ياسر عبد العزيز - عربي21

الحجاب هو وسيلة للمرأة المسلمة لتأكيد هويتها. في عالم غالبا ما يقدّر المظهر الجسدي على الصفات الداخلية، يوفر الحجاب وسيلة للاعتراف بالمرأة واحترامها بسبب شخصيتها بدلا من مظهرها. من خلال ارتداء الحجاب، تستطيع النساء المسلمات التركيز أكثر على إنجازاتهن الشخصية وفكرهن ومواهبهن بدلا من القلق بشأن التوقعات المجتمعية للجمال. وهذا يمكّنهن من التمتع بحرية متابعة أهدافهن وتطلعاتهن دون التعرض للاعتراض أو الحكم على أساس مظهرهن.

هذه إجابة أحد مواقع الذكاء الاصطناعي المشهورة عندما سألته عن الحجاب والحرية في الإسلام..

أحد تعريفات العولمة وأهدافها هي الترابط والاعتماد المتبادل بين الدول والمجتمعات والاقتصادات على نطاق عالمي، وتبادل الأفكار والتأثيرات الثقافية عبر الحدود، وإن كان الوقوف عند النزعة الإمبريالية الاقتصادية للعولمة ليس محل نظر في هذا المقال، لما تفرضه العولمة الاقتصادية من سلع واقتصاديات وسياسات مالية على الدول حديثة العهد بالاحتلال والتي ما زالت ترزح في التخلف بفعل مئات السنين من الاحتلال المباشر وعشرات السنين من غير المباشر، واللذين أثرا مع بعضهما بشكل لا يمكن تجاوزه، على نهوض تلك الدول الضعيفة؛ والمجبورة تحت سياسات وخطط محتليها على السير في المكان، ما قد يكشف مفهوم العولمة.

يهمنا هنا الشق الثقافي في مفهوم العولمة وهدفه، فقد عملت العولمة على نشر الأفكار والمعرفة والتأثيرات الثقافية، من خلال تبادل المعلومات عبر القارات، فلا داعي لأن يجلب نابليون مئات العلماء في المجالات المختلفة معه في حملته على مصر، فيكفي لنابليونات العصر أن يضغطوا على زر لفرض مفاهيم تعمم على القارات، ومن ثم صهر المجتمعات والحضارات في بوتقة واحدة حاضنتها بلا شك الحضارة الأقوى والثقافة الأكثر تأثيرا، سواء بالأفلام أو التكنولوجيا أو بالقبض على مصادر نقل المعلومة (الإنترنت)، والتي في النهاية تصنع إنسانا مسخا مقولبا، عديم الهوية، مشوش المبادئ، استهلاكي السلوك، وهو عين المطلوب بالنتيجة.

حديث المفاهيم مربوط بشكل وثيق بمبدأ حرية التعبير، ولقد كنا نتحدث عن ازدواجية المعايير في الغرب واختلاف تطبيق هذا المبدأ بحسب الجغرافيا، وكانت قضية فلسطين أوضح مثال على ذلك، سواء على المستوى القانوني الدبلوماسي الأممي، في التعبير عن المقاومة وخلطه بمفهوم الإرهاب مثلا، أو على المستوى الشعبي، في التعبير عن رفض الاحتلال وانتهاكاته، ومفهوم الدفاع عن النفس للمحتل كتوصيف لتلك الانتهاكات، وما كان يتبع ذلك من حجب المواقع أو إغلاق حسابات التواصل الاجتماعي، التي هي ذروة سنام مبدأ حرية التعبير، لكن الغرب تجاوز ازدواجيته وتماهى في قتل الأفكار وإخراس الأصوات، وكانت كاتي هوبكنز وأليكس جونز وأخيرا وليس آخرا دونالد ترامب؛ ضحايا لهذه الازدواجية.

إذن فإن المرحلة القادمة على العالم تخطت إسكات المخالف، إلى مرحلة الصوت الواحد، من خلال صناعة أجيال لا ترى إلا ما يرى صاحب التكنولوجيا ولا تهتدي إلا بهداه. فالذكاء الاصطناعي، وعلى الرغم من أنه طفرة معرفية عظيمة تعيشها البشرية كنتيجة لجهود عمل وعرق علماء ومتخصصين، أظنهم كما نوبل، نواياهم نبيلة، إلا أن هناك من يتربص من أجل مصلحته للقبض على عقول العالم وسلوكه من أجل مصلحته، دون النظر إلى تبعات هذه المصلحة وتلك الأدوات المستخدمة على مستقبل أجيال يمكن أن تدمر عندما تصبح كعلب الصلصة؛ نفس اللون والطعم والرائحة.

وإذا وضعنا أمام أعيننا فضائح الشركات المسؤولة عن إدارة وسائل التواصل الاجتماعي وانخراطها في نشر الإشاعات أو الأخبار المضللة، أو السماح للدول بالتجسس على شعوبها أو ترك الذباب الالكتروني في بث قاذوراتها لصالح أنظمة دكتاتورية. والأمثلة في ذلك كثيرة، ككارثة كامبريدج أناليتيكا، والصراعات في ميانمار وإثيوبيا، وحملات التضليل الحكومية في منطقتنا، وهي الحملات الأكثر شهرة وانتشارا. هذه الفضائح وهذا الاستغلال للمنصات الرقمية، يجعلنا نقف بشكل أكثر تخوفا مما هو قادم من مواقع الذكاء الاصطناعي، لا سيما وأن طلابا بعشرات الآلاف بدأوا يعتمدون عليه في كتابة أبحاثهم في زمن النسخ واللصق.

يبدو أن هذه الأمة، وأخص هذه الأمة لأنها صاحبة الحضارة والفكر والمشروع الذي توارى ويحاول النهوض في زمن تكشفت فيه عورات المشاريع الأخرى.. قد كُتب عليها أن تعيش حالة استنفار دائم؛ ليس فقط من أجل الحفاظ على هويتها وقيمها المتمثلة في حفظ الدين من التحريف والغلو، وحفظ النفس من الهلاك بالفيروسات والتجارب البيولوجية، وحفظ العقل من المخدرات سواء المادية أو الفكرية، وحفظ النسل من حملات تشويه الثقافة الجنسية والاستقامة الحسية في التنوع الذي جُبِل البشر عليه، وأخيرا وحفظ المال من النظريات الاقتصادية المتخبطة والسياسات المالية الجشعة، لبسط العدالة بين أبناء هذا الكوكب متساوين في ذلك في حقوقهم وواجباتهم بغير تفريق على أساس اللون ولا الجنس ولا العرق، ومن غير تميز للعرق الأبيض على غيره من سائر الأجناس.

لذا فإن واجب الوقت هو دفع أبنائنا للإمساك بأصول هذه الفنون القادمة لنا من المستقبل والتمكن منها، وعلى أغنيائنا أن يمولوا مشاريع تستوعب هذه الخبرات حتى لا تتسرب إلى مشاريع الآخر المعروفة أهدافه، ليكونوا عونا لنا لا علينا، في زمن اختلفت في أساليب الاستعمار وبات من واجب الوقت دفعه.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس