يكون له مكان في مستقبل سورية"

يكفي أن تكون هذه الجمل صادرة عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حتى يكون لها صدى كبيرا في أوساط السياسة والصحف والأعلام وتتناقلها محطات التلفزة كخبرعاجل وملفت وتثير من حولها زوبعة من المناقشات والتحليلات والمقالات محاولة تبين سبب هذا التصريح وهذه الجملة الاعتراضية التي قالها رئيس دولة يعرف ماذا يقول ومتى يقول ولماذا يقول، خاصة بعد عودة أردوغان من زيارة عمل قصيرة لموسكو ولقاءه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهو المعروف عنه بموقفه الثابت والواضح تجاه ما يجري بسورية.

من مجزرة حماة.. لأخي بشار

في الثمانينيات كانت كل الصحافة الاسلامية  التركية - رغم ضعفها وهوانها - في تلك الفترة كانت تتناول ذكرى مجزرة حماة وتكتب عن الإجرام الأسد الذي حصل في جسر الشغور وحلب وتدمر من سوريا، وكان طيب أردوغان في بداية حياته السياسية وهو ينتمي  لأبناء الحركة الاسلامية التي عايشت أحداث حماة وما كتب وما قيل عنها .فهو لا يجهل إجرام الأسد الأب في تلك الحقبة السوداوية من تاريخ سورية.

في عهد العدالة والتنمية التركي بقيادة رجب طيب أردوغان وصلت العلاقات السورية التركية مرحلة عالية من الصداقة واللقاءات والاجتماعات المشتركة للحكومات و الوزراء، لم يكن أحدًا يتوقع أن تصل لهذا المستوى بين دولتين بينهما كثير من المشاكل العالقة القديمة والحديثة، بعدما وصلت لحافة الحرب عندما حشدت تركية قواتها على حدود سورية مهددة سورية لإيوائها عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني الذي كان يشن حرب شعواء ضد تركيا أدت لمقتل عشرات الآلاف من الطرفين. حتى قام النظام في دمشق بطرد أوجلان من أراضي سورية لكي تعتقله تركيا وتضع في سجنه بعد الحكم عليه بالسجن مدى الحياة بدل الاعدام الذي أخرجته تركيا لاحقًا من قوانينها بهدف الانضمام للاتحاد الأوروبي.

كما أن طبيعة كل من النظامين في كلا الطرفين لم تكن لتسمح بهذه العلاقة بتلك السهولة.

أخي بشار.. طالما كررها رجب طيب أردوغان وهو يخاطب بشار الأسد أثناء اللقاءات والزيارات الرسمية والعائلية منها في تلك الفترة.

لم يكن رجب طيب أردوغان يجهل ولم يكن يغيب عنه أن بشار هذا مجرماَ مثل أبيه الذي استلم الحكم عنوة وزورا من بعد أبيه. وكان يدرك طبيعة هذا النظام المخابراتي الذي يحكم البلاد بالحديد والنار.

لكن وفي ظل عدم وجود أي بصيص أمل للتفكير بالتغيير وليس للتغير في بلاد الربيع العربي في تلك الحقبة، في ظل الدكتاتوريات التي تقمع أي صوت يحاول المناداة ببعض الحقوق والحرية الاقتصادية بدل السياسية .كانت تركيا تسعى في تلك الفترة وتهدف لجر النظام إلى بعض الاصلاحات القانونية أولًا والنمو الاقتصادي ثانيا، وإعطاء بعض الحريات الهامشية علها تتطور على مدى السنين الطويلة لتصل ما وصلته تركيا من جو ديمقراطي يسمح بهامش من الحرية السياسية  للمواطن السوري.

لكن نظام الأسد كان يرى بكل نصيحة وتوصية من تركيا بأنها مصيدة وفخ له يجب الابتعاد عنها بل وزيادة الحذر من كل مقترح يأتي من تركيا ومن العدالة والتنمية بشكل خاص.

بعد انطلاق الثورات العربية كان انحياز رجب طيب أردوغان واضحا مع الشعوب العربية، ورغم معارضة الكثير من القوى الحاكمة بتركيا وبعض أعضاء العدالة والتنمية لكن أردوغان وقف بكل وضوح ولا يزال مع المظلومين ضد الظالمين كما يحلو له أن يصف موقفه هذا.

ومن الغباء السياسي والجهل التجني من يصف تحول أردوغان من زعيم يصف الأسد بالأخ إلى أكبر معادي له ومعارض لبقاءه بأنه تحول بناء لما تمليه السياسة الأمريكية.

ومن التجني والجهل بموازين القوى الإقليمية والعالمية من يطالب تركيا وأردوغان بما لا تستطيع فعله، ضمن هذه المعادلات التي تجد تركيا وحيدة بعد موقف الدول العربية الهزيل والمخجل والدور الأمريكي الذي يكيل بمكيالين وموقف إيران المدعوم من الغرب والموقف الروسي الذي لا توجد قومة تحجمه وتروضه على الأقل.

مشكلة التعاطي مع الخبر.. أصبحت أهم من الخبر

رجب طيب أردوغان رجل دولة ويمارس السياسية منذ نعومة أظفاره ،وعندما يقول كلامًا لا يقوله جزافًا، فهو يعرف ما يقول وملاذا يقول ومتى يقول، هو لا يقول كلامًا ويريدنا التستر عليه، فهذه ليست من صفات القادة السياسيين، وخاصة من هو مثل رجب طيب أردوغان.

لكن الملفت للنظر والمخيب للآمال هو تعاطي كثير من السوريين لهذا التصريح وهذه الجملة الاعتراضية، التي قالها أردوغان والتي يتناولها كل الاعلاميين خلال كتبة هذه الكلمات، بل وتبعتها عدت عدة تصاريح تحمل نفس الفكرة من قبل وزير خارجية إنكلترا ومستشارة ألمانية وغيرهما، بل ها هو العالم كله بدأ يقبل بهذه الجملة الاعتراضية وأصبحت حديث الناس والإعلام في هذا المساء.

المشكلة بطريقة تناول الخبر من قبل بعض السوريين، البعض اعتبر هذا كلام لا يصدر عن أردوغان وبدأ يسعى بتكذيب الخبر، والتستر عليه ويطالب بعدم نشره. لأن أردوغان لا يمكن أن يقول هذا الكلام. والبعض راح يؤوله على أنه قصد غير ذلك، وكأن أردوغان لا يعرف كيف يعبر عما يريد. والبعض اعتبر هذا التصريح نهاية ووأدًا للثورة السورية، والبعض اعتبره تراجعًا واضحًا في موقف تركيا ورجب طيب أردوغان.

وكان الأجدر والأولى الوقف عند هذه الجملة الاعتراضية، والتفكير بها، وبالأسباب التي دعت أردوغان بقولها، خاصة بعد عودته من لقاء بوتين الذي أعلن اليوم عن موقفه ومطالبته بدعم النظام وبشار الأسد للوقوف أمام داعش والإرهاب.

كان الأجدر اعتبار هذا ناقوس خطر يقوله رجل وقف ولا يزال يقف مع الشعب السوري ويتحمل كل مخاطر وتبعات هذا الموقف، خاصة وأنه ألمح وبل وطالب بنفس الحديث المعارضة بعدم القبول لأي دور للأسد لا بالمرحلة الانتقالية ولا سوريا المستقبل.

الحصان وخيبة أمل تركيا

بعد خمس سنين من الثورة السورية تشعر تركيا بخيبة أمل مؤلمة على مستويات عديدة، موقف الأمم المتحدة والدول الأوروبية وأمريكا، وموقف الدول العربية حتى التي تدعي الوقوف بجانب الشعب السوري.

لكن برأيي أن الخيبة الكبرى كانت بسبب المعارضة السورية، السياسية منها والعسكرية.

فقد راهنت تركيا على جهات كثيرة منها الإخوان والمجلس الوطني والائتلاف ولواء التوحيد والشيخ معاذ الخطيب والتركمان والجيش الحر وغيرهم ولم تجد حتى هذه اللحظة الحصان الذي تراهن عليه وتدعمه وتعتمد عليه. ويكون أهلا لهذه المهمة التي تستطيع منع الفوضى والأخذ بزمام المبادرة وقيادة المرحلة الحرجة. وهذه هي طامة المعارضة السورية ومقتل الثورة السورية هذا اليوم.

اليوم المعارضة السورية السياسية منها والعسكرية وكل السوريين أمام محك ومرحلة مفصلية،

وإعادة تقييم لكل مواقفهم وخططهم ونظراتهم للمستقبل القريب، فالكل أصبح يتحدث عن سوريا إلا أصحاب سوريا الحقيقيين.

فهل نقرأ ونعي ما يدور حولنا وما يخطط لنا  بكل واقعية ومهنية ونظرة ثاقبة واعية بعيداَ عن العواطف والأحاسيس؟

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس