محمد حامد - خاص ترك برس

في اتجاه مضاد للتحليلات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة عن أن الحادث الإرهابي الذي وقع في إسطنبول يوم السبت الماضي وقتل فيه ثلاثة إسرائيليين، قد يكون عاملا للتقريب بين تركيا وإسرائيل، وأنهما يقفان معا في خندق واحد ضد الإرهاب، رأى المحلل الإسرائيلي يعكوف تسلئيل، في مقال نشره موقع جلوبس، أن التنسيق الإسرائيلي الروسي في سوريا جعل إسرائيل تخضع لإملاءات روسية تحول بينها وبين تطبيع العلاقات مع تركيا، ساخرا من مزاعم رئيس الأركان الإسرائيلي بأن إسرائيل فوجئت ولم تكن على علم بقرار الانسحاب الروسي من سوريا.

**********************************

ما الذي كنا سنكتشفه لو خضع رئيس الأركان جابي أيزنكوت لجهاز كشف الكذب عندما قال إن إسرائيل فوجئت بانسحاب القوات الروسية من سوريا؟. إن تحليل الساحة السياسية في الشرق الأوسط يكشف أن تركيا أصبحت معزولة وأن إسرائيل صارت بين مجموعة الدول العظمى.

بحسب تقدير رئيس الأركان "فإن التدخل الروسي عزز من قوة الأسد بحيث أصبح قادرا على الذهاب إلى مباحثات جنيف من موقع قوة" وهو تقدير يمكن أن يستنتجه أي متصفح للإنترنت. ويضيف أيزنكوت "ونعتقد أن الانسحاب الروسي يتوقع أن يكون تدريجيا، وأن الروس سيستمرون في الاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين حتى بعد تقليص عدد القوات المنتشرة، ولكنها لن تقلص تماما".

لا يحتاج المرء لأن يكون رئيسا للأركان حتى يقدم مثل هذا التقدير، حيث أعلن الروس أنفسهم أنهم سيستمرون في الاحتفاظ بقاعدة جوية في طرطوس، وقاعدة بحرية بالقرب من اللاذقية.

وفي الوقت نفسه الذي أعلن فيه بوتين الانسحاب التقى وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، وبحثا حزمة المساعدات العسكرية إلى إسرائيل خلال السنوات العشر القادمة. وورد أن كليهما فوجئ بإعلان بوتين.

هذه بالطبع تصريحات وتقارير ينبغي أن نتلقاها بمزيد من الشك. المتحدثون لم يخضعوا لجهاز كشف الكذب، ولكن إذا لم يكن لدى أي من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية وشركائهما في الغرب معلومات مسبقة حول نية روسيا اتخاذ خطوة كبيرة في سوريا، فإن ذلك يعني فشلا استخباراتيا، سواء على مستوى المعلومات أو تقدير الموقف. فهذا ليس موضوعا يتفاخر به.

في تصريح علني آخر في الأسبوع الماضي قال نائب رئيس الأركان، الجنرال يائير جولان، إنه يرى في تركيا عاملا إشكاليا مادام يحكمها حزب ذو توجه إسلامي قوي، وحاكم صدامي مثل أردوغان.

حتى كتابة هذه السطور لم نسمع احتجاجا تركيا يدين مزاعم الجنرال جولن. تحلى الأتراك بضبط النفس أيضا عندما هاجمهم وزير الدفاع موشيه يعالون، وعندما طالبت وزيرة العدل أييليت شاكيد بضرورة إقامة دولة للأكراد على حساب تركيا .

لا تزال تركيا تأمل في كسر الجليد في العلاقات بينها وبين إسرائيل، إلى درجة أنه بعد الهجوم المميت الذي وقع أمس في إسطنبول، أسرع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو برسالة تعزية إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، وأبعدت عضوة حزب أردوغان التي تمنت الموت للجرحى الإسرائيليين. من كان يصدق ما تفعله العزلة السياسية بالأتراك.

موقف غولن نسق جيدا مع موقف وزير الدفاع يعالون، وربما أيضا موقف رئيس الأركان. عارض يعالون أخيرا وفي كثير من المناسبات اتفاق تسوية مع تركيا، ولذلك فإن من يعتقد أنه ما كان للجنرال غولن أن يقول ما قال علانية، فإنهم يتجاهلون أن ذلك هو الموقف شبه الرسمي لوزارة الدفاع وقيادة الأركان. والأتراك على معرفة بهذا الموقف.

تصريح الجنرال غولن له أهمية تفوق أي مسؤول عسكري آخر، لأنه يترأس الجانب الإسرائيلي في خلية التنسيق مع قوات الجيش الروسي في سوريا. وعلى حين أدلى جولن بملاحظات حول نوعية الجيش الأمريكي "جيش مثير للإعجاب... لكنه ليس أفضل منا في كثير من النواحي. هناك أمور يفوقوننا فيها وهناك أمور هم أقل منا" فإن الجيش الروسي لم ينل منه سوى المديح والثناء.

يمكن أن نفترض أن الجنرال غولن عندما تطرق إلى الجيش الأمريكي، فإنه تناول القدرات العملياتية، في حين أن تناوله للجيش الروسي كان على مستوى التنسيق واجتماعات خلية التنسيق الأمني. ومع ذلك يبدو من الوقاحة سماع هذه الملاحظات من نائب رئيس الأركان الذي التقطت له صورة في الشهر الماضي فقط خلال مناورة مع القوات الأمريكية في إسرائيل،فضلا عن أنه يغترف من الدعم الأمريكي.

يقول الجنرال غولن في تصريحه الذي يجافي الحقيقة "لا يمكن تجاهل الوجود الروسي في منطقة الشرق الأوسط، لكنه ليس أمرا سيئا بالضرورة" وأتساءل هل هذا الرأي يشاركه فيه رفاقه في هيئة الأركان العامة الذين يجب عليهم احترام هيبة الطيران الروسي، وأن يراعوا وجود بطارية الصواريخ إس 400 في المنطقة، وهي البطارية التي لن تعاد إلى روسيا في هذه المرحلة. هل من الممكن أن يعتقد جنرال في الجيش الإسرائيلي أن الحد من قدرة إسرائيل على العمل في المجال الجوي السوري ليس أمرا سيئا بالضرورة؟ ومرة أخرى أقول واأسفاه أن جهاز كشف الكذب لم يكن موجودا إلى جوار الجنرال.

حدد الجنرال غولن في مقارنته بين الجيشين الأمريكي والإسرائيلي أن هناك نواح يتفوق فيها الجيش الأمريكي، وجوانب أخرى يتفوق فيها الجيش الإسرائيلي، وكأن الحديث يدور عن منافسة في الأوليمبياد. لم يفصل الجنرال غولن المجالات التي يتفوق فيها الإسرائيليون أو يتفوق فيها الأمريكان، ولكن يمكن القول فحسب إن القوة العسكرية الإسرائيلية لا تكاد تذكر أمام القوة الأمريكية أو الروسية. ولا معنى تقريبا للمقارنة بين نوعية العمليات التي تقوم بها أفرع القوات المسلحة في روسيا وأمريكا بعمليات الجيش الإسرائيلي. كان الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية أفضل بكثير وأكثر فاعلية من جميع الجيوش التي واجهته، لكنه هزم في النهاية.

تقف إسرائيل في الكماشة الروسية الأمريكية في علاقاتها مع تركيا. وفي الواقع فإنها تخضع للإملاء الروسي الذي يحول دون استئناف علاقتها مع تركيا. ويمكن أن نرى في ذلك نتيجة للسياسة الخارجية الانعزالية لدى الرئيس باراك أوباما، أو نتيجة للتغيرات في الساحة الدولية، وتراجع أهمية إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة.

اضطر نتنياهو، أكبر مؤيد لتصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي، في هذه المرحلة، أن يلغى من برنامجه إمكانية بيع السلاح وتصدير الغاز إلى تركيا، وهي صفقات كانت ستدر دخلا كافيا للاقتصاد الإسرائيلي مع حليف مهم مثل تركيا، وكانت ستبرر عدم تفعيل البند 52 لمنع الاحتكار الذي كاد أن ينسى. ولم يكن سوى فيتو بوتين هو من حطم الهدوء.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!