د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس

رغم كل التضخيم والدعاية الاعلامية التي يحظى بها حزب الشعب الجمهوري بشكل دائم  ، وخاصة قبيل الانتخابات البرلمانية ، لكنه لم يستطع الحصول على ثقة الشعب والفوز بأصوات تجعله - على الأقل - شريكاً في قيادة تركيا وإدارتها.

ورغم كل الفشل والإخفاقات التي مني بها خلال العقدين الماضيين بقيادة رئيسه الحالي كليجدارأوغلو  ، ورغم تعالي بعض الأصوات مطالبة بالتغيير ، وتجديد الدماء ، وتغيير قيادة الحزب  بعد نتائج الانتخابات الأخيرة ، إلا أن كليجدارأوغلو استطاع أن يحُّجم كل الشخصيات التي أعلنت أنها مستعدة للترشح لخوض الانتخابات لقيدة الحزب.  وحال دون السماح لها حتى بمجرد خوض الانتخابات - على الأقل  - لكي يضفي روح الديمقراطية والمنافسة في حزب الشعب الجمهوري الذي يدعي أنه ملك للشعب وممثل للديمقراطية .

حزب الشعب الجمهوري عندما يذكر اسمه ، فإن معان كثيرة و مختلفة تخطر ببال المستمع  ، تختلف حسب عمر الشخص وقربه أو بعده من هذا الحزب وتركيبته ..

فهو يعني للكثيرين أنه  أول حزب تشكل بتركيا ومؤسسه هو مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك ، الذي منح الحزب نسبة 28.1% من ملكية بنك العمل التركي ،وللحزب حرية التصرف بهذه الأرباح ،وهو الحزب الوحيد الذي يملك هذه الميزة والخاصية.

وله معنى مختلف عند كبار السن ،فهو يعني بالنسبة لهم الفقر والحاجة والقحط وفقدان السلع وطوابير الغاز والسكر والمازوت ...وحكم الحزب الواحد حيث منع الآذان باللغة العربية واغلقت المدارس الدينية وحورب الدين بأسماء شتى ...

أما جيل الشباب فهو يعني له حزب المعارضة الأم الذي لم يستطع رفع نسبة أصواته في كل الانتخابات لتي خاضها .ولم يتقدم قيد أنملة في العقدين الماصيين.ويتذكر هذا الجيل كيف تم اسقاط الرئيس القديم دنيز بيكال بفضيحة أخلاقية ،ولولا هذه الفضيحة التي اعتبرها البعض جزءاُ من مخطط خارجي لهندسة المجتمع التركي لما كان بالإمكان للرئيس الحالي كليجدارأوغلو أن يصل لرئاسة الحزب ،حيث لا يمتلك الكاريزما والقدرات والكفاءة التي تؤهله لهزيمة سلفه المخضرم وثعلب السياسة التركية على مدى خمسين عاماً مضت.

قبل كل انتخابات محلية  أو برلمانية تحشد القوى المعادية للعدالة والتنمية كل ما تملك من أقلام وصحافة وقنوات ومراكز استطلاع  لتلميع صورة حزب الشعب الجمهوري وتصويره وتقديمه  وكأنه هو حزب تركيا المنشود والذي هو خلاصها ومنقذها الوحيد.وتسعى بنفس الوقت لتشويه صورة الحزب الحاكم وتصويره بأنه هو الخطر على تركيا ومستقبلها مهما قدم من انجازات  ونجاحات هامة ومفيدة وعلى كل المستويات.

لكن وبعد كل انتخابات شعبية يفوز بها العدالة والتنمية، وتكون خيبة أمل لهذه القوى.فإنها في البداية تحاول الطعن بمصداقية الانتخابات والتشكيك بنزاهتها ،وبعد استعادة القدرة لمجابهة الجماهير ومواجهتها فإنها تعود لطبعها القديم من محاولات للنيل من كل الاصلاحات ووضع العراقيل أمام الانجازات التي تقوم بها حكومة العدالة والتنمية.

بعد انتخابات حزيران الماضي التي أصابت العدالة والتنمية بكبوة وفقدانه القدرة على تشكيل الحكومة بمفرده،أحست هذه القوى والمراكز أنها وجدت ضالتها ووصلت للفرصة التي كانت تنتظرها منذ عقود.

فعملت على أن يكون حزب الشعب الجمهوري شريكا وجزءاً من الحكم بأي شكل من الأشكال،بتنحية العدالة والتنمية نهائياً ،أو على الأقل مشاركته بالحكم وعرقلة تفرده بالقرارات والسياسة التركية وخاصة الخارجية منها.

ربما يكون رئيس الجمهورية طيب أروغان هو الوحيد الذي أدرك هذه المكيدة والفخ الذي يراد له الوقوع به ، فعمل بكل ما يستطيع لمنع تشكيل الحكومة الائتلافية وقاد البلاد بكل شجاعة وتصميم لإعادة الانتخابات من جديد رغم كل التحذيرات من بعض المقرين وكثير من المحللين والمطلعين على مجريات الحياة السياسية .

انتخابات الاعادة في الأول من تشرين الثاني من العام المنصرم ،كانت صدمة وصفعة جديدة لهذه القوى التي ظنت أن الخلاص من العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان قاب قوسين أو أدنى.

بعد انتخاب رئيساً للبرلمان التركي من حزب العدالة والتنمية و تشكيل الحكومة  وحصولها على الثقة بدون الحاجة لأصوات المعارضة بعد فوز العدالة  والتنمية بأغلبية كافية لتحقيق كل هذه الأمور ،أعلنت الحكومة عن عزمها على تنفيذ حزمة من الاصلاحات على رأسها تغير الدستور ،وكثير من الاصلاحات الاقتصادية.لكن  حادثة اسقاط الطائرة الروسية وتأزم العلاقات مع روسيا جعل تركيا تبحث عن بديل للطاقة الروسية ،وتشكيل تحالفات جديدة مع الدول العربية من قطر والسعودية والجزائر ،محاولة تلافي الآثار السلبية لتأزم العلاقة مع روسيا.

في ظل هذا التعافي وتصميم الدولة التركية على انهاء العمليات العسكرية التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني ،حدث بتركيا حادثين أزعجتا  الدولة التركية وخاصة رأس الهرم رجب طيب أردوغان .

الحادثة الأولى :البيان أو العريضة التي وقع عليها 1128 أكاديمي وكاتب وصحفي يتهمون به الدولة التركية بأنها تقوم بعمليات قتل جماعي وتصفيات بحق الأكراد ،وبدون أن يتعرض هذا البيان لحزب العمال الكردستاني بأي كلمة.مما أثار غضب رئيس الجمهورية فاتهمهم بالجهالة والخيانة وطالب بمحاكمتهم .هذا أدى الى اعتقال البعض من اساتذة الجامعات والتحقيق مع بعضهم .وهي محاولة لتأجيج القلاقل في الجامعات ضد الحكومة .

والحادثة الثانية: مؤتمرحزب الشعب الجمهوري الذي اختلف عن كل المؤتمرات السابقة بعدة ملاحظات .

الملاحظة الاولى دخول 42 شخصية علوية لمجلس قيادة الحزب المركزية من أصل 52 ،وهذا يحول حزب الشعب الجمهوري وحزب الجمهورية التركية لحزب الطائفة العلوية بتركيا.

الملاحظة الثانية هي فوز كمال كليجدار اوغلو رغم كل الفشل والإخفاقات ،والسكوت المفاجئ للأقلام التي كانت تطالب بالتغير وتجديد الدماء ، بل ودعمها لهذه القيادة الجديدة،وكأن تعليمات وصلتها من جهات أعلى.

الملاحظة الثالثة هي الهجوم الحاد وغلظة الكلمات التي استخدمها كليجدارأوغلو والتي تتعلق بالشرف والعرض والنزاهة التي استهدف بها رئيس الدولة أردوغان ، والتأييد القوي والملفت للأنظار من أعضاء الحزب. وربما كانت الهتافات والحرارة مفقودة إلا في هذه الحالة.

معروف في الرياضة أن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم ومعتاد بالسياسة أن يغطي الفاشل اخفاقاته وفشله بالهجوم على غريمه والحزب الحاكم ،لكن أن يتحول الهجوم هذا ضد رئيس الجهورية الذي يمثل تركيا ، ويخرج عن اللياقة والكياسة ويهبط لمستوى متدني وغير أخلاقي  كما وصفه الكثيرون فهو دليل على أن الفترة القادمة ستحمل كثير من التوترات والأزمات التي ستركز للنيل من شخصية طيب أردوغان،حيث يعتبر هو الهدف الأول لإسقاط العدالة والتنمية وتحويل تركيا عن موقفها الحالي الداعم للربيع العربي وحركات التحرر في بلاد الشرق الأوسط .

فهل هذا التحول في تركيبة الحزب ولغته وهجومه الجديد يعني تحول حزب الشعب الجمهوري لحزب عقائدي طائفي متشدد ولا يمثل سوى شريحة محدودة من الأتراك؟

إن صدق هذا التحول بعد اخفاق حزب الشعوب الديمقراطي بأن يكون هو الآخر حزبا لكل تركيا وليس مجرد ناطق بأسم حزب العمال الكردستاني وجبال قنديل ،فهذا يعني أن تركيا تعيش اصطفافاً حاداً وخطيراً وسيجلب الكثير من الأزمات والمشاكل وربما المحن والويلات..؛؛

ويظل الخطر الأكبر من وراء هذه التحولات في لهجة وخطاب كليجدار أوغلو وهجومة على رئيس الجمهورية بدل رئيس الحكومة ، يكمن بأن هذه العدوانية من رئيس حزب المعارضة الأم تؤجج نار العداوة وروح الانتقام لدي المنظمات الارهابية والخلايا النائمة المتعطشة لزعزعة أمن تركيا واستقرارها .

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس