ابتسام شاكوش - خاص ترك برس

في مخيم جيلان بينار للنازحين السوريينن تجاوزنا عتبة الأنين والشكوى، تجاوزنا انتظار المعونات والإغاثات، تجاوزنا حالة النازح المستجدي للعواطف والتعاطف وبدأنا العمل الجاد لإنتاج جيل من السوريين قادر على حمل المسؤولية وبناء المستقبل.

اجتمعت معي ثلة من المخلصين، وهم الأستاذ الشاعر سامر كنجو، والأستاذ الشاعر منور الناجي، الأستاذ الشاعر شعبان كنجو، والسيدة هيام عقيل، ومعنا دائما مصطفى المايري، الذي يتقن الدخول إلى أرواح تلاميذنا، فيلاعبهم ويؤنسهم ويدخل لنفوسهم المرح وحب التعلم.

من أجل هذا افتتحنا المركز الثقافي داخل المخيم بامكانيات شبه معدومة، إذ أننا لم نجد مكانا مخصصا لنشاطاتنا فاستعرنا صالة المعهد الشرعي، نحتلها بعد انتهاء دوام طلابها، وصلتنا هدايا من أصدقاء، نذكر منهم الدكتور توفيق العبيد، الذي قدم جهاز لابتوب وطابعة ومجهرا، وجهاز بروجيكتور، ومجموعة من كتب وقصص الأطفال، أحتفظ بها جميعا داخل خيمتي، التي باتت تكتظ بهذه الأشياء فلا أجد فيها مكانا لجلوسي، نحمل هذه الأدوات إلى صالة المعهد لنستخدمها ثم نعيدها، في عملية مجهدة شاقة، لكننا مستمرون.

- مركزنا الثقافي يقوم بكل النشاطات التي تقوم بها المراكز الثقافية، ويزيد عليها بعض البرامج، بدأنا بدورات الأخلاق للأطفال، حيث يتابعنا ألف ومائتي طفل نعرض عليهم أفلاما تربوية عبر البروجيكتور، ثم نناقشهم بمضمونها، ونقدم مكافآت لمن يلتزم منهم بأكبر قدر من المبادئ الأخلاقية لتحفيز التنافس بينهم على الخير.

- قمنا بدورات تقوية لطلاب الشهادات في المواد الأساسية خلال عطلة الصيف، وما زلنا نتابعهم في مدارسهم

- قدمنا، ونقدم، أمسيات أدبية يلقى فيها الشعر والقصص من إنتاج سكان المخيم، ومحاضرات تثقيفية في التاريخ والعلوم.

- نقيم الآن دورة في الكتابة الأدبية طلابها من تلاميذ المدارس الإعدادية والثانوية، نعلمهم كيف يعبرون عن مكنونات صدورهم وأفكارهم بأسلوب أدبي مناسب، ونقيم لهؤلاء الطلاب أمسيات أدبية نستمع فيها مع جمهور من سكان المخيم إلى إنتاجهم ونناقش أفكارهم، وسيتبع هذه الدورة إعلان عن مسابقة أدبية على مستوى المخيم.

- أقمنا دورة في العَروض، طلابها من الشريحة ذاتها، نعلمهم أصول كتابة الشعر التقليدي والحديث.

- اقمنا دورات مستمرة في محو الأمية للأطفال المتسربين من المدارس أعمارهم 10 – 16 سنة، نعلمهم القراءة والكتابة والرياضيات ثم نلحقهم بالمدارس النظامية بالصفوف التي تناسب أعمارهم ومستواهم التعليمي، ونستمر في متابعتهم داخل مدارسهم، خرجنا منهم دورتين وبين أيدينا الآن الدورة الثالثة.

المنافسة شديدة بين سكان المخيم لإلحاق أبنائهم بهذه الدورات، لكن إمكانياتنا للاستيعاب ضئيلة جدا، لذلك ركزنا جهودنا على الصبيان دون البنات، لننقذهم من الجهل والفراغ والضياع، ولننقذ مستقبلهم من الانحراف والانخراط في تجمعات تضر بهم وبالمجتمع.

مركزنا ما زال يتيما مثل ثورتنا، لم تتبناه أية مؤسسة أو جمعية، ولم تدعمه ماليا أية جهة، رأسمالنا إصرارنا على العمل وإيماننا بأن الأديب والمعلم، ليس موظفا يعمل ليقبض مرتبه في نهاية الشهر، بل هو حامل لرسالة إنسانية، ومهمة وطنية لا يجوز له التقاعس عن أدائها أبدا، ولا عذر له بالاستكانة إلى اليأس والإحباط.

أمامنا جيل إذا لم نتداركه بالتعليم، حصدنا في المستقبل مجتمعا جاهلا مستعدا للانقياد إلى أية قوة ترغب في السيطرة عليه، نسأل الله العون.

أخيرا أعرف بنفسي، أنا أديبة سورية، لدي ثمانية من الروايات، وتسع مجموعات قصصية، حاصلة على أربع جوائز دولية في الرواية، وكثير من الجوائز السورية، تركت الترف ورفضت الهجرة، بعد جولة على مصر والأردن ولبنان والسعودية، وبعض المدن التركية قررت السكن في هذا المخيم، من أجل هذا العمل، من أجل ألا تضيع دماء شهدائنا وجرحانا سدى، من أجل إنشاء جيل يحمل المشعل من بعدنا، ولن أغادره إلا في رحلة العودة إلى سورية، إن شاء الله.

عن الكاتب

ابتسام شاكوش

أديبة سورية، لديها ثمانية من الروايات، وتسع مجموعات قصصية، حاصلة على أربع جوائز دولية في الرواية، وكثير من الجوائز السورية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس