ولاء خضير - خاص ترك برس

تشهد مدن جنوب شرق تركيا، ذي الغالبية الكردية، احتدام النزاع المسلح بين القوات التركية، وانفصاليي حزب العمال الكردستاني "بي كي كي"، بلدات بأكملها تعيش تحت حظر التجوال، كما هي الحال ببلدة سور، في ولاية ديار بكر التركية، والتي تقع على بعد 100 كيلومتر، شمال سوريا.

وتدور في مدينة دياربكر، معركة شرسة، بين قوات الحكومة التركية من جهة، وبين مقاتلي حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" والذي تُصنفه تركيا، على أنه منطمة إرهابية، وتوجه له اتهامات بتنفيذ تفجيرات في تركيا، في السنوات الأخيرة.

ورغـمَ ما تشهده الأحداث من تعتيم إعلامي تركي، وغربّي، لما يجري في مدينـة ديار بَـكـر، منذ ثلاثة أشهر، إلا أنَ بعض الأخبـار والصـوّر، كشـفت حجم المأسـاة التي يعيشها سـكان المدينة، وشراسة المعارك التي تدور هناك.

وكان حزب العمال الكردستاني، الذي بدأ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بزعامة عبد الله أوجلان، تمردا داميا، أسفر عن مقتل نحو أربعين ألف شخص، قد استأنف عملياته ضد الجيش والأمن التركيين، إثر التفجير الذي ضرب يوم 20 يوليو/ تموز الماضي، مدينة سوروج التركية، المقابلة لمدينة عين العرب (كوباني) السورية، والذي أسفر عن مقتل 32 شخصا، كانوا في تجمع مؤيد لأكراد سوريا.

ومنذ ذلك الحين، شن حزب العمال الكردستاني، هجمات أسفرت حتى اليوم، عن مقتل أكثر من عشرين عسكريا وشرطيا تركيا، في جنوب، وجنوب شرق تركيا.

وبعد التفجير الذي شهدته العاصمة التركية، أنقرة، يوم الأربعاء المنصرم، والذي استهدف حافلة لجنود أتراك، عاد وصرح رئيس الوزراء التركي، البروفيسور داود أوغلو، بأن تنظيم حزب العمال الكردستاني "بي كي كي"، وذراعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "بي يي دي"، وجناحه المسلح وحدات حماية الشعب "يي بي غي"، هم وراء التفجير، وأن هذه تنظيمات إرهابية، أياديها ملطخة بالدماء، وليست تنظيمات كردية، ولا تمثل الإخوة الأكراد".

كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن بلاده لن تسمح لوحدات حماية الشعب الكردية - السورية، التي تساندها الولايات المتحدة، باكتساب موطئ قدم على حدودها في شمال سوريا، وتعهد بمواصلة القصف، إذا شعرت تركيا بتهديد لأمنها.

كما أضاف الرئيس أردوغان، في بيان، صدر بعد بضع ساعات من وقوع هجوم انقرة، إن تركيا بدت أكثر تصميما من السابق لاستخدام "حقها في الدفاع عن نفسها"، قائلًا: "إن تصميمنا للرد على مثل هذه الهجمات التي تحدث في داخل وخارج حدودودنا، أصبح أقوى مع مثل هذه الأفعال".

وتعد تركيا وحدات حماية الشعب الكردية السورية، امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه هي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، "منظمة إرهابية".

وخلال الأسابيع الماضية، استغلت وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعدها تركيا جماعة متمردة معادية، هجوما كبيرا شنه الجيش السوري حول مدينة حلب، بدعم جوي روسي، للاستحواذ على أراضٍ، يسيطر عليها مقاتلو المعارضة السورية المسلحة، قرب الحدود التركية.

وقد قامت القوات التركية، بقصف مواقع ميليشيا "وحدات حماية الشعب الكردي" في شمالي سوريا، التي تعدها تركيا متحالفة مع حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" كرد على ما تقول، إنه إطلاق نار عبر الحدود.

ويتجدد بين الفينة والأخرى، القصف المدفعي التركي، على مواقع التنظيمات الإرهابية في شمال سوريا، بالتزامن مع نشر آلاف الجنود الأتراك، داخل الأراضي التركية، مقابل بلدتي جرابلس، وعفرين السوريتين، وعدد من المناطق الأخرى في جنوب شرق تركيا .

وتتهم تركيا، الوحدات الكردية، بإحداث "تغييرات سكانية"، في شمال سوريا، بإجبار العرب والتركمان على النزوح، وكذلك الأكراد الذين لا يتبنون نفس فكرها.

حيث  يسعى حزب العمال الكردستاني، إلى الحكم الذاتي، للأقلية الكردية في تركيا منذ عقود، ويواصل مسلحوه مهاجمة القوات الأمنية التركية، ومن جهتها تخشى أنقرة، من إقامة دولة كردية مستقلة، في نهاية المطاف، على أراض عراقية وسورية وتركية.

وفي هذا الصدد، قال نائب رئيس الوزراء التركي، يالجين أقدوغان، "إن أنقرة تريد منطقة آمنة بعمق عشرة كيلومترات داخل سوريا، على حدود تركيا الجنوبية، تشمل مدينة أعزاز، وهذه المنطقة يجب أن تكون خالية من الاشتباكات، لمنع محاولات "لتغيير التركيبة السكانية" للمنطقة.

ويذكر أن مدينة أعزاز، هي آخر معقل للمعارضة السورية، قبل الحدود مع تركيا، إلى الشمال من مدينة حلب السورية، وقبل بدء الهجوم الكبير للقوات الحكومة التركية، كانت أعزاز جزءًا من ممر، للإمدادات من تركيا إلى المعارضين السوريين، الذين يقاتلون نظام بشار الأسد.

وتتعرض أعزاز، حالها كحال بعض المدن الواقعة على الحدود بين سوريا وتركيا، لهجوم تركي مكثف خلال الأيام الماضية، حيث صرحت تركيا، بأنها لن تسمح بسقوط أعزاز في يد وحدات حماية الشعب الكردية السورية.

وتستضيف تركيا 2.6 مليون لاجئ سوري، وتدعو أنقرة منذ فترة طويلة، لإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا، لحماية النازحين المدنيين، حتى لا تكون هناك حاجة لانتقالهم إلى تركيا.

لكن هذا الاقتراح لم يلق حتى الآن اهتماما من واشنطن، ودول حلف شمال الأطلسي، خوفا من أن يتطلب ذلك إقامة منطقة حظر جوي، مما يمكن أن يضعهم في مواجهة مع نظام الأسد وحلفائه.

يؤكد خبراء عسكريون أن الوضع في ديار بكر، معقد ومرشـحٌ للتدهور، خاصة بعد وصول إمدادات عسكرية لحزب العمّال الكردستاني، مع توجيه أنقرة اتهامات لموسـكو والنظام السوري بأنه وراءها، حيث عثرت السلطات التركية، خلال العمليات العسكرية، التي تقوم بها ضد عناصر بي كي كي، في منطقة سور التابعة لولاية ديار بكر التركية، على جثة عميل، تابع للاستخبارات السورية.

عن الكاتب

ولاء خضير

كاتبة وصحفية فلسطينية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس