مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

كلما وقع حدث إرهابي بأوروبا أو أمريكا تحول القنوات الغربية والعربية من البث العادي إلى البث المباشر، وتُلغى جميع البرامج، ويحل محلها التغطية المستمرة للأحداث الإرهابية والنشرات المباشرة، مع التحليل الدقيق للحدث وملابساته، وتبرير جميع الإجراءات الأمنية والقانونية، حتى ولو كانت تخالف قيم حقوق الإنسان في سبيل حماية المواطنين الأوروبيين من الإرهاب، أما إذا ضرب الإرهاب تركيا أو أحد بلدان العربية، ولو كان أشد دموية وأ كثر همجية، تراه على شريط القنوات أو في خبر سريع، ولاشك أنه مناسبة للطعن في الإسلام والمسلمين، ونشر "الإسلاموفوبيا".

بعد تفجيرات أنقرة واسطنبول، خرجت صحيفة "الإندبندنت "البريطانية، منتقدة سياسة دول الاتحاد الأوروبي، التي تعتمد على الكيل بمكيالين فيما يخص مواجهة الإرهاب، وهذه أقوى عبارة جاءت بها الصحيفة: "عندما يتعلق الأمر بالإرهاب في ‫‏تركيا تصبح الأخيرة خارج مجال رعايتنا، ولا تبدوا لنا قريبة بما فيه الكفاية لنحزن من أجلها".

كما تساءلت الصحيفة البريطانية عن سبب التعاطف والحساسية اللتين أبدتهما دول الاتحاد  تجاه التفجيرات الإرهابية التي استهدفت العاصمة البلجيكية "بروكسل"، وعدم إبداء تلك الدول التعاطف نفسه  تجاه التفجيرات الإرهابية التي استهدفت تركيا.

مما جعل رئيس الوزراء التركي "أحمد داود أوغلو" يثني  على صحيفة "الإندبندنت" قائلا: "إن تضامن أوروبا مع بلجيكا على خلفية التفجيرات الإرهابية التي استهدفت العاصمة بروكسل، وإعلان الحداد، وتزيين البورصات بأعلام بلجيكا، أمر جدير بالتقدير والاحترام، ولكن لماذا لم تقم أوروبا بالتضامن نفسه مع الشعب التركي على خلفية التفجيرات التي استهدفت تركيا؟".

بعض الوسائل الإعلام الغربية وخصوصا الأوروبية- الفرنسية والألمانية بالأخص- شمتت في تركيا عند تفجيري أنقرة واسطنبول، وقالوا على صفحاتهم الأولى وعناوين نشراتهم الرئيسية: "تركيا تستسلم للإرهاب، الإرهاب يحقق أهدافه في  الجمهورية التركية".

واتهموا الحكومة التركية بأنها غير قادرة على حماية مواطنيها وسياحها، ففي أقل من تسعة أشهر تعرضت تركيا لست (6) تفجيرات إرهابية.

وفي المقابل انظر إلى تضامن القادة الأتراك مع فرنسا وبلجيكا والذي لم يفرق بين إرهاب في أنقرة واسطنبول، وإرهاب في باريس وبروكسل.

قال الرئيس أردوغان عن" هجمات باريس الإرهابية": "ندرك جيدا شعور فرنسا الأليم لمعرفتنا بنتائج الأعمال الإرهابية، لدينا نفس الشعور ونفس الفكر والموقف تجاه الأعمال الإرهابية سواء حدثت في سروج وغاز عنتاب وديار بكر وشيرناق أو حدثت في باريس، ونحن كبلد عانى من الإرهاب ما يزيد عن 30 سنة وأنا بصفتي رئيسا أقول دائما إنه لا دين ولا جنسية ولا عرق ولا وطن للإرهاب، الإرهابيون بجميع الأنواع والمسميات متساوون في السوء والخطورة، يجب علينا الكف عن تفضيل إرهاب على  آخر ولا يمكن أن نتغلب على هذه المشكلة ما لم نتعامل مع الإرهاب كفعل إجرامي بغض النظر عن ادعاءات وأقوال المنظمات الإرهابية، إنني أتقدم باسمي وباسم الشعب التركي بالتعازي إلى الرئيس والشعب الفرنسي". عن موقع الرئيس التركي الرسمي.

أما رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أغلوا فقال عقب "حادث بروكسل" : "لانفرق بين ضحايا تركيا وبروكسل وحياة من سقطوا في هجمات بروكسل، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، ثمينة بنفس القدر لحياة ضحايا الإرهاب من مواطنينا بأنقرة، ثمينة بنفس القدر… الحقيقة لا توجد معايير مزدوجة في منظومة القيم لدينا... ومن قاموا بالتفرقة بين "إرهابيكم وإرهابينا"،بناء على حسابات نفعية قصيرة الأمد، بدؤوا في إدراك الثمن الذي سيدفعونه على المدى المتوسط والبعيد". عن وكالة الأناضول التركية.

أوروبا اليوم تجني سياسة الإقصاء التي عاملت بها المهاجرين وأبنائهم طيلة عقود، والنتيجة أنها كونت ضواحي  كانت بيئة مناسبة ليروج تنظيم داعش الإرهابي خطابه المتطرف الدموي بها، كيف "لا" وقد نجح التنظيم  في استقطاب أكثر 9 آلاف شاب أوروبي مسلم، غالبيتهم شباب ما بين العشرين والثلاثين من العمر، بل ونجح في استقطاب شابات لم يتجاوزن 22 عاما من مختلف البلدان الأوروبية.

ومع علم أوروبا بهذا العدد لم تنجح في التعامل مع رجوع كثير منهم إلى دول الاتحاد الأوروبي، أو التعامل مع مخططات الخلايا الإرهابية، ابتداء من اختفاء المتهم بهندسة هجمات باريس "صلاح عبد السلام" شهورا طويلة على مرمى حجر من منزل والده في "حي مولنبيك" الذي ظل تحت مجهر الجهاز الأمني والاستخباراتي الأوروبية والعالمية. 

وعدم الاكتراث لتحذيرات تركيا للسلطات البلجيكية بعد تسليمها  المدعو "ابراهيم البكراوي" عبر هولندا بناء على طلبه في يونيو/حزيران 2015، ومحاولته الالتحاق بتنظيم داعش الإرهابي عبر تركيا، واعتراف وزير الداخلية البلجيكي" يان يامبوم" بهذا قال: "أخطأنا لعدم اكتراثنا بتحذيرات تركيا حيال البكراوي".             

لقد فشلت بلجيكا ثلاث مرات في التعامل مع قضية "البكراوي":

أولا: منع خروج البكراوي مرتين من بلجيكا في محاولته الانضمام لتنظيم داعش بسوريا عبر تركيا.

ثانيا : التعامل مع البكراوي وأمثاله من دواعش بحزم ويقظة، بعد رجوعه إلى بلاده.

ثالثا: فشل المخابرات البلجيكية والأوروبية في منع الإخوة البكراوي وداعميهم من تنفيذ مخطتهم ببروكسل.

من أكبر عيوب الغرب وأهله عند التعامل مع قضايا الإرهاب، هو الكيل بمكيالين ،وجعل أحداث إرهابية دون أخرى، وهذه الازدواجية  في المعايير، هي العقبة الأولى في تنسيق الحرب على الإرهاب، وفشل التحالف الدولي ضد تنظيم داعش وغيره من منظمات الإرهابية منذ تفجيرات 11سبتمبر2001 بالولايات المتحدة.   

فتعلم أوروباأن للإرهاب نكهة واحدة "نكهة الدم والأشلاء والدمار ورائحة الموت" في كل زمان ومكان، وكيفما كان دافع الإرهاب ودينه وعرقة ولغته ووطنه.

وعلى أوروبا أن تتحمل مسؤوليتها وتعترف بأخطائها تجاه مواطنيها من العرب والأفارقة وغيرهم، وتنقلهم من مواطنين أوروبيين من الدرجة الثانية إلى مواطنين حقيقيين يتمتعون بحقوق المواطن الأوروبي الأبيض، وإلا يجب عليها أن تتخلى عن نفاقها وتقول لهم أنتم مهاجرين وأبناء مهاجرين ترضون بما نجود به عليكم من حقوق .

القادة الأوروبيون  لا يريدون استيعاب أن الإرهاب أدركته العولمة كذلك، يدخل أي بلد أراده بدون تأشيرة ولا جواز سفر، ولا حتى استئذان، لذا فعلى أوروبا أن تدرك  أن الإرهاب له نكهة واحد والإرهابيين أتباع ملة واحد هي ملة "الإرهاب"، دون التميز بين إرهاب وإرهاب، وإرهابيين وإرهابيين، فالتاريخ شهاد على أن الإرهاب وأتباعه وعبيده" لا عهد ولا أمانة لهم" مهما قُدم له من خير وإحسان، فبروكسيل تحارب الإرهاب وتندده به، وفي الوقت نفسه تدعم إرهابيي حزب العمال الكردستاني وفروعه في أوروبا.

فلا ترقص أوروبا على حقل ألغام تصنعه بيدها وتحميه بقانونها، وتعطيه في كل مرة تبرير، ترفضه العقول الناضجة والفطر السليمة، فإن  كان الإرهاب على هواها قالت حرية تعبير، وحقوق إنسان وقيم تسامح وسلام، وإن غدر بها وطعنها، قالت كما قال الأمين العام لحلف الناتو في تصريح أدلى به عقب اعتداء بروكسل: "اعتداء جبان موجه إلى مجتمعنا وقيمنا، ولن يتمكن الإرهاب من هزيمة الديمقراطية وانتزاع حرياتنا من أيدينا".

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس