بولنت أورتاكوغلو - صحيفة يني شفق ترجمة وتحرير ترك برس

النقاط العمياء والسرية في تأسيس حزب العمال الكردستاني (PKK) يبدو أنها ستظل مخفية في طيات التقرير الذي أعدّته وكالة المخابرات الأمريكية المركزية (سي آي ايه) بسرية تامة بعنوان "الشغب الكردي في تركيا والعراق وإيران". حيث يتناول هذا التقرير تحليلًا مُفصّلًا عن حزب العمال الكردستاني في العراق وإيران بلا قيود ويروي تاريخ وكيفية تأسيسه وتطور الحزب ومستقبله، في حين أنه تناول تاريخ حزب العُمال في تركيا في ثلاث صفحات وفرض التعتيم على هذه المعلومات، لكن آثار المشروع الأمريكي الذي ينوي بناء "دُويلة حاجزة" تُشكل خطرًا على الأمن التركي ووحدة أراضيه بشكل مباشر قد تم التعتيم عليها إعلاميًا وجعلها قيد الكتمان خوفًا من انكشافها.

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 والعمل مع المالكي سويًا في تهميش العشائر السنيّة في العراق، والقيام بتقديم الدعم المباشر للشيعة، بالإضافة للسياسات الإيرانية القائمة أيضًا على دعم الشيعة في العراق والاستراتيجيات الخاطئة التي ارتكبوها في المنطقة؛ أدت إلى ولادة تنظيم داعش والتنظيمات الأخرى المُشابهة وتحضير أرضيّة خصبة لنمو مثل هذه التنظيمات وتطورها. هذه الحقيقة وما يتبعها من حقائق أن تنظيم داعش الوسيلة المستعملة من قبل القوى العالمية قد أُنشئ بهدف إعادة تصميم الشرق الأوسط من جديد. فقد قام عميل وكالة الأمن القومي الأمريكية إدوارد سنودن بتسريب معلومات خطيرة حول داعش، وذكر من خلال الوثائق المسربة أن أمريكا وإنجلترا وإسرائيل قامت بتأسيس داعش لخلق عنصر تهديد وعمل توازن في منطقة الشرق الأوسط وحماية أمن إسرائيل بشكل غير مباشر. حيث أثارت هذه التسريبات موجة من القلق والشك في المواجهة الأمريكية لداعش.

فهذا التنظيم الذي يقوم بهدم المقابر والمزارات والذي هدد بهدم الكعبة فيما لو سيطر على مكة المكرمة، لم يتحدث بكلمة واحدة ضد دولة إسرائيل. بالتأكيد هذا يدل على حقيقة داعش ويعطي إشارات قوية عن أسياده الذين يمدون له الدعم في الخفاء. نعم، هناك أعداد هائلة وجماهير مؤيدة لهذا التنظيم من 124 دولة مختلفة الجنسيات؛  سببها الدعاية الإعلامية الضخمة التي عرف كيف يستعملها، من خلال النداء باسم الدين الإسلامي والجهاد في مواقع التواصل الاجتماعي استغل مشاعر العديد من الشباب المتحمس. لكن علينا القول أن هذا التنظيم ليس له علاقة بالدين الحنيف لا من قريب ولا من بعيد، بالعكس فالمجازر التي ارتكبها أفراد هذا التنظيم زادت من فجوة "الإسلاموفوبيا" وعمقت مشاهد سيئة في أذهان الناس حول العالم عن ديننا دين التسامح.

قامت بؤرة العالم المركزي المتمثلة بأمريكا وإنجلترا وإسرائيل في خمسينات القرن الماضي بتأسيس المؤسسة السرية "غلاديو" التي عملت على نهب وسلب الدول الهدف تحت مظلة حلف الناتو. وقامت أمريكا بالتنصت على الملايين من مواطني ألمانيا وعلى رأسهم ميركل، حيث نشر سنودن في بعض التسريبات أن أمريكا قامت بالتنصت على محادثات زعماء دول الناتو أيضًا. ومن غير عِلم القيادات العليا في المراكز الإدارية داخل دول الناتو ودول الاتحاد الأوروبي، تم تأسيس الغلاديو بشكل غير شرعي داخل مؤسسات الجيش والاستخبارات للدول والذي تم الكشف عنه مؤخرًا، مما دفع الدول المركزية العالمية إلى البحث عن طرق جديدة تجمع المعلومات عبرها عن الدول بعيدًا عن مؤسسة الغلاديو.    

في الوضع الحالي قامت الدول المركزية في العالم بمحاولات لإعادة هيكلة وتصميم الشرق الأوسط من جديد عبر داعش، فجمّعت حوله العديد من العناصر من جميع أنحاء العالم وبعثت بهم لسوريا لكي يتم تدريبهم وتأهيلهم في المعسكرات التابعة لداعش، وبعدها يتم سحب هذه العناصر وإرجاعها لمواطنهم لكي يتم استغلالهم لاحقاً؛ فتشكل هذه العناصر خلايا نائمة لهم في دول عدة يستعملونها حين الحاجة ومتى شاءت لحساب الاستراتيجيات والأهداف المخطط لها.     

أعتقد أنا وحسب قناعتي الشخصية أن الهجوم الإرهابي في فرنسا بتاريخ 7 يناير/ كانون الثاني، والذي حدث على مجلة الهزل تشارلي إيبدو كان هن طريق هذه الخلايا النائمة التي تديرها قوى خفية. العجيب في الأمر وقت هذا الهجوم، فقبل حادثة باريس قامت فرنسا وتركيا وبعض الدول الأوروبية بأخذ قرار يتجه نحو الاعتراف بدولة فلسطينية، وكذلك تصريح الرئيس الفرنسي هولاند في شهر أغسطس لعام 2013 بأنه نادم لعدم مشاركة بلاده في الحملة العسكرية ضد بشار الأسد الذي استعمل الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليًا ضد شعبه الأعزل، وإشارته إلى أن الأسد يجب أن يرحل، أتى توقيت هجوم باريس لكي يغطي هذه المواضيع. جميع الدول حول العالم ركزت انتباهها على هذا الهجوم، لكن فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى تنبهت إلى الخطر الذي يهددها حال سارت باستراتيجياتها الخارجية في موضوع فلسطين وسوريا بشكل يختلف عن رأي وكلمة الدول المركزية.

حزب التحرر الشعبي الثوري (DHKP/C) كان الفرع الأهم للغلاديو في تركيا وأوروبا، وبالرغم من البحث المتواصل عن رئيس هذه المنظمة دورسون كاراتاش لم يتم القبض عليه إلى أن مات في مدينة بروكسل. في هذه الأيام تم الكشف تقريبًا عن جميع علاقات هذه المنظمة ولصالح من كانت تعمل.

كذلك منظمة فتح الله جولن الإرهابية والتي تعمل بشكل سري لصالح الدول المركز وعلى رأسها أمريكا وإنجلترا، وبالرغم من الكشف عنها مؤخرًا من خلال محاولات الانقلاب ضد الدولة التركية  في تاريخ 17-25 كانون الأول/ ديسمبر، إلا أن النظرية التي تقول أن هذه المنظمة وغيرها من المنظمات الإرهابية والخلايا النائمة التي تديرها الدول المركز لأهداف قذرة،  قوية جدًا ويمكن التأكيد على أن هذه المنظمات مصطنعة مثلها مثل داعش في سوريا والعراق، تعمل لأطراف خارجية هدفها أمن الدولة التركية.

لكن الدول التي تستعمل الإرهاب وسيلة للوصول لأهدافها وغايتها، يجب عليها أن لا تنسى حقيقة أن صنيعهم الإرهاب سيضرهم في عمق أساساتهم. " ويمكرون ويمكُرُ اللهُ، واللهُ خيرُ الماكرين".

عن الكاتب

بولنت أورتاكوغلو

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس