فخر الدين ألتون - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

من بين أهم عناصر المنافسة السياسية محاولة الجهات الفاعلة سياسيا ملأ الفراغات التي تعتقد أن الجهات الأخرى غير قادرة على ملئها. ويمكن أن نطلق على ذلك أيضا السباق من أجل انتزاع الأدوار.

ثمة أدوار تقليدية تسير جنبا إلى جنب مع هذا الصراع، وتنسب إلى الجهات السياسية الفاعلة. وأهم العوامل، التي يعتقد أنها تحدد هذه الأدوار، هي الرؤى الأيديولوجية التي توجه أحد الجهات الفاعلة وتوقعات دعمها من القاعدة المجتمعية. وبطبيعة الحال فإن هذه الرؤى الأيديولوجية وتوقعات القاعدة المجتمعية ليست ثابتة، كما أن كليهما متغير، ولهما بنية غير واضحة. ومع ذلك فهناك عشرات من عناصر الهوية مثل اليمينية واليسارية والليبرالية والمحافظة والقومية وغيرها التي يمكن تسميتها بالجهات الفاعلة على الساحة السياسية. هذا الوضع يصدق أيضا على السياسة التركية، فهناك العديد من الأدوار التقليدية التي تنسب إلى كل طرف من الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية في تركيا. ومع هذا فهناك صراع متنام على انتزاع الأدوار يحول دون تنفيذ الأدوار التقليدية بين هذه الجهات.

وفي هذه النقطة فإن حزب العدالة والتنمية، وحزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي هي الجهات الفاعلة الرئيسة على الساحة السياسية في تركيا. هذه الأحزاب الأربعة ممثلة في البرلمان بمستويات مختلفة، وتمثل جميع قطاعات المجتمع تقريبا.

منذ وصوله إلى السلطة في عام 2002 وضع حزب العدالة والتنمية نفسه في موضع حزب الوسط، وبذل جهدا خاصا لئلا يتظر إليه على أنه حزب أيديولوجي. وفي هذا الصدد قال حزب العدالة والتنمية إنه يمارس سياسة الخدمة أكثر من سياسة الهوية، وإنه سيكون نقطة لقاء جميع الأحزاب، وقد مارس الحزب سياساته في هذا الإطار. ومع ذلك لم تتوقف الانتقادات الموجهة إلى الحزب، وفي صدارتها أن قادة الحزب مع رجب طيب أردوغان ذوو هوية دينية محافظة،وأن ذلك انعكس على سياسة الحزب. وفي الحقيقة فإن هذا النقد استخدمته الأحزاب المعارضة مع نخبة الدولة الكمالية التقليدية من أجل تطويق حزب العدالة والتنمية. وعلى الرغم من أن العدالة والتنمية حزب محافظ، فإنه عرف كيف يتحرك بوصفه نقطة لقاء عقلانية وبراجماتيه لكل الأحزاب، لهذا السبب صار الحزب الحاكم في تركيا.

وتسبب هذا الوضع في أن حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية عملا معا في سباق انتزاع الأدوار من حزب العدالة والتنمية لعدة سنوات. وفي هذا السياق عقدنا مناقشات حول مكائد الاستيلاء على أدوار الفاعلين السياسيين في تركيا، من خلال محاولتهم سرقة الأدوار من حزب العدالة والتنمية.

قد يكون هناك مبرر منطقي لحزب المعارضة الرئيس، حزب الشعب الجمهوري، في اتباع مثل هذه السياسة. اشتكت نخب حزب الشعب الجمهوري طيلة سنوات من عدم قدرتها على مخاطبة المجتمع بأسره. في هذا النقطة وجه النقد إلى حزب الشعب الجمهوري وإلى أسلوبه،بالإضافة إلى الإشارة إلى ضرورة إعادة تقييم سياسته في إقصاء القطااعات المتدينة في المجتمع. اتخذ الرئيس السابق لحزب الشعب الجمهوري، دينيز بايكال، عددا من الخطوات الرمزية لعلاج هذا الأمر، فالنساء المحجبات اللائي كن مهمشات في مؤتمرات الحزب عام 2007 ، صرن هدفا بعد ذلك بعامين وحصلن رسميا على عضوية الحزب.

عندما انتخب كمال كليتشدار أوغلو رئيسا للحزب بخطاب عم حزب الشعب الجمهوري الجديد، كانت التوقعات أن الحزب سيخاطب عامة السكان، وأنه سيتحرك لا بوصفه حزبا أيديولوجيا، ولكن حزبا جماهيريا. ومع ذلك لم تسر الأمور على هذا النحو تماما، فبعد تولي كليتشدار رئاسة الحزب، صار الخط الأيديولوجي للحزب أشد صرامة.

وعند هذه النقطة رأينا حزب الشعب الجمهوري يسعى إلى انتزاع أدوار حزب الشعوب الديمقراطي، وهذه المحاولات تزيد من تهميش حزب الشعب. إن محاولات حزب الشعب الجمهوري لسرقة أدوار حزب الشعوب في السياسة التركية اليوم، هي من أهم العوامل المميزة للمرحلة السياسية.

حزب الشعوب الديمقراطي حزب قومي متطرف، يعد امتدادا سياسيا لجماعة انفصالية مسلحة إرهابية. ومع ذلك قبل الانتخابات الرئاسية في العاشر من آب/ أغسطس 2014، والانتخابات البرلمانية في السابع من حزيران/ يونيو 2015 حاول حزب الشعوب الديمقراطي سرقة الأدوار من حزب العدالة والتنمية، وقال إنه سيكون حزبا لتركيا. لكن الحزب دخل على نحو متزايد في فلك حزب العمال الكردستاني المتطرف.

ومن المثير للاهتمام أن حزب الشعب الجمهوري يفضل الحديث مع حزب الشعوب الديمقراطي بلغة سياسية مشتركة، ويعتقد أن الناخبين الذين يفرون من حزب الشعوب سيصوتون له. لكن حزب الشعب يحاول سرقة دور حزب الشعوب الديمقراطي لا وفق أجندا حزب لتركيا، ولكن من خلال موقف عدائي من أردوغان، وهذا يضع الحزب في ورطة خطيرة من حيث رؤيتة الأيديولوجية الماضوية، وتوقعات قاعدته الانتخابية.

في أعقاب الانتخابات البرلمانية في حزيران 2015 كان هناك حديث عن انقسام العدالة والتنمية، وأن حزبا خامسا سيجد مكانا على الساحة السياسية. أما اليوم فإن الحزب الوحيد الذي لا يدور النقاش على انقسامه هو حزب العدالة والتنمية، بينما يدور الحديث عن انقسام حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي وحزب الحركة القومية وخروج أحزاب من رحمهما. السبب في ذلك أن هذه الأحزاب تحاول سرقة الأدوار بطرق تتشكل وفق المصالح اليومية لا باتباع سياسة أصيلة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس