ياسر عبد العزيز - ترك بوست

إسقاط الطائرتين السوريتين في اليوم الأول من عملية درع الربيع ليست الأولى منذ اندلاع المواجهات التركية مع النظام السوري، فالطائرات السورية تتساقط منذ أيام بمضادات جوية، قيل أنها محمولة على الكتف دعمت بها القوات التركية المعارضة السورية التي تقاتل إلى جانب الجيش التركي المنتشر على حدود اتفاق سوتشي، وهو الذي يراه المراقبون تغيرا نوعيا في موازين القوى بين القوات المتصارعة منذ اندلاع الثورة في سوريا، وفي المقابل بدأت المضادات الجوية للنظام تتهاوى وكذا مطاراته بفعل القصف الجوي التركي بالمسيرات تارة وبالطائرات تارة أخرى.

لطالما اشتكى الثوار من سيطرة النظام ثم الداعم الروسي على الجو، فرغم التفوق النسبي لقوات المعارضة على النظام على الأرض، إلا أن المشكلة المزمنة التي كانت ولا تزال أمام قوات المعارضة هي القصف الجوي، تفاقمت تلك الأزمة بعد دخول روسيا على الخط، وتبنيهاسياسة الأرض المحروقة والتي نجحت بشكل كبير في استعادة الكثير من المدن والمحافظات خلال السنوات الأربع الأخيرة، وإجلاء ليس فقط المقاتلين، بل حتى أهالي تلك المدن والمحافظات، لتتفاقم أزمة نزوح في الداخل إلى إدلب ولجوء في الغالب إلى تركيا.

الآن وبعد دخول المسيرات التركية على الخط في إدلب انقلبت المعادلة بشكل ملفت، وهو ما يؤكد أن المعادلة بالأساس لم تكن لترتب على النحو الذي صارت إليه إلا بعد دخول طائرات الدب الروسي على خط الأزمة، فبالعودة إلى تصريحات بشار الأسد قبل دخول الروس على الخط، نجده طالما اشتكى من ضعف قواته أمام قوات المعارضة رغم البراميل المتفجرة التي كان يضغط بقصفها على الأهالي على قوات المعارضة، ومع ذلك فإن حزب الله لم يحقق المرجو من تدخله، ولا الحرس الثوري ولا زينبيون ولا فاطميون ولا النيجيريون ولا كل شذاذ الآفاق، حتى دخلت روسيا بقاذفاتها الثقيلة، فتعادل القوى على الأقل في إدلب جعلت الثوار يستنفرون قواهم ويستعيدون ما سلب منهم في الشهر الأخير ويستمرون في ذلك بدعم الغطاء الجوي التركي.

لتبقى معضلة استمرار هذا الدعم، وإمكانية التوافق على وقفه تدور في خلد الثوار، فالكرملين التي أعلنت منذ أيام عدم صحة حديث الرئيس اردوغان عن زيارة مرتقبة له إلى موسكو لمقابلة بوتين، ترحب الآن بزيارته المرتقبة يوم الخامس من الشهر الجاري، وأوروبا التي كانت لا تحرك ساكنا وهي تنظر لعشرات المدنيين يقتلون بوحشية بقذائف الطائرات الروسية والسورية، تحركت، والأمين العام للأمم المتحدةالمسئول عن حماية أرواح البشر لم يتكلم إلا مدفوعا من ألمانيا التي تخشى موجة نزوح كبيرة، بعد فتح تركيا الباب أمام راغبي الهجرة إلى أوروبا، لتبقى كلمة السر في المسيرات والطائرات التي ملأت الأجواء فوق إدلب وتعدتها إلى الداخل السوري.

إيران وميلشياتها تصرخ الآن من بيرقدار وأخواتها الأبابيل، والنظام يعاني خسائر كبيرة جعلته يعلن غلق مجاله الجوي!

لكن هل ينفع إغلاق النظام المجال الجوي أمام المسيرات التركية؟ والإجابة بالطبع أن المسيرات التركية بالأساس تعمل من أجل تلك الظروف، وبعد الاتفاق الضمني الذي توصل إليه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مع نظيره الروسي بفتح المجال الجوي في إدلب أمام المسيرات، أصبحت بيرقدار وأخواتها تتحرك بحرية أكثر بعيدا عن صدام لا يرغب أن يقع بين كل من الروس والأتراك، وكل في ذلك مصلحة، فالأخيرة تريد وقف زحف النظام والثأر لجنودها الــ 33 وحفظ هيبتها أمام نظام متهالك محمي بطائرات روسيا، وروسيا تريد تحجيم الحليف الإيراني وميليشياته المنتشرين على الأراضي السورية والذين يمثلون إشكالية للروس الحالمين بنفوذ خالص في سوريا.

وبعيدا عن أهداف كل طرف فإن الواقع الذي لا يمكن أن ينكره النظام ولا حلفائه من الميليشيات الإيرانية أو حتى الروس، هو أن المسيرات التركية أبهرتهم كما أبهرت الغرب، كما أن الواقع الذي لا يمكن أن ينكره عاقل هو انقلاب موازين القوى في سوريا مما رفع الروح المعنوية ودفع الثوار في الجنوب للحركة أسوة بإخوانهم في الشمال، والفضل بعد الله في كل ما يجري الآن على أرض سوريا لبيرقدار وأخواتها

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس