مصطفى واجد آغا أوغلو - خاص ترك برس

كثيرًا ما يقال أن "التاريخ يكرر نفسه"؛ وهناك خلاف حول هذا المنظور، فقِسم يؤمن به وقِسم يرى بأنه تصور غير صحيح. ولكن لو أردنا أن نفهم الموضوع من محوره الجوهري، علينا أولًا أن نعي أو نتذكر أن التاريخ لم يكن مجردًا عن الانسان، ولولا الانسان لما كان هناك شئ يطلق عليه "التاريخ" (مثلما في معظم القضايا الأخرى)، فالإنسان هو الذي يكتب التاريخ، أو بعبارة أخرى التاريخ هو محصلة الانسان. 
إذن لكي نفهم هل أن عبارة "التاريخ يكرر نفسه" صحيح أم لا؟ يجب أن نضع "طبيعة الانسان" في نظر الاعتبار، فبما أن الانسان هو المعيار؛ فطبيعته هي التي تقرر ذلك. ولطالما يحمل الانسان جوانب سلبية في طبعه فلما لا يكرر التاريخ نفسه، وخير مثال على ذلك قتل قابيل لأخيه هابيل، فمنذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا تكررت تلك الحادثة النكراء آلاف المرات لما يحمل الانسان في نفسه من الحسد والحقد والأنانية والبغضاء وغيرها من الرذائل. فهذه الطبائع هي التي تحكم بعض الناس تارة؛ فلا يستطيع الانسان أن يأخذ درسًا وعبرةً من الماضي، فحينئذ يكرر التاريخ نفسه. 

بعد هذا المدخل الوجيز أود الخوض في موضوع مقالنا، وهو مقارنة بين عهد السلطان عبدالحميد الثاني والرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان. وهل التاريخ أعاد نفسه بعد مائة عام؟

ذهبت تركيا في 14 مايو/أيار المنصرم للإنتخابات العامة (الرئاسية والبرلمانية)، وبسبب عدم حصول أي مرشح رئاسي على 50 % + 1؛ أجريت جولة ثانية للإنتخابات الرئاسية في 28 مايو/أيار، حيث فاز فيها الرئيس أردوغان مجددًا ليقود البلد لخمسة أعوام قادمة.

فترة التحضيرات للانتخابات المذكورة، والفترة التي سبقتها بقليل كانت تذكرنا بعهد السلطان عبدالحميد الثاني. والجدير بالذكر أن عبدالحميد الثاني تولى السلطنة في 31 أغسطس/آب عام 1876 واستمرت مدة حكمه ثلاثة وثلاثين عامًا. لحين تم خلعه يوم 27 أبريل/نيسان من سنة 1909 بعد أحداث معروفة تاريخيًا بواقعة 31 مارس/أذار. فلو قرأنا تلك الحقبة بدقة، ولو قارنا بين عهدي عبدالحميد وأردوغان لرأينا ما أشبه اليوم بالأمس. 

فقد كان عبدالحميد يواجه معارضة من الداخل وأعداء يتدخلون في شؤون البلاد من الخارج، من أوروبا تحديدًا. وهذا ما رأيناه في أردوغان فهو يُعارض داخليًا من جهة، ومن جهة أخرى يتصدى لمحاولات تدخل أوروبا وأمريكا بشتى الطرق والوسائل في شؤون تركيا الداخلية.

معارضي عبدالحميد الثاني كانوا من مختلف الشرائح والأقطاب والألوان، كان فيهم علماء ورجال الدين، كان فيهم مسلمين ومسيحيين ويهود، كان فيهم الأرمني والماسوني، المحب والمدافع لوطنه والخائن، كلهم اجتمعوا تحت هدف واحد وهو: التخلص من السلطان عبدالحميد الثاني. فبغضهم للسلطان كان هو القاسم المشترك والوحيد لمعارضة تلك الحقبة.

وهل الصورة مختلفة لدى معارضي أردوغان؟ فقد تجمعت ضده التيار العلماني، والمحافظ المتدين كما يعرّف نفسه، والتيار اليساري والشيوعي، وجماعات دينية إسلامية، وشرائح من مختلف الأديان، وكذلك المحب لوطنه، والخائن لوطنه من الإرهابيين وغيرهم لهدف واحد. حيث إجتمعت كل هذه النقائض تحت مظلة "التخلص من أردوغان" بشتى الطرق والوسائل، ومهما كانت النتائج والثمن. فما أشبه اليوم بالأمس.

وحتى بعض الشعارات والهتافات التي كانت تطلق ضد أردوغان في تجمعات المعارضة، كانت نفس الشعارات التي أطلقت ضد عبدالحميد الثاني. فمثلًا زعيمة الحزب الجيد مرال أق شنر (ميرال أكشنار) كانت تهتف في أغلب تجمعاتها بشعار: "يسقط الاستبداد ولتحيا الحرية". وهذا بالضبط نفس الشعار التي كانت تهتف به معارضة عبدالحميد. 

وحتى الجرائد والصحف الأوروبية كانت تصف عبدالحميد الثاني بالديكتاتور والمستبد، وكانت تصوره تارة  بكاريكاتير، وتارة بصورة مرعبة. وقد فعلوا كل ذلك مع أردوغان أيضًا وخاصة في فترة الانتخابات الأخيرة. فقد صورت بعض الصحف الأوروبية أردوغان رجلًا مرعبًا، وديكتاتورًا ظالمًا. فيبدو أن طبائع البعض في أوروبا وطريقة تعاملهم مع من يعارضونه لم تختلف، فهي اليوم لا تختلف عن تلك التي كانت تنظر لعبدالحميد.

وبالرغم من تشابه الأحداث بين عهد عبدالحميد وأردوغان، فقد شاء القدر أن تكون النتيجة مختلفة. فقدر أردوغان اختلف عن قدر عبدالحميد الثاني. وربما من أحد أسباب ذلك هو أن الشعب التركي صار اليوم أكثر وعيًا؛ واستفاد من تاريخه ومن التجارب السياسية السابقة في بلاده.

والسبب الآخر هو جرأة وصلابة أردوغان في بعض المسائل والقضايا التي تستوجب ذلك. وفي هذا السياق يقول أحد المؤرخين الأتراك: عصر أردوغان يشبه كثيرًا بعصر عبدالحميد الثاني، ولكن الفرق بينهما أن أردوغان أكثر حزمًا وشجاعةً في اتخاذ القرارات؛ قياسًا بعبدالحميد الثاني. 

وربما يكمن سبب ذلك في قلة الرجال بعهد عبدالحميد، أو كما كان يقول هو: "عصرنا، عصر قحط الرجال"، في حين يملك أردوغان كادر سياسي صادق له يستطيع قيادة البلد معهم، بالإضافة إلى جهات سياسية وطنية ومحنكة تدعمه لأجل المصالح الوطنية، وأبرزهم حزب الحركة القومية وزعيمه دولت بخجلي. فأردوغان أكثر حظًا من عبدالحميد الثاني من هذه الجهة، وشاء الله أن يكون قدرهما مختلفًا. والآن بانتظار أردوغان خمسة أعوام جديدة لقيادة تركيا في مئويتها الثانية.

عن الكاتب

مصطفى واجد آغا أوغلو

طالب دكتوراه في مدينة بورصة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس