سمين قومشل قونل - الجزيرة ترك - ترجمة وتحرير ترك برس

تعد فاطمة باربروص أوغلو، من الكتاب، والأدباء، والمختصين في علم الاجتماع، وهي كاتبة منذ سنوات في صحيفة "يني شفق" التركية، واعتادت على الكتابة حول متعلقات الحياة اليومية للناس العاديين والبسطاء، ولما يدور في الشارع، أكثر من الكتابة في السياسة، وقد أصدرت كتابها الأخير بعنوان "الحياة مواساة"، وتتحدث فيه  عن المجتمع التركية على شكل قصص صغيرة واقعية، وتقول بأنّ "الإنسان لا يفنى"، وتحدثت مع فاطمة باربروص أوغلو، عن العديد من الأمور، انطلاقا من مشكلة البذخ والاسراف لدى المحافظين، ومرورا بالتأثيرات التي أحدثها الانترنت علينا، وليس انتهاء بقراءات 28 شباط/ فبراير الخاطئة.

ما هو مكتوب في الكتاب يسلط الضوء على تغيّر تركيا، لكنكم تتحدثون عن أنّ "الذهنية المحترسة" هي المسيطرة دائما على المجتمع، وبرغم أنّنا نعيش ثورة الانترنت، والتخلص من عقبات القوانين، وبرغم أنّ حياتنا أصبحت أكثر حرية، لكن أفكارنا وعقولنا لم تتحرر بعد. لماذا؟

هذا الأمر له علاقة أيضا بموقع تركيا، فما يعيشه جوارنا بكل أسف من انتشار للنيران، جعلنا مع مرور الوقت نصبح دولة شرق أوسطية، ولذلك فإنّ عدم توفر الأمن، والشعور بالخوف، يغيّران الوعي لدى الناس، ونبدأ بعدها ننظر إلى كل شخص في محيطنا على أنه خطر علينا، مع أنّ أول خطوة لتجاوز مرحلة الخوف تتمثل بالأمن. لكن ما تعيشه المنطقة من حروب في ليبيا ومصر وسوريا، جعلنا نشعر بحالة من الرهبة، والإعلام يقرأ تعاقب الأحداث بصورة خاطئة. على سبيل المثال، يحصل عمل ارهابي، فماذا يعمل الإعلام؟ يبقى طوال اليوم، وفي المساء، يتحدث عن تلك العملية الارهابية، من قام ولماذا قام بها، وكيف قام بها، لكن الأهم من كل ذلك في الواقع، هو قضية كيف يمكننا أنْ نستمر في توفير حياة آمنة لنا. علينا أنْ نبقي شريان الأمن سليما معافى.

كتابكم ماذا يشرح بالضبط؟

رغبت في أنْ يكون هذا الكتاب، بصمة تاريخية تعكس مشاعرنا وأحاسيسنا اليومية في هذه الحقبة التاريخية، ونسجت قصصه مما سمعت، ورأيت، وقرأت، وعندما كنت أكتب بحث الدكتوراة، شعرت بأنّ هناك نقص شديد في هذا الجانب، حيث كان هناك عدد قليل جدا من الأثر الذي يتحدث عن الحياة اليومية في المرحلة الأخيرة من الدولة العثمانية، ولذلك نشرت كتاب عام 2003، لخصت فيه المعلومات حول وسائل النقل الجماعية التي كانت متوفرة حينها، حينما لم تكن أجهزة الجوال والأجهزة الذكية قد دخلت حياتنا بعد، وأنا الآن أقول الحمد لله على أنني كتبت حول وسائل النقل الجماعية في ذلك الوقت، فاليوم اركب الحافلات الصغيرة "مينيبوس"، وأصبحنا لا نصادف كثيرا "الحافلات الكلاسيكية"، وأنا اليوم أرى بوضوح كيف أنّ أجهزة الجوال غيّرت حياتنا، واعتقد أنني أنا أول من سيشعر باستغراب، حينما أقرأ كتاب "الحياة مواساة" بعد عدة سنوات.

ماذا تغيّر على صعيد عالم الفكر والمثقفين مثلا؟

اليوم أصبحنا لا ننظر إلى المنتج الذي يخرج في المجالات كلها، من الأدب إلى علم الاجتماع، فعلى سبيل المثال، تعيش جامعاتنا اليوم أزمة علمية حقيقية، فالذي يجعل للجامعة قيمتها أمران، الطاقم الأكاديمي، ومكتبة الجامعة، لكن انظروا اليوم، هناك العديد من الجامعات بلا مكتبات، وإنما عبارة عن شيء يشبه قاعات الأفراح، واذا ما تحدثنا اليوم في هذا الموضوع مع المسؤولين، وتناقشنا فيه، ومع الأكاديميين، سيقولون "منذ متى ونحن نختلف وننقسم في وجهات النظر بهذه الصورة؟"، لكن المشكلة هنا لا تكمن في اختلاف وجهات النظر، وإنما أصل المشكلة متعلقة بالجودة، وأصل السؤال الذي يجب أنْ يطرح هو "منذ متى أصبحنا نحب الأشياء عديمة الجودة؟".

هل تعتقدون أنه يوجد في مجتمعنا اليوم نقاشات أدبية، وثقافية ذات جودة وقيمة تفتح الآفاق أمام العقول؟

عند النظر وسماع ما يجري في مدارسنا، اعتقد أنّ مشكلتنا تكمن في "أنه لا يوجد مشكلة"، وانا هنا لا اريد الفصل بين اليساريين واليمين والليبراليين، نحن نمر بفترة تحوّل مكثفة، ليس على الصعيد السياسي والجيوسياسي فحسب، وإنما هناك تحوّل في العالم أجمع، وعندما نريد الحديث عن هذا التغيير، علينا أولا أنْ نفهم هذا التغيير. ما هي المشكلة؟ وما هي الظروف التي تسببت بها؟ وما هي طرق التعامل مع هذه المشكلة؟ وهل هناك امتداد لهذه المشكلة في التاريخ؟ مشكلتنا الحقيقية هي أننا لا نحب هذه الأسئلة، ولا نبحث عن إجابات لها، ولا نريد أنْ نتحمل المسؤولية، وننتظر أنْ يقول أحدهم ماذا علينا ان نفعل، ننتظر كل الأمور أنْ تأتينا جاهزة.

هل بإمكانكم إعطاء مثال حول هذه النقطة؟

مثلا ما زال المحافظون يعتقدون بأنّ 28 شباط هو سبب تراجعهم، لكن هذا الأمر غير صحيح اجتماعيا، فلا يمكن لذلك الانقلاب أنْ يؤثر حتى شعيرات المجتمع، ونحن عايشنا 28 شباط مع بدء ثورة الانترنت، وما حصل قد يكون من اهم أسبابه ثورة الانترنت، لكن اذا كان تأثير 28 شباط إلى هذه الدرجة، لماذا لم يقم المحافظون بتوثيق كل ما جرى؟ ولماذا في المقابل قام اليساريون بتوثيق ما جرى في 12 آذار من انقلاب، وكتبوه بالطريقة التي يريدون فيها أنْ يقولوا بأنّ ما حصل نجاح للدولة التركية؟

"التكنولوجيا التي نستخدمها تغيّرنا"

كان للمحافظين مجهودات كبيرة في مواجهة وتحدي القوانين التعسفية التي صدرت بعد 28 شباط. هل تحوّل تطبيع العلاقات بين الطرفين إلى تحويل التراكمات لإنتاج جديد؟

هل لو لم يكن هناك ثورة انترنت لكان الأمر مغايرا؟ في 28 شباط قدنا حملة إعلامية كبيرة عبر قناة "ATV"، وكان الناس يستعمون إلى التلفاز وإلى الأخبار حتى ساعات الفجر الأولى، ونجحنا في تحقيق نجاح رائع، لكن لو كان في تلك الفترة ثورة انترنت كالتي نعيشها اليوم، ولو كان هناك في يد كل شخص جهاز جوال ذكي، هل كانوا سيستمعون لنا، ويبقوا على شاشات التلفاز؟ نحن اليوم يجب علينا أنْ لا نقرأ شكاوى الناس المتعلقة "بالانفصال والانقسام والتفكك" من الناحية السياسية فحسب، فاذا أهملنا التغييرات المجتمعية سنبقى في إطار التذمر من "قدوم حكومة واستقطاب". ما نستخدمه اليوم من تكنولوجيا تغيّرنا، لكن عدم قبولنا بذلك يلقي بالاتهام على الآخرين، وهذا أسلوب مجتمع غير ناضج، لأننا كطفل صغير يلوم الآخرين، ونتخلى عن تحمل مسؤوليتنا، وبكل تأكيد تحولت تلك التراكمات إلى انتاج، لكن هل يكون الإنتاج مستمرا؟ أم سيتقطع؟ مثلا عدم المطالعة والقراءة لا اربط سببه بالحكومة، وإنما بسبب التكنولوجيا، ومع أنّ الشباب يقرؤون المئات من الجمل بصورة يومية، إلا أنها جملا عديمة الفائدة يتلقونها مما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، والكتب أصبحت اليوم تباع بسعر الخبز، لكن السؤال الأهم، كم كاتب أدبي انضم إلى سلسلة الكتاب خلال السنوات العشر الماضية؟ حل المشكلة يكمن في إجابة هذا السؤال.

هل تعتقدون أنّ هناك استقطاب في تركيا؟

لكي نقول أنّ هناك استقطاب، يجب أنْ نرى أحدهم يقول شيئا ما، والآخر يقول شيئا نقيضا له، لكن ما نراه أو نتصوره الآن مما يشبه حالة استقطاب، ليس له أهمية، والمجتمع اليوم لم يصل حتى إلى مرحلة المناقشة والمناظرة، فعلى سبيل المثال، الحكومة سعت إلى إعادة تخطيط شكل العائلة في تركيا من أجل حمايتها، حينها يخرج عالِم اجتماعي، ويفسر كل ما اقترحته الحكومة على أنه من أجل تحقيق أهدافٍ خاصة لها، ويبدأ برسم الأفلام والحكايات والخيالات حتى ينتقد، ولذلك يعيش المجتمع التركي كأنه في مسلسل حقيقي، وعندما تخرج الحكومة سواء لتنتقد أو تتحدث في موضوع ما، يخرج بعض علماء الاجتماع ليقولوا نقيض ذلك، كي لا يُحسبوا أنهم في صفّ الحكومة.

هل هناك تفكك في الشارع؟

المشكلة التي يجب أنْ نتوقف عندها أكثر من الحديث عن الاستقطاب، هي أنّ المواطن التركي مع مرور الوقت تزداد مشاكله النفسية، واليوم أصبح كل منهم جاهز لعمل مشكلة، ويشعر دوما بالقلق والحزن.

لماذا؟

نحن ننشحن بسبب أخبار العنف والغضب، أصبحنا نستمع كل يوم لأخبار عنف كثيرة جدا، واذا لم يكن هناك أخبار اغتصاب واكراه في تركيا، يقوم الإعلام من الصباح وحتى المساء بإعلامنا بأحداث مشابهة في الهند، أما برامج الزواج، فهذا عالم آخر... إسطنبول تبقى مستيقظة على الدوام، وفي كل وقت هناك أزمة مواصلات، فمثل هذه المواضيع اليومية تؤثر على حياتنا أكثر من النقاشات والجدل السياسي.

هناك العديد من الناس يرى في حزب العدالة والتنمية، إما الحزب المنقذ لتركيا، وإما الحزب الأكثر خطرا عليها. إذا ما قدم حزب آخر غير العدالة والتنمية لسدة الحُكم، هل سنعيش مثل هذه الحالة؟

بكل تأكيد، أسماء الأحزاب وممثليها تتغير وتتبدل، لكن المنتخبين والناخبين لا يتغيران، دعونا نعود بالذاكرة إلى الوراء، في عهد تورقوت أوزال، كان هناك العديد من الناس يحبونه، وآخرين لا يحبونه، وأوزال الان لا تجوز عليه سوى الرحمة، لكن العديد من الناس ما يزالوا ينالون منه. مشكلتنا تكمن في تحميل كل شخص المسؤولية لمن هو أعلى منه، لأنه لا يريد هو أنْ يتحمل المسؤولية، وهذا ما حصل في موضوع ان يكون للعائلة ثلاثة أطفال على سبيل المثال، بوتين مثلا طلب نفس الأمر، والدول العظمى تريد عدد سكان كبير، لكن عندما يطلب اردوغان ذلك، تبدأ النقاشات الحادة، فمن يحب اردوغان يأخذوا الموضوع على محمل الجدية القصوى، والذين لا يحبون اردوغان يزدادون غضبا عليه، ونحن لا ننتقد أحدا على حبه أو كرهه لشخص ما، لكن المبالغة في المديح، أو التعرض لشخصه بالإهانة والتحقير هو أمرٌ مرفوض، لأنّ ذلك مخالف للأدب المشروع.

الوسط الأكبر الذي تنعكس فيه الأحداث اليوم، هو الإعلام الاجتماعي، وأحد مشاكل هذا العالم هو كثرة الكوميديا والاستهزاء، فلماذا لا يتم الوقوف في وجه هذه الاستهزاءات؟

من يؤمن بأنّ القائمين على مثل هذه الأمور يأخذون معاشا مقابل القيام بها، هو وحده يستطيع أنْ يقف في وجهها ويمنعها، هذه الأمور لا تجري من قبل أشخاص "مأمورين"، وإنما من أشخاص يعتبرونها هواية وتسلية لهم، ولذلك ممن نستطيع ان ننتظر ان يقوم بإيقافهم؟ الشخص كلما نشر تغريدات مليئة بالكره والحقد، يزداد عدد المتابعين له. نحن لدينا أمراض متراكمة، ومن لا يستطيع أنْ يجمع الأموال أو الشهرة، يسعى إلى أنْ يزداد عدد المتابعين له، في الماضي كانت الجملة الشهيرة "هل تعرف من انا؟"، لكن اليوم الجملة هذه تحولت إلى "هل تعلم كم مليون/ألف متابع لي؟".

ألا تعتقدون بأنّ لغة الغضب تأتي ضمن إطار هيمنة الرجال؟ هل هناك تناقض في هذا الموضوع؟

لا أعتقد، في المفهوم العام الواسع في العالم هناك هيمنة ذكورية، وقد كتبت عن بداية نقصان الهيمنة الذكورية في 2006، لكن لم يكترث احد لذلك، وعندما لا نهتم بهذا الأمر، لا نستطيع فهم حالة الغضب هذه، فأصبحنا نحن في العالم المتحضر اليوم، لا يستطيع فيه الرجال التعبير عن أنفسهم، مثلا يزداد وجود الرجال في عالم الاقتصاد، لكن ما تزال النساء أفضل منهم فيه، خصوصا مع حصول ثورة الانترنت، وحتى في المجال العسكري أصبح نفوذ الرجال يقل، ومع وجود الطائرات بدون طيار، لغة الحرب تغيرت، ولذلك فإنّ القرن الواحد والعشرين هو قرن يميل أكثر نحو النساء.

"الرجال أصبحوا أكثر ضعفا، وهشاشة"

هل تعتقدون أنّ المحافظين يؤمنون بأنهم استطاعوا تربية وتعليم بناتهم أكثر من أبنائهم الذكور؟

اريد قول بأنهم الأكثر تحملا، والأكثر كفاحا، واليوم العصر يدعم الفتيات أكثر من الشباب، ولذلك أصبح الشباب أكثر ضعفا، وأكثر هشاشة.

لماذا؟

في عام 2009، استمعت لحديث شابين كانا يجلسان في مطار ازمير، كانا يتحدثان عن العسكرية، وعن أخبار الشهداء، وهذا ما يحصل للشباب التركي، اذا وصل 18 عام ولم يلتحق بالجامعة، سيذهب مباشرة إلى العسكرية، ويبدأ يتلقى أخبار الموت الواحد تلو الآخر، ولذلك عليكم أنْ تتعلموا، لتتجنبوا العسكرية، بل تضطرون لزيادة مدة التعليم حتى تؤخروها أكثر، ولذلك فإنّ نشأة الشباب في هذا الوطن صعبة، وقد أثرت عليّ حادثة تابعتها عن قرب، عندما بات شخص أعرفه في مستشفى الأمراض العقلية، ومنذ فترة طويلة لم يأتيه أخبار من ابنه، كان يخبره دوما بأنه يكمل دراسات عليا، لكنه فعليا كان في الجيش يتلقى التعليم العسكري.

وهناك الحديث عن "اللامسؤولية" لدى الناس

نعم، هناك عدم اكتراث من الناس، لكن لو أصبحنا مهتمين ماذا سنفعل؟ وانا أعيش هذا الأمر، عندما أتذكر خروجي من القرية، ومرحلة ما قبل التحضر، أحزن كثيرا على ترك القرية، واشتاق اليها، وأبقى حائر، وأقول لنفسي أنني "حزنت بكفاية" على تركها، لكن في نفس الوقت لا أعلم ما هو الكافي، ولا أجد حلا آخر غير البكاء.

ماذا نحتاج؟

نحن بحاجة إلى كتابات وأشخاص يقربوننا من بعضنا البعض، وأن نتضامن أكثر سويا، ومع المحافظة على الاختلافات بيننا، وعلينا ان نحمي المسافة بين أنا وأنت، ونحن وهم، وهذا ما تقوله الأمهات، "أخوك لم يقصد هذا الأمر"، ونحن في نفس الوقت بحاجة إلى مثل هذا المفهوم، ما يقربنا أكثر من بعضنا البعض، وعلينا تحويل لغة الغضب إلى لغة الحكمة.

من سيقوم بذلك؟

المثقفون عليهم إدراك ذلك وتصويب الوضع، وانا لست متشائما، وأعتقد أنّ لهذا العصر نصر الدين، ويونس، وحاجي بكتاش، وصبر الدين القونوي.

الجميع يشعر باليأس، وأصبحنا نتعامل مع أخبار قتل المدنيين، وقذف الأمواج لأجساد الأطفال، على أنها أخبار يومية عادية.

بكل أسف، في المجلة نشرت مقالة بعنوان "حقيبة تمنح حياة"، وهذا ما نعيشه الآن في تركيا، نشتري الملابس والأحذية، ونأكل وننام، لكننا في نفس الوقت نشعر باللوم، ومع ذلك لا يخرج أحد منا ويجمع بعضا من البضائع ويساعد أولئك الناس الذين لا يملكون أي شيء، هذا الأمر يجب أن نقوم به بصورة مجتمعية، وليس فقط من خلال السياسة، علينا أنْ نقوم بكل شيء يشعر الناس المضطهدين الذين لجئوا إلينا أنهم يعيشون في أحسن أحوال، وحينها عندما نستشعر ظروفهم، سندرك بأننا ما نزال نعيش في حياة مرفهة جدا، وأننا نملك أموال تكفي للجميع، وأنا اكثر ما يصعب عليّ فهمه، هو زيادة البذخ والاسراف لدى المحافظين.

"تغيرت معايير الخصوصية"

أصبح الأضواء مسلطة أكثر على المحافظين بعد استلام العدالة والتنمية سدة الحُكم، واقتربوا أكثر من النظام الحاكم، كيف كانت تجاربهم؟

أصبح المحافظون في تركيا أكثر ظهورا في تركيا، لأنّ معايير الخصوصية تغيرت في تركيا والعالم، وخصوصا مع إزالة الحدود، أصبح من الصعب العيش في الخفاء وبعيدا عن أعين الناس. في الماضي كنا ننتظر أنْ يظهر المشاهير في الصور، لكن اليوم أصبحنا ننشر صور ما نأكل ونشرب للجميع، وبدأنا نعيش امام اعين الجميع، وهذا أثّر بالطبع على المحافظين، وتلاشت الفروقات الحياتية والقيم بين الليبراليين والمحافظين، والفرق أصبح يتمثل بفرق المعاشات، فهناك لغة خاصة يستخدمها الذين لديهم دخل يزيد عن 5 آلاف دولار شهريا، وهناك من دخلهم الشهري 800-1000 ليرة، ولغة الفقراء، لغة مساواة، ولا فرق بين اليسار واليمين في ذلك، لكن يبقى في الوسط الفئة المتوسط، والمشكلة الحقيقية هي ذوبان الطبقة الوسطى، مع أنّ من يحدد ويرسم صورة المشهد، هم الطبقة المتوسطة.

كيف تغيّر إدراك معنى الخصوصية؟

قبل عشرين عاما، عندما كان المحافظون يزورون بيوت بعضهم البعض، كانت النساء تجلس بصورة منعزلة عن الرجال، لكن اليوم يضيفون بعضهم البعض على الفيسبوك، ويتشاركون كل شيء، وهذه تشكل معضلة آيدولوجية للأشخاص، لأنّ من يفصل المحافظين عن غيرهم، ومن يفصل المسلمين عن المسيحيين وغيرهم، هو معايير الخصوصية، والمتديّن يولي أهمية كبيرة للخصوصية، فهو لا يستعرض ما يقوم به أمام الناس، ويحافظ على نفسه وجسده كما تأمره عقيدته، لكن استخدام الفيسبوك بدأ يمحو هذه الأمور، وهذه المعضلة تشكل مشكلة مجتمعية حقيقية، واذا تعمقت هذه المشاكل سيصبح من الصعوبة بمكان تجاوزها أو تخطيها من خلال ثورة كما في عالم السياسة.

هل تعتقدون أنّ المحافظين يتناقشون في هذا الأمر؟

لا يتناقشون ولا يتحدثون بهذه المواضيع بالقدر الكافي، لأنّ الأعمال الإرهابية في الآونة الأخيرة سيطرت على يوميات حياتنا، ففي الحياة التي ينتحر فيها الأطفال، ويستشهد الجنود، لا تستطيعون الحديث ومناقشة الاستهلاك المبالغ به لديهم.

انحلت المشاكل المتعلقة بالحجاب، هل تعتقدون أنّ لدى المحافظين قلق حول تكرار فقدان هذه الحقوق؟

لا أعلم

هل لديكم أنتم قلق كهذا؟

نحن في عالم متغيّر ومتقلب، ولذلك لا يمكننا القول لا يمكن حصول ذلك، لكن ما يثير استغرابي هو السبب الذي يكمن في أنّ بناتنا ما يزالون لا يرتدون الحجاب مع أنّه أصبح ليس ممنوعا.

في كتابكم أيضا تحدثتم عن قصة فتاتين محجبتين تتحدثان عن فتاة أخرى لا ترتدي الحجاب، لماذا لا يرتدون الحجاب؟

هناك من ينتقد المحجبات اللواتي يزينّ أنفسهن بصورة كبيرة، وعندما أنظر الى انستغرام، تخرج إحصائية غير صحيحة ولا تعكس الواقع، والذين ينتقدون ذلك، لا يرون سوى جزء فقط من الحقيقة، فهناك فتيات يرتدين الحجاب، يتعاملون في جميع المجالات، وفي كل المستويات، ماجستير ودكتوراة، لكن أصبحنا اليوم لا نرى سوى جزء من الواقع، وننتقده، والثمار لا تظهر أمامنا بصورة واضحة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس