فراس رضوان اغلو - خاص ترك برس

مما لا شك فيه أن جل الدول التي تدخلت في الأزمة السورية كانت تبحث عن مصالحها في المقام الأول ولعل بعضها نجح إعلامياً بإظهار نفسه على أنه مُتسيد الساحة السورية والبعض الأخر (الولايات المتحدة الأمريكية) نجح في صمت باستخدام الأزمة السورية لتطبيق مخططاته على متسيد تلك الساحة.

نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في سياسة القيادة من الخلف، فرغم ما يظهر إلى الإعلام من أن الدب الروسي هو من يمسك بزمام الأمور في سوريا، وأنه يتحكم نوعاً ما بالمشهد السياسي إلا أن الواقع على الأرض يظهر غير ذلك فالمناطق التي يرفرف فيها العلم الأمريكي لا يجروء أحد على الإقتراب منها، بل إن مساحة تلك الأرض توسعت وبشكل كبير لتشمل ما يقارب 35 بالمئة من المساحة السورية، فالشمال اعتباراً من منبج (مركز الخلاف الأمريكي التركي ) وحتى الشرق باتجاه مدينة دير الزور كله بيد القوات الأمريكية مع حليفتها مليشيات قوات سوريا الديمقراطية، وفي الجنوب عند الحدود مع إسرائيل التواجد الأمريكي موجود ولكن مع حليف مختلف هذه المرة وهو قوات المعارضة السورية التي تتبع غرفة موك،

النجاح الثاني للإدارة الأمريكية هو تظاهرها بعدم الإكتراث للأزمة السورية لكن حقيقة الأمر هي غير مهتمة لحل الأزمة في سوريا لكنها مهتمة بالتواجد هناك للقضاء على تنظيم الدولة وابقاء تلك الفوضى، ولذلك كان عليها اختيار طرف ثالث لا هو مع المعارضة ولا هو مع نظام دمشق فكانت وحدات حماية الشعب الكردية التي قاتلت على الأرض تحت القيادة الأمريكية بولاء تام دون أن تخسر أمريكا جندياً واحداً، و لتمكين هذا التواجد وضمان بقائه واستمراريته لفترة طويلة كان لا بد من إنشاء قواعد عسكرية لها، فعشرين قاعدة في مساحة لا تعد كبيرة نسبياً ما هي إلا لتكون مصدر قلق ومراقبة على جميع دول المنطقة بل وفرض واقع سياسي قد يغير من الخرائظ الجيوسياسية في المنطقة.

النجاح الثالث: لم تشارك أمريكا في الاجتماعات التي قامت بين الدول المتدخلة في الأزمة السورية حتى لا تلزم نفسها بأي حل أو اتفاق وتكون قادرة على قلب الطاولة في أي وقت تريد فهي مازلت تمتلك أوراق مهمة في سوريا

النجاح الرابع وهو استخدام سوريا كحصان طروادة من أجل تطبيق أجندة من العقوبات الأمريكية ضد روسيا الإتحادية فمنذ البداية نجحت أمريكا باقناع الجميع على أنها ضد النظام القاتل (حسب وصفها والأن تصف رئيس هذا النظام بالحيوان) ولكنها على أرض الواقع لم تفعل شيء، ولم تدعم تركيا على سبيل المثال التي وقفت مع المعارضة ضد حكومة دمشق بل أنها تحالفت مع فريق لا يفكر إلا باستقلالية فكره وسياسته والأرض التي يسيطر عليها. ونجحت في إظهار روسيا بصورة سيئة على الساحة الدولية على أنها تدعم نظاماً قاتلاً عبر الأسلحة التي ترسلها له وعبر طائرتها التي تقدم له الغطاء الجوي ومندوبها في مجلس الأمن الذي عطل كل القرارات المتعلقة بحكومة دمشق،وجاءت الفرصة المواتية تماماً بعد قصف دوما(في ريف دمشق) بالكيماوي واتهام النظام بهذه العملية ومن ورائه روسيا التي تدعمه لتقوم أمريكا بتطبق عقوبات على شخصيات روسية مهمة ومقربة من الرئيس بوتن وعلى 12 شركة روسية كبيرة منها شركة روسبورونكسبورت المصدرة للأسلحة والتي تعد أداة رئيسية في تطوير الجيش الروسي وفي اقتصاد البلاد

 هذه العقوبات تتزايد طرداً مع تزايد التقارب الروسي التركي وهنا على تركيا أن تراجع حسابتها بشكل دقيق، فافتعال أزمة حقيقية مع روسيا سيجعل تركيا مطالبة بالوقوف مع حليف الناتو وخاصة بعد إعلان بريطانيا وألمانيا وفرنسا دعمهم للرئيس ترامب في حال اتخذ قراراً بضرب قوات النظام السوري، ولعل تصريح الرئيس أردوغان "بأن من يدعم الأسد القاتل ومن يدعم وحدات حماية الشعب الكردية كلاهما مخطئ" يعطي دلالة على أن تركيا ستأخذ الحيادية وربما دور الوساطة بين الطرفين كيف لا وفتيل الأزمة إن اشتعل سيحرق أرضاً على تماس مباشر مع تركيا.

عن الكاتب

فراس رضوان أوغلو

دبلوم تاريخ في العلاقات السياسية في القرن الثامن عشر، كاتب ومحلل سياسي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس