محمد أبو رمان - العربي الجديد

تأتي زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى السعودية، عشية رأس السنة الجديدة، لتأخذ التحالف بين الدولتين خطوات أكثر رسوخًا وثباتًا إلى الأمام، وتبتعد برهانات الرياض، ضمنيًا، خطوات أخرى عن "أجندة" المعسكر العربي المحافظ (الأردن ومصر والإمارات) خطوات أخرى.

حاولت القيادة السعودية، قبل ذلك، توسيع سلّة خياراتها الاستراتيجية بتأسيس التحالف الإسلامي العالمي لمواجهة المحور الروسي الإيراني، إلاّ أن التحالف الكبير من الصعب أن يتجاوز الصيغة البروتوكولية والإعلامية؛ فالمسافات بين رهانات أعضائه الـ35 ما تزال كبيرة، فهنالك رؤى متضاربة بينها تجاه الملفات الساخنة في المنطقة، خصوصًا بين تركيا والسعودية وقطر من جهة والمعسكر العربي المحافظ من جهة أخرى، كما أن دولًا عديدة لا ترغب بالتورط في الصراعات الإقليمية الحالية، مثلما حال باكستان وماليزيا، فضلًا عن الدول التي تأخذ مشاركتها طابعًا شكليًا.

حدثت الاستدارة السعودية الأولى مع تولي القيادة الحالية مطلع العام السابق مقاليد الأمور، عندما بدأت تعيد حساباتها الاستراتيجية تجاه سورية واليمن، وأطلقت "عاصفة الحزم"، وأعادت تعريف مصادر التهديد بوصفها النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة، بدلًا من حركات الإسلام السياسي، وخصوصاً المعتدلة، بعد الانقلاب العسكري في مصر، ما أوجدَ بداية الخلافات غير المعلنة بينها وبين معسكرها التقليدي (الأردن والإمارات ومصر)، إلاّ أنّ الرياض بقيت مترددة، وتحاول أن تلعب دورًا تنسيقيًا تجاه تركيا وقطر من جهة، وهذا المعسكر من جهة أخرى.

لكن، ومع التدخل الروسي قبل أشهر، وتشكّل المحور الحديدي الرباعي من موسكو وطهران وبغداد ودمشق، بدا موقف الرياض مبتعدًا بالكلية عن شركائها المحافظين العرب، خصوصًا أن الأردن ومصر لم يأخذا موقفًا نقديًا من التدخل الروسي من جهة، وأصبحا أكثر وضوحًا في عدم ممانعة بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية.

حتى في اليمن وفي "عاصمة الحزم"، وعلى الرغم من الشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج، لاعتبارات الأمن الإقليمي لها، فإنّ الخلافات في إدارة المعركة العسكرية تخرج إلى العلن في أحيان حاسمة، كما يحدث حالياً في ملف تعزّ، خصوصاً الموقف من حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإسلامي) الذي لا تريد له الإمارات أي دور، ما يعقّد حسابات الرياض هناك، ويصعّب من عمليات الإنجاز.

على الرغم من خطوات الرياض، أخيراً، تجاه أنقرة وقطر؛ إلا أنّ هنالك رسائل تبدو متضاربة بهذا الخصوص، كما حدث في مشاركتها بحجب الموقع الإلكتروني لصحيفة العربي الجديد، تضافرًا مع موقف شريكيها الإماراتي والمصري، أو إغلاق جناح المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (مقره في الدوحة) في معرض جدة الدولي للكتاب، ما يطرح تساؤلات جوهرية؛ فيما إذا كانت دلالات ذلك ترتبط بالتردد وعدم وجود موقف حاسم تجاه هذه الاستدارات الاستراتيجية، أم أن هنالك وجهات نظر متفاوتة في مطابخ الرياض السياسية تجاه هذه القضايا الدالة؟

من الواضح أن القيادة السعودية لا تريد أن تخسر معسكرها المحافظ، وتحاول رأب الصدع الحالي، لكنها لا تملك أن تخفي الاختلافات المهمة التي تحدث تجاه رؤية الأمن الإقليمي. والأهم من ذلك كله، أنّ أنقرة التي تورطت، اليوم، في صراعات إقليمية صعبة ومعقدة، بعد حادثة إسقاطها الطائرة الروسية السوخوي، مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي حرّض بغداد وطهران عليها، لا تملك ترف انتظار مواقف حاسمة واضحة لمواجهة التحديات التي باتت مشتركة لها وللرياض على السواء، وتحديداً فيما يتعلق بالفراغ الاستراتيجي الذي يضرب الدول السُنية في المنطقة.

دفعت اللحظة الراهنة كلًا من أنقرة والرياض إلى تجاوز الإرث التاريخي والخلافات حول الموقف من الربيع العربي، فهما تحملان رؤية مشتركة حول المحور الجديد الخطير الذي يضم روسيا وطهران، وتشعران بأن مصالحهما الاستراتيجية مهددة، ما يعني أن التردد والحيرة وعدم الحسم والقيام بخطوات واضحة وجريئة سيضعف قدراتهما أكثر مما تبدو حتى الآن محدودة ومكبلة، خصوصًا أن الموقف الأميركي والأوروبي لا يساعد اليوم العاصمتين كثيرًا.

عن الكاتب

محمد أبو رمان

باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، وخبير في حركات الإسلام السياسي وقضايا الإصلاح في الأردن.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس