د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس

لم تكن انتخابات الأحد الماضي انتخابات بلدية محلية كما يجب أن تكون  ، ولم تكن لاختيار المرشح الأفضل بناء على برنامجه الانتخابي ووعوده الخدمية المحلية المتعلقة بتلك المدينة وبلدياتها،  لم تكن البتة فرصة تقييم لعمل رؤساء البلديات السابقين،  لمعاقبة المقصر بعمله والذي لم يفي بوعوده السابقة ، ولم تكن فقط لشكر ودعم واختيار الناجح منهم ومنحه دورة جديدة..

لقد كانت انتخابات بلدية محلية باسمها لكن رئاسية سياسية بطعمها وحقيقتها ..

وربما يصح لنا القول بأنها كانت انتخابات رئاسية ، عقابية مؤجلة ..

قبل عشرة أشهر فقط ذهبت تركيا لانتخابات برلمانية رئاسية ، ولم تكن  الأوضاع الاقتصادية أفضل حالاً مماعليه الآن ، بل كانت أسوأ  من ذلك ، ولم تكن حينها بوادر التحسن بالأفق قد بدأت،  ولم تكن هناك خطة اقتصادية متفق عليها برئاسة محمد شمشيك وزير المالية...

وكانت المعارضة  حينها موحدة- ولوظاهرياُ- وكل الظروف مواتية لتغيير الحزب الحاكم والنظام الرئاسي برمته ..

لكن الناخب اعطى الرئيس أدروغان وحزبه والائتلاف الحاكم الثقة من جديد لقيادة وادارة تركيا لخمس سنوات قادمة ...

اذاُما هو الحدث الجديد لكي تكون هذه النتائج بهذا الشكل وبهذه الحدية والمقاطعة والتوجه نحو الطرف الآخر ..وحاصة ان هذا الطرف البديل لم يبدي نجاحاُ مبهراُ ، مميزاُ ، واضحاُ يجعل الناخب يمنحه الثقة بناء على هذه الانجازات..

التفسير العلمي والمنطقي الوحيد أن الناخب التركي رأى بالانتخابات البرلمانية  الرئاسية مسألة أمن قومي وبقاء الدولة ومستقبل تركيا فلم يريد أن يغامر أو يجازف بها ..

يعني لم يثق بالمعارضة لتسليمها دفة الحكم والرئاسة بأنقرة ...

ولم يرد معاقبة الرئاسة باسقاطها..رغم الامتعاض والتململ والتذمر...

لقد تم تأجيل العقاب لمرحلة الانتخابات المحلية  ..

وهذه من بعض مزايا نتائج بعض الانتخابات التركية التي تجعل المراقب يقف أمامها بحيرة لشدة الدقة بالايقاع والتوازن بالعقاب ..

رسالة الناخب التركي لا لبس بها...

لست واثق بالمعارضة لكي أمنحها حكم الدولة ولست راض عن الدولة في سياستها الحالية ..

الرسالة اليوم واضحة ..عقابية واخطار قوي ومزلزل للحزب الحاكم لتعديل الوضع وتحسين الأمور وأطفاء لهيب الغلاء ..

 

وإلا فإن العاقبة كؤود ولا رجعة بها،  وحتمية الزوال والاندثار مؤكدة ولا مزاح بها بالانتخابات القادمة ...

انتخابات عقابية مؤجلة لكنها الأخيرة وبعدها سينتهي كل شيء...

النتيجة باختصار ..

رسالة الى الحزب الحاكم مفادها: أنني لازلت أثق بك وأريدك أن تستمر بإدارة البلاد ..لكن بشروط ..أن تصحح المسار وتعود كما كنت ببداية المشوار وتصلح الأخطاء...

ورسالة للمعارضة فحواها : لازلت بعيدة عن كسب ثقتي لأمنحك سدة الحكم ، لكن هذه فرصة اثبات رشدك من خلال البلديات وهي منحة كبيرة وفرصة ثمينة..

هل كانت هذه النتائج متوقعة!؟

مما لا شك أن هذه النتائج بهذا الشكل فاجئت الجميع ، نعم كانت هناك نتائج معروفة حتى من الحزب الحاكم والرئيس أردوغان أن استعادة المدن الكبرى ليس بالامر السهل ، وكان معروفا للجميع هذا التذمر من الوضع الاقتصادي والغلاء وضيق العيش .. لكن لم يكن احدا يتوقع أن تكون هناك خسارة بهذا الشكل بفقدان قلاع كانت حصينة وعصية على الشعب الجمهوري منذ تأسيسها وخاصة النجاح الواضح لرؤساء تلك البلديات .. فذهب هؤلاء الناجحون ضحية النقمة العارمة على الوضع العام ...

ولن أكون متواضعا لأقول أن علامات الخسارة كانت شبه واضحة لنا المراقبين عن قرب لأسباب عديدة .. عدم نجاح الحزب الحاكم بحشد نصف عدد ما جمعهم قبل عام باسطنبول كان نقاوس خطر لكل من تابع ذلك ،مما دعى أحدهم لكتابة عنوان "بداية النهاية" بناء على ذلك...

لماذا خسر العدالة والتنمية!؟؟

هنا يجب الاشاردة الى أن هذه هي الخسارة الأولى للعدالة والتنمية برئاسة أردوغان منذ تأسيس الحزب أمام الشعب الجمهوري ،ولأول مرة يصبح الحزب الحاكم هو الثاني والشعب الجمهوري هو الأول على مستوى تركيا ...

وهي خسارة كبيرة لأن الشعب الجمهوري هذه المرة لم يكتف بحصد غالبية البلديات بل الأهم منذ ذلك هو حصوله على الأغلبية بالمجالس المحلية في كثير من المدن ، وهذا ما كان يردده الحزب الحاكم سابقا ويعتبره هو المقياس الاساسي ..هذه الحجة اليوم أصبحت بيد الشعب الجمهوري..

مما لاشك فيه أن هناك أسباب كثيرة، منها تراكم سلبيات تتعلق بشخصيات الحزب الحاكم وابتعاد الحزب عن القاعدة الشعبية ولكن أهم اسباب الخسارة هذه هو الوضع الاقتصادي ، وغلاء المعيشة والبيوت والآجار ،التضخم وفقدان قيمة الليرة التركية، معاشات المتقاعدين ،اخطاء اختيار المرشحين ، البعد عن هموم الجماهير، الاتهامات بالرشوة والتحيز بالمناقصات ، عدم القدرة على كسب الشباب ، وضعف الدعاية الانتخابية...

وكل عنوان من هذه العناوين يحتاج لشرح مفصل ومقال طويل ...

مثلا المتاقدين اليوم هم 14 مليون متقاعد ومجرد زيادة المعاشات نصف ما طالب به أربكان يرهق الميزانية التركية وربما يتسبب لفقدان كل شيء..

يعني الرئيس وفريقه لم يكونوا غافلين عن هذا الأمر ، لكن الوضع الاقتصادي لا يسمح بذلك.. وهذا يحسب للرئيس أردوغان وأطن أنه سيحصد نتائجه بانتخابات 2028 لأن آثر خسارة البلديات من أجل كسب تركيا والمحافظة على اقتصادها...

وهنا يجب ايضا الاشارة الى استغلال المعارضة بدون مسؤولية ، عندما يطالب أربكان الابن برفع معاشات التقاعد بهذا الشكل وهو يدرك ويعرف سلبية ذلك على الاقتصاد العام .. لكنها السياسة والتنافس ...

العدالة والتنمية والرئيس أردوغان اليوم أمام تحدي كبير وهذا هو المخرج الأخير قبل الجسر الكبير ...

الأمر ليس سهلا فهناك تجارب سابقة لم تستطع الاحزاب السابقة تجاوزها مثل الوطن الام والطريق الصحيح ..أحزاب تورغت أوزال وسليمان دميرال رؤوساء تركيا السابقين..

أردوغان هو أفضل من يجيد قراءة نتائج الانتخابات في كل مرة... اثناء الفوز والخسارة..

وهذا ما ألمح له وحدد معالم أسباب هذه الخسارة..

خسارة اليوم ليست كغيرها...

فهل تكون  هي نهاية وأفول المرحلة لأردوغانية ..!!؟

أم هي مجرد كبوة و تكون بداية النهوض  من جديد كما قال أردوعان..وبداية انطلاقة  المئوية الثانية من عهد الجمهورية !؟

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس