إبراهيم كاراغول - يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

أطلق الرئيس، رجب طيب أردوغان أخيرا نقاشا حول معاهدة لوزان. أشعل تصريحه النقاشات عن كيفية نهب الإمبراطورية العثمانية، وكيف قسمت إلى قطع ودول، وكيف حُصرت في داخل الأناضول، وكيف أن الهدف هو إخضاع الحصن الأخير في الأناضول بالضغوط وبالقوة، وكيف بقيت الأناضول تحت الوصاية طوال القرن العشرين، وكيف تنفذ اليوم سيناريوهات حقيرة لإعادة احتلال الأناضول وتقسيمها.

" في عام 1920 أجبرنا على التوقيع على معاهدة سيفر، وفي عام 1923 أقنعونا  بمعاهدة لوزان. حاول البعض خداعنا بتصوير هذه المعاهدة على أنها انتصار، لكن كل شئ كان واضحا في لوزان. في لوزان تخلينا لليونان عن جزر في بحر إيجة، مع أن الصرخة من هناك تسمع على الشواطئ التركية. فهل هذا ما تسمونه انتصارا".

" كان الخامس عشر من يوليو/ تموز محاولة غزو أخرى لانتزاع آخر منطقة في حوزتنا، أي خمس ما فقدناه ما بين 1012- 1923 . لكن أمتنا لم تتنازل لهم عن هذه الأراضي. إن الخامس عشر من يوليو هو حرب الاستقلال الثانية للأمة التركية. لو نجح هذا الانقلاب، لكانوا قد واجهونا بإملاءات جديدة لا تقل سوءا عن لوزان".

حرب الاستقلال الثانية ومقاومة لا تلين

حتى اليوم لم يظهر زعيم سياسي من قبل يعرض الأسباب الكامنة وارء مشاكل تركيا، والحقائق والحملات الصليبية الجديدة التي تستهدف المنطقة بمثل هذه التصريحات القوية والواضحة.

وهذا ما كنا نحاول التعبير عنه على مدى العامين الماضيين، عندما قلنا " حرب الاستقلال الأخيرة" و " كشف أوراق قرن مضى" و " التحرر من وصاية القرن العشرين" و " مقاومة لا تلين" . وهذا هو السبب في أنهم يحاولون باستمرار الإبقاء على جغرافيتنا خارج المعادلة في جميع الصدامات والمواجهات المتعلقة باإنشاء النظام العالمي الجديد بعد الحرب الباردة. وهذا هو السبب في حرب العراق، والسبب وراء الحرب السورية.

كان هذا هو السبب وراء مشروعات خريطة الشرق الأوسط الجديد. وهذا هو السبب وارء إنهاك تركيا البلد الذي كان يحاول الوقوف على قدميه بعد قرن من الزمان. وهذا هو السبب وراء محاولة القضاء على محاولة زعماء تركيا السير بخطى حثيثة نحو التقدم، من خلال التدخلات في 17 ديسمبر و25 ديسمبر 2013 . وهذا هو السبب في أنهم طبقوا سيناريو الغزو والحرب الأهلية في ال15 من يوليو.

عملية غزو كبيرة ومن سيبقى صامدا

كل شئ في الجغرافيا يبدأ في الحرب العالمية الأولى. ومن المستحيل أن نفهم ما ما نمر به اليوم دون أن نبدأ من هناك: تشكيل تركيا، وخريطة الجغرافيا، والوضع الراهن في الشرق الأوسط، والتفسخ العرقي، والتقسيم الطائفي، ودويلات تحمي المصالح، ووصاية وسيطرة لا يمكن الوقوف بوجهها.

نرى الوضع القائم منذ الحرب العالمية الأولى قد تفكك على مدى العقدين الماضيين، وهم يحاولون تنظيم جغرافية جديدة بدلا منه. يجري تنفيذ خطة غزو لإحكام السيطرة الكاملة على المنطقة الوسطى للأرض، من سواحل المحيط الأطلسي غلى سواحل المحيط الهادئ، وغزو العديد من الدول وتقسيمها بالحروب الأهلية، وإنشاء الدويلات الجديدة الحامية للمصالح، والـتأكد من أن الجغرافيا ستظل تحت الوصاية حتى نهاية القرن.

كيف سيكون شكل الوضع القائم الجديد؟ وأي الدول ستبقى قائمة؟ وأيها سيقسم أو يتسع؟ من سيكون قادرا على مقاومة هذا المشروع الأمني الكبير، ومقاومة عملية الغزو الجديدة التي انتقلت إلى الخطاب السياسي عبر مصطلحات مثل " الخطر الإسلامي" و"مكافحة الإرهاب" ؟

حلفاء يهاجموننا بالمنظمات الإرهابية

كشف مركز أتلانتيك صراحة أن مشروع الغزو العظيم الذي بدأ في العقد الأول من الألفية الحالية بهجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول، قد بدأ الآن يضرب تركيا. وقد وضعوا تعريفا للجغرافيا بأنها جغرافيا الفوضى، وجر الجميع في منطقتنا إلى هذا الخطاب. هم يحاولون الآن نشر الفوضىى، وبدؤوا بالشرق الأوسط وصولا إلى تركيا. بدأ هذا الصراع؛ لأن تركيا اختارت طريقها الخاص، ورفضت التبعية لجانب واحد، وتصالحت مع جغرافيتها وتاريخها، وقررت أن تخاطب المنطقة والعالم بلغة سياسية جديدة.

ومن ثم لا يوجد هجوم إرهابي في منطقتنا، ولا تبدأ منظمة إرهابية إلا وتنتهي بالديناميات الإقليمية. وجميع المنظمات الإرهابية اتي أسسوها ومولوها ودربوها وحددوا لها الأهداف هي عنصر من عناصر هذا المشروع الكبير، وحزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه المسلح وحدات حماية الشعب كلها من هذا القبيل. والهجمات التي تتعرض لها المحافظات والمناطق الشرقية لدينا هي من هذا القبيل. إن الحرب على الإرهاب التي بدأت بعد انتخابات 7 يونيو / حزيران ليست في الواقع معركة ضد الإرهاب، ولكنها كفاح ضد محاولة الغزو، ومحاولة انقلاب ال15 من يوليو هي أكثر محاولات الغزو دموية.

الدويلات الجديدة حامية المصالح

ابتكروا خطط الهجوم المتعلقة بكل بلد. وتواجه العديد من الدول من شمال أفريقيا ووسطها إلى الشرق الأوسط وجنوب أفريقيا هذا التهديد. هناك مسودات خريطة رسموها للعراق واليمن والمملكة العربية السعودية وإيران وباكستان وسوريا وتركيا. لديهم خطط القوميات الصغيرة والدويلات والتعصب الطائفي والدويلات الحامية للمصالح. لا توجد دولة في منطقتنا بعيدة كل البعد عن هذه التهديدات، والعلاقات التي أقيمت مع مركز أتلانتيك لن تحمي هذه الدول من تلك التهديدات.

وضعت تركيا خطابا عظيما للمقاومة، وهذا يؤثر على الدول والمنطقة على حد سواء. هذه المقاومة على مدى قرن من الزمن، وإرادة المواجهة يتردد صداها في الشوراع والمدن والدول. وليس ثمة حل آخر لخطط الغزو الكبير. ستقع الدول التي تستسلم للعروض المريحة فيما وقعت فيه الإمارات التي انتظرت دورها أمام المغول.

وعلى ذلك فإن الذين يرون اللعبة الكبيرة رؤية صحيحة، سيجدون الفرصة لنصب دفاعهم. لقد رأينا هذه اللعبة الكبيرة، رأيناها في أفغانستان، والحرب على الإرهاب، وفي العراق واليمن، وهذا هو السبب في أننا في  أهبة الاستعداد.

الخونة في كل مكان

نمر الآن بحقبة هشة مثل حقبة الحرب العالمية الأولى، والنضال في هذه الحقبة كبير مثل النضال إبان حرب الاستقلال. وهذا هو السبب في أننا نطلق عليها حرب الاستقلال الأخيرة. ليس هذا خطابا بطوليا، لكنه خطاب يرى الحقيقة الكاملة. وبغض النظر عن هذا، فإنه قضية تعني كل بلد ودائرة وشخص يحاول إيقاظ أمتنا من النوم.

وفي هذا الكفاح العظيم ليس حزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي، وتنظيم فتح الله غولن الإرهابي وداعش  وحدهم في مقدمة الخونة  وأعداء التاريخ وأعداء الجغرافيا. هم مجرد توابع مباشرة، وعصابة مأجورة لوكالات استخبارات هذه الدول في منطقتنا. ولكن إلى جانبهم فإن كل من يموه على الحقيقة، ويحول بيننا وبين رؤيتها، مشارك في هذا العمل. وهم مشاركون فيه حتى لو كانوا أقرب الناس إلينا.

ثلاث صدمات ثم نهضة مرة أخرى

شهدنا الحروب الصليبية في هذه الجغرافيا. عانينا من غزو المغول. خبرنا الحرب العالمية الأولى. وهذه هي أكبر الكوارث التي حاقت بمنطقتنا، وهي الصدمات الثلاث. وإذا لاحظت ستجد أن مقاومة هذا الصدمات الثلاث بدأت من الأناضول. بني مسقبل أكثر إشراقا، ونشطت هذه المقاومة في المنطقة بأكملها، وجعلت الجميع ينهض.

سيتكرر الأمر مرة أخرى، وهذا هو السبب في أنهم يهاجمون تركيا. وهم يعرفون جيدا كيف يرتفع الغضب في هذه المناطق، وكيف يعيد الموقف السياسي الحر التاريخ إلى مساره. لن يبقى أمامهم ما يفعلونه إذا تحقق النصر. لن يكون بمقدورهم إزعاج أي دولة. ولذلك لن نتخلى أبدا عن النضال بلا هوادة ضد الغزاة من الخارج أو الدائرة الموالية للوصاية من الداخل. لن ننظر إلى أي معركة عرقية أو طائفية على أنها معركة مشروعة في هذا السياق.

قد يكون لديهم خريطة ولكن لدينا أيضا خريطتنا

وحيث إنهم يحاولون الحط منا، فإننا نتجه إلى تحقيق نمو أكبر عكس اتجاه هذه الرياح الشريرة. نحن بصدد رسم خريطة منطقتنا ضد مسودات خريطتهم. نتجه إلى بناء جسور مستقرة مع المنطقة، وتحقيق تضامن القوة. لن تخضع بلدنا وأمتنا وإقليمنا وقيمنا ومستقبلنا لمشاريعهم أو لعروضهم.

لننظر إلى جميع الألاعيب الوحشية التي تخطط الولايات المتحدة لاستخدامها لتخريب عملية درع الفرات. ولا تختلف المملكة المتحدة وألمانيا في ذلك. إنهم يضعون كل ألوان المخططات لضرب تركيا سواء في المنطقة وفي الداخل. التهديد يأتي من حلفائنا. إنهم يشنون حربا ضدنا من القواعد العسكرية على أرضنا، ومن إنشاء الجماعات الإرهابية في هذه القواعد العسكرية.

خطة نهب المال السعودي

كل عمل من أعمالهم في منطقتنا على مدى العقدين الماضيين، وكل خططهم كانت موجهة ضد تركيا. لقد آذونا أذى كبيرا بحجة التحالف. يسلحون المنظمات الإرهابية، ويطلقونها على تركيا. سفكوا الدماء في هذا البلد. هم من خططوا شخصيا لانقلاب ال15 من يوليو ولمشروع الحرب الأهلية، وعملوا عليها من خلال فتح الله غولن وأتباعه الإرهابيين. والوم يواصلون الحرب نفسها ضدنا في داخل الحدود التركية . الخامس عشر من يوليو هو التاريخ الذي بدأ فيه نضالنا الطويل الممتد لقرن . هو نوع من النضال الذي نقاوم فيه مثلما قاومنا في الحرب الصليبية.

هم لا يغزون الجغرافيا فقط، ولكنهم يتصرفون مثل اللصوص وأعداء الحضارة . لم يرتكبوا المجازر في العراق فقط، بل نهبوا كل ما يتعلق بالحضارة. والآن لديهم خطة لنهب المملكة العربية السعودية. اصدروا قانونا بأن المملكة العربية السعودية مسؤولة عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، مما يمهد الطريق للحصول على تعويض. هدفهم الحقيقي هو الاستيلاء على مئات الملايين من الدولارات من أموال المملكة. لو كانوا قد نجحوا في الخامس عشر من يوليو، لكنا قد شهدنا النهب نفسه في تركيا. تركيا كانت على وشك أن تقسم إلى عدة أجزاء؛ فالجانب الأوروبي من أسطنبول كان سينفصل، ويستولى على ثروات البلاد.

مواجهة معاهدة لوزان واقتتال الغرب

ينبغي أخذ كل تطور يحدث في تركيا بعين الحسبان بناء على جذوره التاريخية؛لأن هذه هو الأصل والمصدر. هذا هو المصدر الذي يمكن أن تجد فيه سبب الأزمة الحالية. وهذا هو السبب في أننا بحاجة لأن نكون مستعدين كل يوم، وألا نقع في خطط الخداع أبدا. ينبغي اخذ كل تطور في الحسبان حتى تاريخ أدق الحوادث في تركيا، وأقرب دائرة لنا هي الحرب العالمية الأولى. تلك الحرب لم تنته بعد. نحن فقط  بدأنا النضال أخيرا.

وحيث إنهم بدؤوا الهجوم الثاني بعد لوزان، فإننا سنقاضيهم بجميع قضايانا منذ معاهدة لوزان، وسنطالبهم بدفع حساب كل ما خسرناه.

نحن من سنعيد التاريخ إلى مساره الصحيح رغم كل الرياح العكسية، ونرسم خريطة جديدة للمنطقة. نحن من سينتصر في المعركة وليسوا هم. وسنرى خلال السنوات القليلة المقبلة ستضرب الغرب من الداخل أزمة كبيرة، وستندلع هناك حرب أهلية حقيقية. 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس