محمد عمر زيدان - خاص ترك برس

إن أبلغ وصف لما يجري اليوم في حلب هو حرب إبادة البشر والحجر وقد أطلق الناس على هذه الأيام من إبريل بإبريل الأسود، فبهمجية عالمية وتخاذل دولي وإقليمي لليوم العاشر على التوالي يستمر نظام طاغية دمشق بالسير على خطا نيرون بحرق مدينة حلب بكل ما يتخيله عقل البشر اليوم من وسائل الدمار الشامل لا للبشر فقط وإنما للبشر والحجر معًا. وطاغية دمشق اليوم وبمساعدة حلفائه الروس جوًا ومرتزقته الشيعة برًا يقوم بتدمير حلب تدميراً ممنهجاً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فالقتل طال الشباب والشياب والصغير والكبير والممرض والمريض فلم تميز الطائرة العمياء بين ذكر أو أنثى أو بين بشر أو حجر، وإذا استمر هذا التواطؤ الدولي واستمر في دعمه لآلة القتل والتدمير سيكتب في التاريخ قصة حلب في مطلعها يحكى أنه كان هنا مدينة اسمها حلب.

عندما هاجمت قوات داعش والأسد مدينة تدمر هب العالم ليدافع عن حجارة وحضارة قد اندثرت بحجة الحفاظ على الموروث الحضاري والتراث الإنساني وإن كنا لا نقلل أبدًا من قيمة التراث الإنساني وإنما ننعى ذلك المجتمع الذي يدّعي المدنية ويكيل بألف مكيال ومكيال هل أصبح الحجر أهم من البشر أم أن المجتمع الدولي له معايير خاصة نحن لا نعرفها فلربما حجارة سوريا وحيواناتها أهم من دماء السوريين من أهل السنة! نتباكى على طير أبي منجل الذي كاد أن ينقرض ولا نبكي على شعب يموت كل دقيقة ألف مرة ومرة.

قتل شاب إيطالي في عالمنا العربي - مصر - فقامت الدنيا ولم تقعد أما اليوم أهلنا في حلب يموتون قتلًا وتجويعًا وحصارًا على مرأى ومسمع العالم المتحضر ولم تتحرك ضمائرهم لهذا العمل البربري.

وإذا سايرنا المجتمع الدولي في مخاوفه على التراث الإنساني السوري فمن باب أولى خوفه على مدينة حلب وهي من ضمن ستة مواقع سورية أدرجتها منظمة اليونسكو ضمن التراث الإنساني. اليوم سقط في سورية مئات القتلى ومئات الجرحى بينهم أكثر من تسعين طفلًا وأكثر من خمس وسبعين امرأة وقد استهدفت أيضًا الكوادر الطبية والأطقم الإنسانية والبنى التحتية فدمرت أربع نقاط طبية تدميرًا كاملًا أخرجتها عن العمل كما استهدفت مضخة المياه الوحيدة في منطقة بستان القصر.

واليوم في ظل هذا التخاذل الدولي والعهر السياسي والأخلاقي الذي لم يشهد له التاريخ مثيلًا.

ولماذا نستغرب فالدول الكبرى التي تدعي حماية العالم لها سوابق في التمثيل العنصري، فأمريكا التي فرقت بين العرقين الأبيض والأسود وقتلت آلاف الفتناميين والعراقيين والأفغان اليوم بنفس السياسة العمياء تقوم بالتفريق بين السوريين فكل الأعراق والأديان بنظرها أرقى وأنقى من العرق العربي والدم المسلم وإذا تساءلنا لماذا هذا الهيجان البربري على حلب في هذه الأيام فلا نجد مبررات تسعف ذاكرتنا إلا أن روسيا تظهر عربدة نتيجة تذبذب السياسة الأمريكية تجاه الملف السوري وخاصة أن باراك أوباما في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض ولا يريد نظامه أن يتخذ موقفًا صارمًا تجاه القضية السورية لربما يأتي خَلَفه وينقض كل هذه المواقف وهنا ستقع السياسة الخارجية الأمريكية في حيص بيص وعلى الطرف الآخر الضغط على المعارضة السورية للرجوع إلى طاولة المفاوضات صاغرة وكأن حال لسان الروس يقول إذا لم تعودوا إلى طاولة المفاوضات فهذا ما يمكننا فعله في مناطقكم المحررة سندمرها شبرًا شبرًا وهذا ما يبدو واضحًا من تصريحات الساسة الروس فمندوب روسيا بالأمم المتحدة السفير أليكس بورودافكين قال "لماذا تشتكي المعارضة من قصف حلب وهي التي انسحبت من المفاوضات ونحن نستهدف الجماعات المتطرفة"، أما مندوب روسيا الآخر فيتالي تشوركين فزاد عهره السياسي عندما انتقد المجتمع الدولي لتركيزه على الجانب الإنساني ونحن نقول الحق معه فيجب أن لا يركز المجتمع الدولي على الجانب الإنساني بل على الجانب الحيواني ثم استمر في تهديده لكل الدول التي سوف تمد يد العون للثورة السورية في إشارة على السعودية وتركيا، وأن روسيا لن تعتذر عن جرائمها في سورية لأنها دخلت بطريقة شرعية بناء على طلب النظام يعني هل بقي للنظام شرعية بعد كل هذه الجرائم.

انتصرت الخارجية الروسية لعهر ساستها بتصريح على لسان نائب وزير الخارجية الروسي يقول لا يمكن لروسيا أن تضغط على النظام الأسد لوقف هجومه على حلب.وبالمقابل إذا استمر المجتمع الدولي في دعمه وتأييده لقتل السوريين وبقى قادة الفصائل على تناحرهم وتفرقهم وإصرارهم على عدم جمع الكلمة ووحدة الصف سوف تنزلق الثورة إلى منزلق خطير لا يحمد عقباه على أبناء المناطق المحررة التي خرجت تنادي بالحرية والاستقلال وإن استمر هذا التخاذل الدولي والمحلي لا سمح الله سيكون مصير المناطق المحررة نفس المصير التى لاقته على يد سفاح دمشق حافظ الأسد في ثمانينيات القرن الماضي عندما اجتاح مدن إدلب وحلب وحماة وقتل وسجن وشرد الآلاف ولكن دون إعلام ينقل الصورة أما اليوم وعلى الرغم من وجود امبراطوريات إعلامية إلا أن مختار المهاجرين يقتل الناس على كاميرات التلفزة العالمية ولا يجد من يردعه ويرده عن طغيانه  ولكن المهم أن يعرف الثوار في الداخل قبل الخارج إن لم يتوحدوا فسوف تُسرق الثورة من أمام أعيننا وسنقول كان يا مكان في قديم الزمان يحكي أن ثورة قامت في سورية ولكن فشلت لأن  العالم خذلها أولاً وأبناءها ثانيًا.

عن الكاتب

محمد عمر زيدان

أكاديمي سوري وأستاذ جامعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس