هشام سراي - خاص ترك برس

هل شاهدتم الكارثة التي تحل باهلنا في مضايا، إنهم يموتون جوعا والحصار الخانق جعل من أجسادهم عظما بلا لحم، ألا يشاهد العالم كيف يرقص الموت في مضايا ولا يستثني لا الشيخ ولا الصغير والجوع يقهر الجميع، نحن نعرف المصالح السياسية للدول الكبرى في سورية ونعرف أنها جميعا ترى في الأسد رغم جرائمه ضد الإنسانية مصلحة مشتركة وأن الأرض السورية هي المكان المثالي لحفلة المفرقعات والتفجيرات واستعراض الأسلحة وبيعها لمن يريد الشراء، نعم ندرك النفاق العالمي كما ندرك أيضا أنه لن يُطهر هذا العالم من سوئه إلا حرب عالمية أخرى تأخذ الأخضر واليابس، ولكن أليس بمقدور هذا العالم أن يدخل للمحاصرين في كل سوريا بعضًا من رغيف الخبز والمعونة الغذائية التي تسد رمقهم وتعينهم على الآلام و الجراحات التي يتجرعونها، أم ان الحرب هي حرب على الإنسان السوري الحر بكل أشكاله وتوجهاته ومن لم يمت بالرصاص والقصف لا بأس سيموت جوعا وهوانا مثلما الحال في مضايا اليوم.

اليوم وقد خذلت الثورة السورية ومن قبلها القضية الفلسطينية من إخوة الدم والنسب "إخوة يوسف" كان لا بد أن نلتفت إلى إخوة الدين والعقيدة فهم أولو بأس شديد، وموقعهم اليوم استراتيجيا واقتصاديا وعسكريا يؤهلهم لحمل القضية السورية كما فعلوا ويفعلون منذ اندلاع هذه الثورة، الزيارة الأخيرة للرئيس التركي إلى المملكة العربية السعوية كانت تحمل دلالة وبعدا سياسيا قويا على التطور السريع للعلاقة بين البلدين والتي مزقها سابقا التقاطع في الرؤى والأهداف، ولعل هذه الزيارة كانت محل اهتمام بالغ من الإعلام العالمي خاصة الإيراني والذي يعرف أن تركيا والسعودية قادرتان على تقويض مشاغباته وتحركاته في المنطقة، كما أن الزيارة تأتي بعد مجموعة من الأحداث السياسية التي أعقبت اغتيال قائد جيش الإسلام زهران علوش وتكثيف الجيش الروسي طلعاته الجوية وتوفير الغطاء الجوي لعمليات الميليشيات النظامية والذي أحرزت من خلاله بعضًا من التقدم، الأولوية بالنسبة للأتراك هي توحيد العمل المسلح وإيجاد جبهة سياسية معارضة قوية تستطيع تصدير القضية والدفاع عنها بدون مواربة ولا نفاق، ندرك الدور الكبير الذي تقدمه المملكة في دعم الثورة السورية ولكننا نعتقد أنها في وضع لا يسمح لها بفعل الشيء الكثير فالجبهة اليمنية لا تزال مفتوحة بلا مهزوم ولا منتصر، الانخفاض المستمر لسعر النفط يشكل ضغطا إضافيا على الرياض، كذلك الصراع المحتدم مع إيران وتدخلاتها المستمرة يمثلان ملفًا ذا أولوية قصوى، لهذا نجد أن تركيا قادرة  على تقديم دور أقوى خاصة في مساعيها الرامية لإنشاء من منطقة آمنة، هل الأمر مستحيل؟ لا أعتقد ذلك و إلا لما أصرت تركيا عليه، وهناك تجارب تاريخية في البوسنة والهرسك  أو في شمال العراق وجنوبها. هل هناك إرادة دولية لفعل الأمر  كما حدث من قبل؟ توجد إرادة دولية لعرقلة الأمر بكل الطرق، في الآونة الأخيرة تسربت للإعلام المباحثات التي أجرتها أنقرة مع الكيان الصهيوني بعد قطيعة دامت خمس سنوات، قد نتساءل لماذا في هذا الوقت بالذات؟ يبدو أن أنقرة أيقنت أخيرا أن مفاتيح الملف السوري ليست بيد الولايات المتحدة الأمريكية ولكنها بيد الكيان الصهيوني وعليه وجب التفاوض مع من بيده القرار فلا روسيا وإيران ولا أمريكا قادرة على الحسم ، الأمر مؤلم ولكنك ستضطر للجلوس مع الشيطان حتى تكف شره أو كما قال نيلسون مانديلا: "إذا كنت تريد أن تصنع السلام مع عدوك، فيتعين أن تعمل معه، وعندئذ سوف يصبح شريكك".

الرهان على النفوذ التركي هو رهان جيد ومهم، كما هو الرهان على كل حر وشريف في هذا العالم، صحيح أن أنقرة لا تمتلك الترسانة النووية  ولا القوى العسكرية الضاربة التي يمتلكها الآخرون، ولكنها تمتلك شعبا وقيادة دأبتا على الدفاع عن حقوق المستضعفين والمضطهدين في العالم، ليس مدحا طريا مني لتركيا وشعبها ولكن عليك أن تسأل كل حر شريف عن هذا الأمر.

عن الكاتب

هشام سراي

كاتب جزائري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس