محمد سيف الدين إيرول - مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات - ترجمة وتحرير ترك برس

أود أن أذكر في البداية أن مسلمي الروهينغيا هم ضحايا محليون لصراع القوة الدائر على مستوى العالم، أما البقية فليست سوى القصة المكتوبة للقضية، مثلما رأينا في أمثلة سابقة.

حاولت في مقالاتي الأخيرة أن ألفت الأنظار إلى ما قاله الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في 22 آب/ أغسطس في قاعدة ة فورت ماير العسكرية، إذ لم يستهدف في خطابه باكستان وأفغانستان فقط، بل ضغط على زر البدء باستراتيجية جديدة لزعزعة استقرار وسط آسيا وجنوبها.

المتابعون لمقالاتي بانتظام سيجدون مقالا نشر في 24 أغسطس تحت عنوان "استراتيجية أفغانستان الجديدة وباكستان: بعدا جديدا في مبادرة الشرق الأوسط الكبير". وقد أكدت في هذا المقال أن ترامب أعطى إشارات ملموسة بأنه سيتبع سياسة قائمة على استخدام القوة الصلبة في وسط وجنوب آسيا، ومن أبعاد هذه الاستراتيجية تغيير الموقف تجاه باكستان.

ويرجع السبب في تبني هذه الاستراتيجية إلى أن الولايات المتحدة والقوى البحرية أخرى على وشك أن تفقد السيطرة على "الجزيرة العالمية" وبالتالي فهي في حاجة إلى "الحرب الاستباقية" وعنوان هذا الصراع هو الصين والمناطق المجاورة لها مباشرة.

تمثل ميانمار جزءا حيويا في هذه الحرب. وكما ذكرت من قبل في مقالات سابقة، فإن ميانمار تمثل منطقة نفوذ مهمة بالنسبة إلى الصين في مواجهة الولايات المتحدة. وما تزال ميانمار تمثل ميناء كبيرا للصين للانفتاح على العالم الخارجي، في حالة إذا أغلقت الولايات المتحدة مضيق ملقا الرابط بين المحيطين الهادي والهندي.

ولا تقتصر المسألة على الموانئ التي شيدت في ميانمار فحسب، بل تتعلق أيضا بخطوط الأنابيب التي تمدها الصين، حيث إن لديها  سياسة صارمة لأمن الطاقة على مستوى عالمي، وتمارس دبلوماسية وأنشطة نشطة في مجال الطاقة في بنغلاديش وميانمار من خلال الصادرات. وعلى ذلك فإن القضية لها بعد يتعلق بأمن الطاقة.

وبعد تصريح ترامب بدت الأمور واضحة، حيث أشعلت التفجيرات في في أفغانستان وباكستان وكشمير، أما  في ميانمار،فقد  بدأ "الإرهابيون البوذيون" إلى جانب المرتزقة العسكريين المرتبطين  بالنظام الدكتاتوري عملية قتل المسلمين.

هل تقع حرب نووية محدودة في محيط الصين؟

وفي غضون ذلك، تسعى الولايات المتحدة، التي صعدت في  في نفس الوقت أزمة كوريا الشمالية بسرعة، إلى تدخل نووي محدود في المنطقة. كما أدرجت كوريا الشمالية ضمن الخيارات التي طبقتها في أفغانستان بعد أحداث 11 من سبتمبر، وتحاول تطبيقها في باكستان.

وفي حين صارت باكستان وكوريا الشمالية على وجه الخصوص موضع استهداف، يجري إبراز الهند كحليف قوي للولايات المتحدة. والجدير بالملاحظة أن هذه الدول الثلاث تمتلك ترسانات نووية، وقد وصلت إلى حافة توظيفها. وتحاول الولايات المتحدة تحويل هذه الأزمة إلى فرصة لصالحها.

ولذلك، أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة تسعى إلى " احتواء- عزل" الصين من خلال تهديد "الإرهاب النووي" في المنطقة.

هل مهمة "داعش" الجديدة هي "الحدود الصينية"؟

وسرعان ما أدركت الصين أن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو استهداف باكستان من خلال أفغانستان. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ بعد يوم واحد من تهديد ترامب فى 23 أغسطس، إن باكستان تقف في مقدمة الدول التي تحارب الإرهاب، وقدمت تضحيات كبيرة في ذلك. وبعبارة أخرى فإن الصين لم تصدق المزاعم الأمريكية.

وهذه ليست المرة الأولى التي تقدم فيها الصين مثل هذا التأكيد. وكانت إدارة بكين قد أعلنت في أيار/ مايو 2011 أن الهجوم على باكستان يعد اعتداء على الصين. وعلاوة على ذلك تدرك الصين أيضا الضغط الأمريكي على الهند، وذلك لأن الصين والهند قررتا تجميد المواجهة بين البلدين حول مشكلة هضبة دوكلام الحدودية.

ولذلك، فإن الصين، كما في المثال الكوري الشمالي، لم تترك الخيوط للولايات المتحدة في باكستان أيضا. كما أنها تحث الهند على أن تتخذ خطواتها بدقة  اتخاذ خطوات دقيقة. ونتيجة لذلك، تتصاعد التوترات يوما بعد يوم.

وقد تصبح الصين والمناطق المحيطة بها التي تتحدى الولايات المتحدة مسرحا للعمليات الإرهابية المكثفة فى الايام القادمة. وفي هذا السياق، يبدو أن جنوب آسيا ستكون عنوان حروب جديدة بالوكالة.

وإلى جانب الإرهاب البوذي، قد يظهر أيضا إرهاب تنظيم داعش .لا ينبغي أن يكون مفاجأة إذا تدخل أحدهما في ميانمار لحماية المسلمين والآخر لحماية البوذيين. ويبقى في النهاية أننا معتادون على هذا السيناريو.

بريطانيا في ميانمار ومنظمة التعاون الإسلامي في عطلة

بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تستمر محاولاتها لتصبح "قطبا" داخل العالم متعدد الأقطاب، وكل أزمة تحدث تمثل فرصة للمملكة المتحدة. ومن ثم فهي تحاول أن تظهر في أزمة مسلمي ميانمار.

وأكد ريكروفت، الممثل الدائم للمملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة، الذي حث مجلس الأمن الدولي على عقد اجتماع طارىء لمناقشة التطورات فى أراكان، على أن "المضاعفات المستمرة فى راخين تحتاج إلى معالجة. وندعو جميع الأطراف إلى اتخاذ موقف معتدل".

وهذا يعني ببساطة أن المملكة المتحدة التي تسببت في كثير من المجازر والإبادة الجماعية، ولا سيما في ميانمار، تخطط مرة أخرى للعودة إلى المنطقة من خلال هذه الذرائع. إن بريطانيا، التي تحكم المنطقة من خلال مبدأ "فرق تسد"، تدرك جيدا أن الدعوة إلى الهدوء لا يمكن تلبيتها في ظل الظروف الراهنة.

وفي الوقت نفسه، ما ذا تفعل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي؟ لا شيء على الاطلاق! على أقل تقدير، يكشف بعد منظمة التعاون الإسلامي عن حقيقة وجود فجوة في القوى القيادية في العالم الإسلامي لا يمكن أن تملأه المنظمة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس