فخر الدين ألتون – صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

توصلت إنجلترا إلى قرارها بالانسحاب من عضوية الاتحاد الأوروبي الذي سيكمل طريقة بدون الإنجليز. رئيس الوزراء البريطاني قبل بالهزيمة بعد نتائج الاستفتاء وقدم استقالته.

هل تعرفون ما الذي سيحصل بعد ذلك؟ ستكمل إنجلترا فترة مفاوضات لمدة عامين مع الاتحاد الأوروبي. حسنا، لكن لماذا ترغب إنجلترا بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي؟ ما هي ضرورة هذا الاستفتاء وما هي حجته؟ إن السبب الرئيسي وراء تقدم إنجلترا بطلب الانسحاب من الاتحاد الأوروبي هو عدم رغبتها في تحمل مسؤولية الاتحاد الأوروبي. هذه المسؤولية المتمثلة بالعبء والحمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. إن قرار أكثر من نصف الإنجليز بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي يعتمد على أفكار مسبقة اهمها:

1- إن الاتحاد الأوروبي "اتحاد" سياسي فاشل في حين أن التحرك السياسي مع الولايات المتحدة أكثر منطقية واستراتيجية.

2- إن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الاتحاد الأوروبي تتعمق يوما بعد يوم، في حين أن الديون والثقل الاقتصادي يزداد يوما بعد يوم على ظهر إنجلترا.

3- إن إنجلترا مجبورة على حماية شعبها من موجة النزوح واللاجئين التي تعرضت وستتعرض لها أوروبا.

4- إن التنازلات التي قدمها الاتحاد الأوروبي لتركيا في سبيل التوصل لحلول للأزمة السورية ستؤدي إلى موجة هجرة محتملة من تركيا إلى إنجلترا.

هذه هي الأفكار المسبقة التي تتأرجح بين الحقيقة والتصور، على كل حال فإننا نواجه شعبًا ونفسية مجتمع تمت تغذيته على الخوف. لكن الشيء الواضح والجلي مما حدث أن إنجلترا تنأى بنفسها عن ربط مصيرها بمصير ألمانيا وفرنسا وترغب في أن تخلص قدرها من قدر تلك الدول.

على صعيد آخر إن قرار الانسحاب هذا بما يحمله من قيم سياسية يهدم كل المصطلحات الرنانة التي طالما تغنت بها إنجلترا وعلى رأسها "الفسيفساء الثقافي"، و"التنوع"، و"الانفتاح على الخارج"، و"الليبرالية" و"التعايش مع الخارج". نتائج الاستفتاء تزودنا قبل كل شيء بصورة عن مصير الاتحاد الأوروبي ومستقبله. فنتائج الاستفتاء هذه لا تشير إلى أزمة مقبلة في الاتحاد الأوروبي وإنما إلى بداية نهاية الاتحاد. فالاتحاد الأوربي يمر بمرحلة الانهيار، سواء قبل أذناب الغرب في تركيا بالأمر أو استمروا بدفن رؤوسهم في التراب. فالموجة السياسية التي انبثقت عن اليمين المتطرف في أوروبا تنتج "مخاوف من احتلال بربري" على الساحة السياسية والاجتماعية يزداد يوما بيوم.

خصوصا أنه في هذه الأيام أصبح عداء الأجانب، والعنصرية العرقية، والتفرقة العنصرية، والإسلاموفوبيا أكثر انتشارا مما سبق ومستمر في الانتشار في دول الاتحاد الأوروبي.

حسنا ما معنى هذه النتائج لتركيا؟

كما هو معلوم فان بريطانيا كانت أهم الدول الداعمة لتركيا في الاتحاد الأوروبي، في حين أنه اليوم لا توجد أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي تدعم انضمام تركيا بعضوية كاملة للاتحاد الأوروبي ولا يوجد أي سياسي أوروبي يملك مثل هذه الرؤية.

من جهة أخرى، الداعمون للانفصال عن الاتحاد الأوروبي في إنجلترا استخدموا تركيا وملف انضمامها للاتحاد الأوروبي والتخويف من ذلك في سبيل إنجاح حملتهم التي تحمل عنوان "هيا لننفصل عن الاتحاد الأوروبي". هذه المخاوف المصطنعة التي تملىء الشارع العام ستؤثر على السياسيين الأوروبيين وتدفعهم للتمسك بقرارهم القاضي باستبعاد تركيا خارج الاتحاد.

ما الذي على تركيا فعله في مثل هذا الوضع؟

تملك تركيا خيارين اثنين، أولهما: أن تتابع التطورات والمستجدات عن بعد وأن تختلي بنفسها لتفكر بالسبل الممكنة لتحويل نتائج هذه التطورات لتصب بقنوات مصالحها الذاتية. وعليها بهذه الفترة أن تسعى من خلال طاقتها السياسية الممكنة لإقناع السياسيين الأوروبيين الذين يزدادون تحجرا وتعنتًا يومًا بعد يوم. تركيا أصبحت معتادة على مثل هذا النوع من المواقف السياسية فهي تقوم بهذه الوظيفة من فترة "الشراكة الاقتصادية مع أوروبا" إلى اليوم.

ما هو الطريق الثاني أمام تركيا؟ إن أوروبا التي يعد الاتحاد الأوروبي جزءًا منها تواجه العديد من الأزمات التي تجبر الاتحاد على الانحناء. وعلى تركيا أن تسعى لاستمرار مواجهة السياسيين المتواجدين في الاتحاد الـوروبي مع هذه الأزمات المختلفة وعلى تركيا كذلك أن لا تسمح بتأجيل وتأخير حل الأزمات العالمية المختلفة وعلى رأسها أزمة اللاجئين السوريين.

لكن في أثناء ذلك يجب على تركيا أن تعمل وتأخذ بالحسبان المصالحة الوطنية والاستفادة القومية من ذلك وعليها أن تنتج السياسة والسياسسين الخاصين بها والملمين بالموضوع. فمطلوب من تركيا أن تحافظ على التوازن بين المداخلات القوية من جهة وعلى الانكفاء على الذات والانشغال بالشأن الداخلي من جهة أخرى. لا بد أن ننظر ونقيم أقوال أردوغان وتحركاته السياسة من هذا المنطلق.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس