محمد عمر زيدان - خاص ترك برس

مما لا ريب ولا شك فيه أن العالم بما فيه المسلمون قد ظلموا المرأة السورية سواء بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة فقد تعرضت المرأة في ظل سنوات الثورة السورية الخمس إلى جميع أنواع الاضطهاد النفسي والأخلاقي والفكري وهذا الظلم كما أنه جاء ممن يدعّون الإسلام من الدول المجاورة جاء من أبناء جلدتهم وإخوانهم في الوطن (وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند).

فقد نظر بعض الناس إلى المرأة بتعصب شديد وبفظاظة لا توصف وخاصة تلك المرأة المعتقلة بعدما تضافرت الروايات وتعددت القصص حول اغتصاب النساء والتحرش بهن جنسيًا في سجون الأسد وظن كل ذي عقل قاصر بأن كل امرأة دخلت المعتقل لا بد أن تتاجر بشرفها وتساوم  على عرضها برضاها، طبعًا هذا التصور لا يمكن قبوله  في أي حال من الأحوال ولكن كانت نظرة المجتمع إلى هذه الفئة نظرة دونية، وبالمقابل فقد كال هذا المجتمع بمكيالين فالكثير من الرجال الذين اعتقلوا تعرضوا للتعذيب والتحرش لا بل للاغتصاب ولكنهم بعد خروجهم استقبلوا استقبال الفاتحين، وهذه النظرة السلبية للمرأة دفعت الكثير من النساء للخروج عن نسق المجتمع وعاداته وتقاليده فهاجرت بعض النساء بمفردهن وبعضهن حاولن الانتحار وانزوت بعض النساء بنفسها وأشاحت بوجهها عن الناس، وهذه حقيقة واقع مؤلم ينم عن ثقافة متخلفة لأقلية جاهلة فرضت واقعًا على مجتمع متعلم مثل المجتمع السوري.

ولكن يا ترى ما ذنب تلك المرأة التي اعتقلت هل كان هذا برضاها أم كانت مغصوبة على هذا العمل ولماذا هذه القسوة بالتعامل؟ لا بد أن ثقافة المجتمع من جهة وطغيان الذكورية من جهة أخرى أسهمت بهذه النظرة، ومما لا يخفى على أحد ما كان يعانيه ذوي المعتقلة وكمية الضغوط التي يتعرضون لها سواء أكانت نفسية أو اجتماعية وخاصة بعد أن استخدم النظام هؤلاء المعتقلات كورقة ضغط على ذويهم لتسليم أنفسهم مقابل الإفراج عنهم، وتصف المعتقلات المحررات تلك الأيام بقولها كانت أيام سوداء لا أعادها الله فقد تعرضنا لكافة صنوف العذاب من (ضرب بالكرابيج وصعق بالأسلاك الكهربائية وإطفاء السجائر بأجسامنا وووإلخ)، فقد استخدمت أجسام النساء ساحات حرب بينما لم نسمع من العالم المتمدن كلمة حق تنصف هؤلاء الأخوات وترفع عنهم الظلم إلا اللهم من إدانة خجولة من منظمة (هيومن رايتس ووتش). وكانت الجملة المشهورة لإحدى معتقلاتنا سجن أبو غريب جنة وأرحم بألف مرة من فروع مخابرات الأسد!!

وهكذا ساهمت ثقافة الاغتصاب التي ما رسها نظام الأسد ورئيسه وريث بائع الجولان بنشر الخوف و الرعب  في المناطق المحررة هذا مما حذا بكثير من الأهالي عن الامتناع  من إرسال أولادهم ولا سيما الفتيات إلى مراكز المدن لإتمام دراستهم الثانوية أو الجامعية على الرغم من أن بعض الفتيات كنّ في سنواتهنّ الأخيرة ولم يبق على تخرجهنّ إلا بضعة أشهر لكي تحقق حلم أهلها بأن تصبح طبيبة أو مهندسة أو معلمة. أما بعض الفتيات اللواتي بقين يمارسن عملهن عند النظام سواء موظفات  أو طالبات فقد مُورس عليهن ضغوط نفسية وجسدية وتهديد بالاعتقال والاغتصاب أو أن يكنّ عيون للأسد (جواسيس) في المناطق المحررة وبذالك ظُلم هذا الصنف مرتين مرة من نظام الأسد ومرة أخرى من قراهن الذين اعتقدوا أن كل مرأة مازالت على رأس عملها فهي

جاسوسة.

وبهذه الطريقة كرّس الأسد سياسته بتجهيل نصف المجتمع السوري، تلك الثقافة التي تبناها الأسد الأب ومن بعده الابن بتجهيل الشعب السوري عامة والنساء خاصة من جهة ومن جهة أخرى  أفقد ثقة المجتمع المحرر بكثير من نسائه.

وبالمقابل إذا نظرنا إلى الطرف الآخر وألقينا نظرة واقعية مغايرة لما يروج له العالم فلا نستطيع أن نتجاهل صورة المرأة الملتجئة في البلدان المجاورة وأوربا فقد مورس على هذه المرأة جميع أنواع المضايقات وكافة أنواع الابتزاز وخاصة الجسدية فقد نظر الكثير من ذكور العالم نظرة غرائزية وشهوانية وحاولوا استغلال حاجاتها المادية للإنفاق على أسرة شاءت الأقدار أن تصبح معيلة لها ولكن هذه النظرة ما لبثت أن اصطدمت بالفكر الذي تحمله تلك المرأة من عقلية الرجال ومن أهم ميزات الرجولة العقل والحكمة والنخوة بينما حمل هؤلاء جينات الذكورة التي هي جينات مشتركة بين الإنسان والحيوان ومن أهم مساوئها تغليب الشهوة والغريزة على العقل والقيم الإنسانية ولم يكن وجود هؤلاء الذكور من السوريين فقط وإنما من غيرهم أيضاً فقد كشفت الكثير من شبكات الإتجار بالنساء ولاسيما في الأردن ولبنان وهذه الشبكات الذكورية مرتبطة بمافيات ذكور العالم وهكذا عاشت المرأة السورية في بلدان الاغتراب حياة لا تحسد عليها.

أما في الداخل السوري والمناطق المحررة فثمة ظلم للمرأة ولكن بطريقة مختلفة منها على سبيل المثال لا الحصر أن الفتاة إذا بلغت العشرين من عمرها أصبحت كبيرة على الزواج وهذه الثقافة الدخيلة أنتجت آلاف الفتيات العوانس هذا من جهة ومن جهة أخرى انتشار زواج القاصرات بين (13-15) سنة من جهة أخرى وبالمقابل انتشرت ثقافة تعدد الزوجات وإن كانت موجودة من قبل ولكن على ندرتها أما اليوم فأصبحت منتشرة بكثرة وخاصة بعد دخول المقاتلين الأجانب على سورية فقد تعرضت الكثير من هؤلاء النساء إلى الطلاق بعد عدة أيام أو بعد عدة شهور من زواجها بمهاجر عربي أو أعجمي ويرجع ذلك إلى الثقافة المختلفة بين الزوج والزوجة  كذلك إلى العادات والتقاليد ونوع الفكر فالمرأة السورية تحمل فكرًا إسلاميًا معتدلًا بينما حمل الزوج فكرًا أكثر تطرفًا وعادة أكثر حدة ومما زاد الطين بلة نظرة المجتمع إلى المرأة المطلقة. ولكن على ما نعتقده فإن طال المرأة ظلمًا اليوم سيرفع غداً إن شاء الله لأنه بديننا الحنيف قول نبينا ﷺ "استوصوا بالنساء خيرًا" ونحن سنطبق الوصية وسيرفع الظلم عاجل غير آجل إن شاء الله.

عن الكاتب

محمد عمر زيدان

أكاديمي سوري وأستاذ جامعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس