ندرت أرسنال – صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

نحن في يومنا الأول من الهدنة التي أنتجها الاتفاق الأمريكي الروسي، هذه الهدنة التي صيغت بكلمات ملوية الأعناق على درجة من الحنكة والمهارة وعلى مستوى متدنٍ من الأخلاق.

الهدنة التي لا نعلم إذا كان سيكتب لها الاستمرار أم لا، فأنقرة رغم تأييدها المبدئي للهدنة إلا أنها لم تتخلص من شكوكها بمطامع الروس والقوى المتمركزة في دمشق.

الأزمة الأوكرانية التي سبقت الأزمة السورية كانت قد تمخضت عن اتفاقية مينسك-2  التي نُسفت وحورت إلى مصالحة "التخلص من الموقف المعادي" على يد الكرملين. ويبدو أن الخطة ب التي تحدث عنها أوباما هي هذه الحركة.

على الجانب الآخر، هناك قرينتان – لا أريد القول دلائل- على أن روسيا ستلتزم هذه المرة بالاتفاقية، أولهما: ارتفاع وتيرة الهجمات الروسية قبل سويعات من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في منتصف ليلة الجمعة، بشكل يجلب إلى الأذهان النظرة الروسية القاضية "ما يمكننا تحقيقه قبل الهدنة فهو مكسب". أما القرينة الثانية وهي الأهم: أقوال الجنرال فيليب بريدلوف قائد قوات حلف شمال الأطلسي إن الحلف مستعد لمهاجمة روسيا إذا ما استدعى الأمر ذلك.

البنتاغون مستعد لمهاجمة المريخ من أجل المال

أظن أن الكل أدرك حقيقة أن "ما يُكتب للناتو يُقرأ في الولايات المتحدة". فالبنتاغون الأمريكي وعبر قائده  صرح بأن "روسيا هي التهديد رقم واحد" للولايات المتحدة خصوصا مع امتلاكها الكثير من السلاح النووي.

وسائل الإعلام التركية المطبوعة منها والمسموعة تناقلت أقوالًا مشابهة لذلك لكن من ضمن أقوال أخرى لعل أهمها "على الولايات المتحدة أن تعيد تجديد جيشها في أوروبا"، و"يجب على الولايات المتحدة أن تتخلص من موقف المدافع"، و"مثلما كان الوضع إبان الحرب الباردة لا يستدعي الوجود العسكري فإن الوضع الراهن لا يستوجب على الولايات المتحدة أن تبذل أي جهود إضافية لتظهر بمظهر الشريك والحليف لروسيا" وغيرها الكثير...

لا نعلم تحت أي ظرف كان القائد حين تفوه بكلماته هذه، فالقائد الذي أوشك على التقاعد العام المقبل لم يقدم هذه التصريحات بشكل بيان صحفي منفصل وإنما صرح بهذه الأقوال خلال إجابته على أسئلة "لجنة مجلس النواب الأمريكي للإشراف على الخدمات العسكرية" في جلسة نقاش استمرارية ميزانية  التسليح العسكري في أوروبا بقيمتها الحالية البالغة 3.5 مليار سنويا.

كل من الجنرال وكيري يكذبان

كان الجنرال قد رد على سؤال "كيف هي علاقاتنا مع تركيا من خلال منظور حلف الناتو" مجيبًا: "هناك حرب داخلية شرسة جدا في الجنوب التركي، أما البحر الأسود في الشمال فقد تحول إلى قلعة روسية مدججة بالأسلحة، فحدود تركيا مليئة بالعقبات. لكن في هذا الموضوع أستطيع أن أؤكد لكم أن هناك علاقات عسكرية قوية مع حليفتنا تركيا".

رئيس الأركان التركي خلوصي أكار الذي قال معقبا "كنت أتمنى لو أن الجنرال الذي يتمتع بشبكة عظيمة من العلاقة الشخصية والشراكات الواسعة تحدث عن الدول التي زارها مؤخرا وعن أسباب هذه الزيارات وما أنتجته من تغير في الإحداثيات". (هنا لا بد لنا أن نؤكد نحن أن رئيس الأركان أكار لم يستخدم ولا يستصيغ الجمل من نوع "يتمتع بشبكة عظيمة من العلاقات الشخصية والشراكات الواسعة").

كانت هذه أقوال قائد القوات الأوروبية الحليفة في حلف الناتو أمام لجنة المجلس، لنلقِ نظرة على إجابة جون كيري وزير الخارجية الامريكي على هذه الأسئلة لكن أمام لجنة من نوع آخر...

يقول كيري: "نحن في غاية الحساسية من القلق التركي إزاء العلاقات التي تجمع وحدات حماية الشعب مع حزب العمال الكردستاني. نحن نتواصل مع الأتراك ونتحدث في هذا الشأن. أؤمن أنه يجب علينا أن نظهر الاحترام للتخوفات التركية كما أظهرناه سابقا وسنظهره لاحقا كذلك".

لكننا لم نؤمن بعد... خصوصا أن المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية بيتر كوك كان قد قال "إن موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه وحدات حماية الشعب لن يتغير، وأختلاف وجهات نظرنا مع تركيا سيستمر"، (البنتاغون: اختلاف وجهات النظر مع الأتراك سيستمر، صحيفة حرييت، 24 شباط).

ولا بد في هذا السياق من الإشارة وبالخط العريض إلى جملة كيري التي وصف فيها الأكراد بـ"الأصدقاء" إذ قال: "إن الفرق الذي لحظته من العمل لفترة قصيرة مع الأكراد هو تحقيق التقدم دون خلق مشاكل جانبية وهو أمر مهم جدا إذ أنه سيحول دون ظهور صعوبات في طريقنا جميعا لفترة طويلة في هذه المنطقة".

من الذي يطرد إيران من سوريا

لم يتم التطرق جيدا إلى التعقيدات التي نشأت جراء الوجود الإيراني في دمشق، ولكن نظن أن كيري أشار إلى ذلك في قوله: "إن عددًا لا بأس به من جيش الحرس الثوري الإيراني انسحب من سوريا. فآية الله الخميني يعمل على تقليص وجوده في سوريا من خلال سحب الجنود من هناك".

أمر غريب.. من الذي طرد هؤلاء من سوريا؟ أهي روسيا أم تراها الولايات المتحدة؟ أم هي إيران أُخرى من داخل إيران التي نعرفها؟

كيري وفي رده على السؤال عن إدراج الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب أجب قائلا: "أنه لمن الصعوبة أن نضع الجميع على ذات المستوى لكن هناك من أعضاء الإخوان المسلمين المتداخلين مع العنف والمشبعين بالإرهاب".

أقوال الولايات المتحدة عن الإخوان المسلمين تتشابه مع إجاباتهم لنا عند الحديث عن وحدات حماية الشعب والحقيقة أن كلا الحديثين لا يحمل شيئًا من المصداقية.

من جديد، مسؤول أمريكي رفيع المستوى رفض الكشف عن اسمه قال: "إن الولايات المتحدة الأمريكية تشعر بالقلق إزاء الحرص الذي يظهره حزب الاتحاد الديمقراطي للسيطرة على الأراضي في سوريا ومن إمكانية دعم هذا الحزب لتنظيم حزب العمال الكردستاني، لو تمكنت تركيا من الحصول على دليل ملموس بشأن التعاون المشترك بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني عندها ستقوم الولايات المتحدة بإعادة النظر بدعمها المقدم لحزب الاتحاد الديمقراطي هذا كذلك كذب صارخ. فعدم معرفة الولايات المتحدة الأمريكية بالعلاقة التي تجمع حزب الاتحاد الديمقراطي مع حزب العمال الكردستاني لأمر غير ممكن خصوصا أن "تقارير الاستخبارات الأمريكية تشير إلى ذلك وتُثبته". إذا حصل وتخلت الولايات المتحدة عن حزب الاتحاد الديمقراطي فإن السبب سيكون انتهاء تاريخ فعالية الحزب وانتهاء المهمة المطلوب منه تنفيذها. حتى أن الأقوال التي في الأعلى يمكن أن يأخذها حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب كنصيحة بدلا من اتباع نصائح الأمريكان التي تقول "لا تدخل الأراضي السورية ستثير حنق تركيا وحاول أن لا تظهر بجانب حزب العمال الكردستاني"...

خلاصة القول يمكن إجماله بإحدى عبارات المتحدث باسم رئاسة الوزراء التركية السيد إبراهيم كالن التي أدلى بها في آخر مؤتمر صحفي إذ قال: "إن الذين لا يرغبون برؤية العلاقة التي تجمع وحدات حماية الشعب مع حزب العمال الكردستاني لا بد أن لهم حسابات أخرى يعملون لأجلها".

عن الكاتب

ندرت أرسنال

صحفي وكاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس