عبد الرحمن عمور، ونظموز شكيب - ذا ميدل إيست مونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

في الخامس من حزيران/ يونيو عام 2017، استيقظ الشعب القطري على أخبار تفيد بأن المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر والبحرين وحلفاءها فرضت حصارًا جويًا وبرًا وبحريًا على بلادهم. صُعق القطريون، وشعروا في قرارة أنفسهم أنهم تعرضوا للخيانة من جيرانهم. ستشكشف الأزمة وتعزز التحالفات الحقيقية، ولا سيما التحالف بين تركيا وقطر.

يشير التاريخ إلى أن أول اتصال سياسي بين الأتراك والقطريين حدث في عام 1871، عندما دخل العثمانيون قطر بدعوة من الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني. نتج عن ذلك انضمام ولاية جديدة إلى الإمبراطورية العثمانية، وتحالف بين عائلة آل ثاني الحاكمة في الدوحة والسلطان العثماني عبد العزيز. كان لهذا التحالف أزمته الخاصة التي بلغت ذروتها، مثل كثير من القصص الأخرى عن الاستعمار البريطاني، في الخضوع للمخططات الإمبريالية.

أدى سقوط العثمانيين وإنشاء الدول القومية الحديثة إلى تغيير نموذج وسياسات عالم الأغلبية المسلمة تغييرا جذريا وكاملا. ولكن أعيد تقييم حقيقي لطبيعة الحدود الاستعمارية المصطنعة المفروضة على الولايات السابقة للإمبراطورية العثمانية. وفي الوقت نفسه، فإن التعاون الملموس لإعادة إنشاء وترتيب نظام إقليمي مستقل خالٍ من أي هيمنة استعمارية جديدة يؤدي إلى تأثيرات جيوسياسية ناشئة. وقد ترددت هذه الرؤية على ألسنة الملايين في الشوارع  العربية فيما عرف باسم الربيع العربي.

ويمكننا القول بأن الشرق الأوسط اليوم ليس كما يزعم بعض الطائفيين ساحة معركة دينية بين السنة والشيعة، ولكن ثمة معركة سياسية للهيمنة بين مجموعتين: الرباعية العربية المكونة من المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر والبحرين (وحلفائها)، ومحور تركيا - قطر. وهذا تعميم ضروري للمعركة من أجل النفوذ في المنطقة، ويمكن أن يقال الكثير عن الدور الذي تضطلع به إيران والأطراف  الفاعلة التابعة لها. بيد أن هذين التحالفين يمثلان رؤيتين مختلفتين تمامًا لمستقبل الشرق الأوسط.

سعى الربيع العربي إلى إرساء الديمقراطية في منطقة مليئة بالطغاة، وكان محور تركيا وقطر يقف إلى جانب طموحات الشعب. غير أن الرباعية العربية اعتقدت أن الثورات ستهدد عروشها وستطلق ثورات مضادة لمقاومة التغيير المحتمل للنظام. ونجم عن هذا الموقف في مصر انقلاب عسكري ضد الحكومة المنتخبة ديمقراطيا ومذبحة الآلاف من مؤيدي الديمقراطية في ميدان رابعة العدوية. لقد تم التعبير عن الثورة المضادة في المملكة العربية السعودية في حربها في اليمن، والتي أسفرت عن ما وصفته الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في عام 2018. نمت الجرأة العنيفة للحاكم الفعلي للمملكة، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، نتيجة للتقاعس الدولي عن فظائع قواته في اليمن. قبض ولي العهد على ناشطين بارزين في حقوق الإنسان، وزج في السجون الممثلين لحركة حقوق المرأة، واحتجر أفرادا من  العائلة المالكة لابتزازهم في صفقات مالية من أجل إطلاق سراحهم، ووضع علماء دين بارزين في الحجز الفردي، وقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي المؤيد للديمقراطية والإصلاح في القنصلية السعودية في إسطنبول.

وفي الوقت نفسه، دبرت الإمارات ومولت الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا عام 2016، والانقلاب الناجح في مصر، ومحاولة فاشلة أخرى للإطاحة بالحكومة في تونس. كما دفعت الإمارات كثيرا من المشاريع الاقتصادية التخريبية في الصومال في الآونة الأخيرة التي كان هدفها فقط ردع العدو وليس تطوير الاقتصاد الصومالي. لقد عرقلت الرباعية العربية عملية الدمقرطة مراراً وتكراراً، وأريق الكثير من الدماء بسبب تدخلها.

إن المعركة بين المجموعتين ببساطة هي معركة بين من يؤمنون بتوافق الديمقراطية والإسلام في أيدي الشعب، ومن يعارضون الديمقراطية في العالم العربي بأي ثمن لأنهم يخشون خسارة السلطة. وليس من قبيل المصادفة أن المعارضين السياسيين وعلماء الدين من الدول التي انتكست بالثورات المضادة وجدوا ملجأ في قطر وتركيا، بمن فيهم الشيخ يوسف القرضاوي وعمر عبد الكافي الذي يعيش في الدوحة، وعدد من مشاهير علماء  جامعة الأزهر الذين يقيمون الآن في إسطنبول. وعلاوة على ذلك، دافع المحور التركي القطري عن حركات المقاومة الفلسطينية علنًا، ناهيك عن منح ملجأ لمسؤولي حماس في عواصمه. وسرعان ما تحولت المعركة الأيديولوجية بين التحالفين إلى صراع بالوكالة من أجل السيطرة على المستقبل.

وكما لوحظ خلال العقد الماضي، فإن الانتخابات الحرة في الدول ذات الأغلبية المسلمة قد أوصلت إلى سدة الحكم الموظفين الملتزمين بالقيم الأصيلة لسكان المشرق وديمقراطية الغرب. لقد دعم التحالف التركي القطري وما يزال هذا التوجه، الأمر الذي أزعج الرباعية العربية، وكان من بين ردود أفعالها  فرض الحصار على قطر ومحاولة الانقلاب العسكري في تركيا، ولكن ذلك لم يزد التحالف التركي القطري إلا صلابة ومرونة. كانت السلع التركية هي التي ملأت رفوف المتاجر القطرية عندما أفرغها الحصار المفروض من قبل جيرانها. ومن المعقول أيضاً افتراض بأنه كان من الممكن أن يكون الجيش التركي في مقدمة الطليعة التي تدافع عن قطر من أي تدخل عسكري غاشم في الليلة التي سبقت الحصار.

على أن من المهم التفرقة بين ملكيات شبه الجزيرة العربية التي قاتلت الأحلام السياسية لشعوب المنطقة: المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، التي وقفت من أجل الديمقراطية جنبا إلى جنب مع شريكها التركي. قد يبدو هذا الطرح متناقضا، لكن قطر ترى نفسها وسيطا وحريصة على الاضطلاع بدور فاعل في منطقة تحكمها التقاليد العليا. وإذا كان كثيرون ينتقدون عائلة آل ثاني الحاكمة بسبب ما يرون أنه نوع من النفاق، فإن الواضح أن حكام قطر قد قبلوا بأن وقتهم في التحول إلى الديمقراطية سيأتي أيضاً. وإذا فعلوا خلاف ذلك، فإننا سنرى دولة قطرية خاضعة خالية من سياسة خارجية مستقلة. وبعبارة أخرى، لن يكون هناك فرق بين قطر والبحرين على سبيل المثال.

ترتبط العلاقة بين تركيا وقطر اليوم عسكريا وفكريا وأيديولوجيا. شهدت اتفاقية الدفاع المشترك في عام 2014 قيام تركيا بتأسيس أول وجود عسكري جديد لها في الشرق الأوسط في قاعدة طارق بن زياد في جنوب الدوحة، بقدرة تصل إلى 5000 جندي. ويعد هذا، من نواح كثيرة، رمزًا وتذكيرًا بالماضي العثماني، كونها أول قاعدة  تركية من نوعها في شبه الجزيرة العربية منذ تأسيس الجمهورية التركية في عام 1923. وعلاوة على ذلك، أصبحت المناورات العسكرية المشتركة بين القوات التركية والقوات القطرية أمرا معتادا.

إن اللجنة الاستراتيجية العليا التركية - القطرية التي تشرف على التعاون بين الدولتين فريدة من نوعها في الواقع، ليس فقط في المنطقة ولكن أيضًا على مستوى العالم. وهناك عدد لا بأس به من المشاريع الفكرية غير الحكومية مثل مؤسسات البحث الفكرية على المستوى الجامعي، ومنظمات المجتمع المدني التي لديها فروع أو برامج تبادل مشتركة في الدوحة وإسطنبول.

وفي الآونة الأخيرة، كان التعاون بين وسائل الإعلام في الدولتين في تغطيتهم للقتل الوحشي لجمال خاشقجي مثالاً للقوة الناعمة الناجحة في العمل. مرت قرابة شهرين على مقتله، لكن الضغوط الدولية لا تزال مستمرة على محمد بن سلمان.

إن محور تركيا- قطر هو  محور رائد، وسيشهد مستقبل المنطقة على الأرجح فائزا. وليس بالضرورة أن يكون هذا الفائز الدولة التي تنتشر نواياها الحسنة على نطاق أوسع، ولكنها الدولة التي تنجح أيديولوجيتها في في النهاية في العالم الإسلامي. في الوقت الحالي، يقف البعض في طريق طموحات الناس، بينما يشجعهم الآخرون ويساعدونهم.

عن الكاتب

عبد الرحمن عمور

صحفي أمريكي جزائري مقيم في إسطنبول


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس