ترك برس - الأناضول

قال الأكاديمي البوسني جمال لاتيج، عضو هيئة التدريس بجامعة سراييفو الدولية بالبوسنة والهرسك، إن تركيا الآن صمام أمان لبلاده، مؤكدًا أنها الدولة الوحيدة التي تنجز مشاريع استثمارية كبرى في منطقة البلقان.

جاء ذلك في لقاء مع الأناضول، تطرق خلاله إلى العلاقات التركية الصربية الروسية، ونشاطات تركيا في منطقة البلقان، ودعمها البوسنة على كافة المستويات.

وأشار لاتيج في هذا الشأن إلى الدعوة التي وجهها الرئيس الصربي ألكسندر فوجيج، لرجال الأعمال الأتراك لإنجاز مشاريع في بلاده، لافتًا إلى أن هذا الأمر قد يفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الصرب والبوسنيين.

ولفت إلى وجود جماعات عنصرية في صربيا تعادي الإسلام وتركيا، على عكس غالبية الشعب الصربي.

وقال "إن الاقتصاد الصربي وصل حد الانهيار، ولذلك فإن أبسط استثمار ستنجزه تركيا هناك سيعود بالفائدة على صربيا"، مضيفا "كما أعتقد أن هذه الاستثمارات ستساهم في حل المشكلات القائمة بين الصرب والبوسنيين".

وأكد لاتيج على الأهمية الكبرى التي تحملها سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه منطقة البلقان، حيث يتعامل مع الجميع بنفس السوية. مشددًا أنه لا توجد دولة أخرى غير تركيا تنجز مشاريع كبرى بالمنطقة.

وفي 20 من مايو/آيار الجاري أجرى الرئيس التركي زيارة رسمية إلى البوسنة والهرسك، وتسلم خلالها أردوغان شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة سراييفو الدولية.

وأوضح الأكاديمي البوسني أن المساعدات والاستثمارات التركية في المنطقة ستساهم في القضاء على الكراهية تجاه الإسلام.

ولفت إلى أن معاداة الإسلام تؤثر على البوسنيين الذي يعيشون جنبًا إلى جنب من الصرب. مشيرًا إلى أن المشاريع التركية سواء كانت في صربيا أو كرواتيا أو منطقة البلقان عموما ستساهم في جعل البوسنيين يأخذون نفسًا عميقًا.

وكانت البوسنة قد شهدت في 1992 حربًا دامية، وارتكبت القوات الصربية العديد من المجازر بحق مسلمين، كما تسببت في إبادة أكثر من 300 ألف شخص، وفق إحصاءات الأمم المتحدة.

وانتهت الحرب في 1995، بتوقيع اتفاقية "دايتون" للسلام التي وقعها قادة صربيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك، لتنهي 3 سنواتٍ من الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة، وخلال الحرب نالت البوسنة والهرسك استقلالها.

طريق سراييفو- بلغراد

وقال لاتيج إن مشروع الطريق الدولي المخطط إنشاؤه بدعم تركي والواصل بين العاصمتين البوسنية سراييفو والصربية بلغراد، لا يعد مشروعًا عاديًا، حيث سيساهم في تجاوز المشاكل القائمة بين البوسنيين والصرب، وقد يشكل خطوة مهمة في إحلال السلام بين الجانبين.

وفيما يخص التقارب التركي الروسي على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، أشار لاتيج أن هذه العلاقات ستنعكس إيجابيًا على البوسنة والهرسك، حيث تعد موسكو أبرز حلفاء صربيا.

وأفاد بهذا الصدد "أن أهم المشاكل في البلقان الآن، هو التوتر القائم بين الصرب الأرثوذكس والبوسنيين، حيث نرى الصرب يواصلون محاولات ضم كوسوفو إلى بلادهم، ولذلك فإن علاقات تركيا مع روسيا، واستثماراتها في صربيا، ستعزز من موقف البوسنة والهرسك، ما سيلعب دورًا مهمًا في إحلال السلام بين البلدين".

وكوسوفو هي دولة معترف بها جزئيًا تقع في منطقة البلقان، أعلنت استقلالها عن صربيا عام 2008، وتعترف بها حاليًا 108 دولة، لكن لا تعترف بها صربيا بشكل رسمي.

روابط تاريخية

وأكد الأكاديمي البوسني أن الولايات المتحدة والغرب خيبوا آمال بلاده مرات عديدة، حيث لفت إلى أنهم تجاهلوا الشعب البوسني على الدوام، أو تركوه تحت رحمة المجموعات الصربية المتطرفة.

وأردف "لكن هذا الأمر لن يكون ممكنًا بعد الآن، حيث لن تترك تركيا البوسنة والهرسك بمفردها". لافتًا إلى أن الغرب والولايات المتحدة لن يروق لهم المشاريع التركية الرامية لتنمية البوسنة، وسيحاولون الوقوف في وجه هذه المشاريع.

وتابع قائلًا "أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تخلوا عن تركيا بالرغم من كونها دولة أوروبية وعضو في الناتو، كما يعارضون ضمها إلى الاتحاد، ويقفون في وجه الخطوات الديمقراطية والقانونية التي تشهدها بدلًا من دعمها".

ولفت إلى أن آخر تلك الممارسات كانت "دعمهم الملموس لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 يوليو/ تموز، كما أنهم يواصلون العمل بشكل سري لإخضاع تركيا ونشر الفوضى فيها".

وشدد لاتيج على وجود روابط تاريخية قائمة على اللغة والثقافة والدين بين تركيا وبلاده. مؤكدًا على ضرورة استمرار هذه العلاقات بين الجانبين وتعزيزها.

وفي سياق آخر، أوضح الأكاديمي البوسني أنه مع نهاية الدولة العثمانية، أصبحت البوسنة والهرسك عرضة للكثير من المؤامرات، تمثلت في افتعال الحروب بهدف طرد المسلمين من المنطقة.

وأضاف أن البوسنة والهرسك احتضنت على مر التاريخ المسلمين والمسيحيين، حيث كان يعيش فيها أناس من أديان، وهويات، وأعراق مختلفة، وسط أجواء من الأمن والاستقرار والرفاه، وأن هذه الخلافات كانت مصدر ثراء ولم تكن يومًا سببًا للخلافات والحروب.

وأردف "لكن مع نهاية الدولة العثمانية، أخذت الإدارات الجديدة التي حلت محلها في المنطقة في إشعال فتيل الحرب، حيث عملت تلك الأنظمة على استغلال الثراء الثقافي والديني الذي تتمتع به البوسنة بهدف القضاء على البوسنيين، وإرسال من تبقى منهم إلى تركيا".

الوضع الآن مختلف

وأوضح أن "تركيا لم تكن تتمتع بالقوة في تلك المرحلة لمساعدة البوسنة، لكن الوضع الآن مختلف، حيث أن قدوم تركيا إلى البوسنة سيساهم في تعزيز ثقة البوسنيين بأنفسهم، لأنهم سيدركون حينها بأن هناك دولة تدافع عن لغتهم، ودينهم، وثقافتهم". 

وختم الأكاديمي البوسني قائلًا "إن واشنطن ستُجبر على إعادة النظر في علاقاتها مع تركيا بالمستقبل، إذ تركز إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على السياسة الداخلية على حساب سياساتها الخارجية غير المستقرة، والتي أفضت إلى مشاكل مع عدد من الدول، وفي النهاية ستصبح الولايات المتحدة غير قادة على استمرار هذا التوتر في علاقاتها مع تركيا، وستُجبر على تطبيع علاقاتها معها، وإعادة تحديد سياساتها الخارجية في عموم الشرق الأوسط".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!