جلال سلمي - خاص ترك برس

تصاعدت التصريحات الأمريكية التركية الحادة مؤخرًا، نتيجة لإعلان الولايات المتحدة الأمريكية دعمها لحزب الاتحاد الديمقراطي بشكل كامل، بدعوى قدرته الجادة في القضاء على داعش وكبح تحركها.

وردًا على هذه التصريحات، وصفت القيادة التركية تصريحات المسؤولين الأمريكيين بالضبابية والركيكة، لعدم اعتمادها على الواقع، لا سيما في ظل وجود عدد من الدلائل الملموسة التي تُثبت ضلوع حزب الاتحاد الديمقراطي في ارتكاب عدد من الجرائم غير الإنسانية، مشيرةً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية التي وعدت تركيا بالتدخل للقضاء على نظام الأسد، تتراجع اليوم وتدعم من يدعم نظام الأسد، الأمر الذي ستكون له عواقب وخيمة على الوضع المستقبلي لسوريا والمنطقة.

وتعليقًا على تصاعد حدة التصريحات المتبادلة وتدهور المسار السياسي المشترك بين الطرفين، بيّن الخبير السياسي "أحمد أي" أن تركيا حاولت جاهدةً إظهار توافق تام مع السياسة الأمريكية التي أعلنت مساندتها للثورات العربية في بداية انطلاقها، معتقدةً أن الولايات المتحدة الأمريكية جادة في تثبيت الركائز الديمقراطية داخل بلدان العالم العربي، ولم يخطر لتركيا التي دعمت الثورات العربية بشكل تام، أن يأتي يومًا تنقلب فيه الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي دعمها للديمقراطية والحريات على رغبات الشعوب العربية المطالبة بالحرية والعدالة.

وأوضح أي، في مقاله بصحيفة ميلاد "الخلاف التركي الأمريكي"، أن أولى الركائز الهامة لعدم تناغم السياسية الأمريكية التركية هي مبدأ التوسع الذي نشأت عليه السياسة الأمريكية، ومبدأ التوسع والهيمنة ليس خاصًا بالولايات المتحدة الأمريكية، بل هو سمة عامة للدول العُظمى، منوّهًا إلى أنه على الصعيد الآخر، تتسم السياسة الخارجية التركية بالاتزان والمثالية، وهذا ما أدى إلى وجود تناقض عارم بين سياسة الطرفين، حيث استمرت تركيا في دعمها للثورة، بينما رأت الولايات المتحدة الأمريكية أن بوصلة الهيمنة تتجه نحو الزوال، عقب اعتلاء سدة الحكم أنظمة مناهضة لسياستها المهيمنة، الأمر الذي لم يخدم رؤيتها ودفعها للانقلاب على مسار الثورات العربية.

رسمت السياسة الخارجية التركية تجاه المنطقة صورة فوتوغرافية تشير إلى أن تركيا تعتمد في سياستها تجاه الشرق الأوسط على السياسة التحالفية المتحدة، بينما الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على أساس المصالح القومية، والمصالح القومية الأمريكية في الشرق الأوسط، تعتمد، كما أسلفنا، على بناء الهيمنة الأمريكية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وخسارة الولايات المتحدة الأمريكية للمزايا التي كانت حائزة عليها، إبان حكم "البيادق"، أمر غير مقبول بطبيعة الحال، ما جعلها تتراجع عن دعم ثورات الربيع العربي، وتتعارض مع السياسة الخارجية لتركيا.

أظهرت تركيا في الآونة الأخيرة بوضوح أنها لم تعد الدولة التي تولي الطاعة العمياء للولايات المتحدة الأمريكية دون اعتراض، وهذا ما شكل نقطة امتعاض حادة لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى السياسيين الأمريكيين لم يستطيعوا تحمل الاعتراض الذي أبدته تركيا ضد بعض الخطط الأمريكية في المنطقة، وأخذتهم الحمية لتسطير مقالات تدعو بشكل جلّي القيادة الأمريكية للسعي في دحر أردوغان عن رأس الحكم في تركيا.

في هذا المقام لا بد من التأكيد على أن تركيا بذلت قصارى جهدها لإرساء دعائم مشتركة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن تعنت الولايات المتحدة ورغبتها في إبقاء على الأنظمة الدكتاتورية التابعة لها بشكل أو بآخر، حال دون نجاح الثورات العربية.

وفي إطار ذلك، نوّه الخبير السياسي "سواش سوزال" إلى أن "تحالف تركيا والمملكة العربية السعودية لم يرُق للولايات المتحدة الأمريكية إطلاقًا، إذ على ما يبدو أن هذا التحالف سيجهض عددًا من الخطط الأمريكية التي لا تصب في مصلحة المنطقة، وهذا ما زاد من حدة تدهور مستوى العلاقات الأمريكية التركية"، مشيرًا إلى أنه لا يمكن إغفال شكوك تركيا في ضلوع الولايات المتحدة الأمريكية في دعم المنظمات الإرهابية المحاربة لتركيا، وهذا ما جعل تركيا تتجه نحو مناوأة الخطط الأمريكية على الصعيد الإعلامي والدبلوماسي بشكل حاد، ما انعكس سلبًا على التحرك المشترك بين الطرفين.

وخلص سوزرال، في مقاله بصحيفة يني تشاغ "الزاوية المنحرفة في العلاقات الأمريكية التركية"، إلى أن "العلاقات التركية الأمريكية شهدت لحظات تدهور وانهيار عديدة، وهذا ليس بالأمر الجديد، ولكن التدهور المتكرر للعلاقات يستدعي وضع خطة تركية استراتيجية مستقلة عن أي تحرك أمريكي في المنطقة، لضمانها النجاح في تحقيق مصالحها القومية دون عرقلة الولايات المتحدة الأمريكية لذلك".

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي