محمد قدو الأفندي - خاص ترك برس

قراءة في كتاب الحجاز في العهد العثماني 1876- 1918 الدكتور عماد عبدالعزيز يوسف

أبرزت مذكرة استراتيجية أعدتها الدائرة السياسية في حكومة الهند البريطانية مخاطر تخوفهم من ثورة المسلمين في مصر والهند ضد الوجود البريطاني واحياء فكرة الوحدة الإسلامية مجددا ، فقد كان انتصار الدولة العثمانية احتمالا مطروحا، وكان من شأنه أن يحيي فكرة الوحدة الإسلامية عند العرب والمسلمين، مما يهدد الوجود البريطاني في المنطقة وآسيا بأكملها، ودعت المذكرة أيضا الى زعزعة استقرار الدولة العثمانية واضعافها من الداخل لأنهاء هذه المخاطر .

حدد الاصمعي ووصف الحجاز فقال أنها تبدأ من تخوم مدينة صنعاء إلى تخوم الشام، وقال أنها سميت بهذا الاسم لأنها تحجز نجدأ عن تهامة، ومن هنا فمكة هي مدينة تهامية أما المدينة المنورة فهي من المدن الحجازية، وأضاف أن الحجاز تضم المدينة المنورة وخيبر وفدك وذو المروة ودار أشجع ودار مزينة ودار جهينة وهوازن وسليم وهلال وحرة ليلى وشغب وبدا ودار بلي.

عين السلطان عبدالحميد الشريف حسين أميرا على الحجاز وكانت علاقته طيبة مع الدولة العثمانية ومع السلطان عبدالحميد ولكن عند سيطرة الاتحاديين و كانوا في نزاع وخلاف مع السلطان عبدالحميد اقام الشريف حسين علاقات معهم رغم تعيينه من قبل السلطان عبدالحميد اميرا ، وبذا فقد كشف عن شخصيته الطموحة في الحفاظ على مكاسبه الشخصية امام أعداء الدولة العثمانية ، كما أن نزاعه مع ابن سعود عام 1910  زاد من كشف كل أوراقه في اطماعه الشخصية .

بدأت الحكومة والمخابرات البريطانية في البحث عن بديل، ليحل محل الأمير العثماني في المدينة المنورة فخر الدين باشا، في المناطق االعربية التي يحكمها العثمانيون  مع ضرورة امتلاك هذا البديل لصفات وشروط محددة، تجعله يحظى بالإجماع من طرف العرب وعموم المسلمين، ليضمن البريطانيون عدم ثورة هؤلاء عليهم ..

واختير الشريف الحسين بن علي أمير مكة بديلا ، وكان يمتلك سلطة روحية كبيرة على عموم المسلمين بفضل هذا النسب.

وبدأ البريطانيون في مراسلة الشريف الحسين بن علي، عن طريق المندوب السامي البريطاني في مصر هنري مكماهون، فيما سمي تاريخيا بـ"مراسلات الحسين- مكماهون". وكان طموح الشريف الحسين بن علي ليصبح خليفة للعرب وللمسلمين، بعد الوعود التي قدمتها له الحكومة البريطانية، حينما اختارته وشجعته ليكون حاكما على المناطق العربية التي كانت تحت سلطة العثمانيين .

صدر كتاب الحجاز في العهد العثماني  1876 – 1918 بطبعتين متتاليتين  لمؤلفه الدكتور عماد عبدالعزيز يوسف الأستاذ المساعد في جامعة الموصل و يتناول في كتابه المبوب لأربعة فصول أسباب توجه العثمانيين نحو المشرق وموقع الحجاز فيه ويتناول في فصل أخر الإدارة والتعليم والتقسيمات الإدارية ثم يتناول التطورات السياسية  في فصل أخر وأخيرا الحجاز خلال سنوات الحرب العالمية الأولى في الفصل الرابع . .

في الفصل الاول الذي يتناول بصورة موسعة أسباب توجه العثمانيين للمشرق العربي وهو بأمانته العلمية يتناول أكثر من مصدر يشرح قضية تحول العثمانيين وتوجههم نحو بلاد المشرق العربي ويكاد كل الباحثين يتفقون على أن أحدى اهم الأسباب هو تهديدات أسماعيل الصفوي لبلدان الشرق العراق والجزيرة العربية ونشره مذهب شيعة الاثني عشر فيها ، كما يذكر المؤلف أستنادا الى مصادر أخرى بأن هناك سبب رئيسي أخر لتوجه السلطان سليم نحو الشرق هو خسارته بعد حصار فيينا حيث يذكر مقتبسا (أن الهزائم التي منيت بها الجيوش العثمانية  في أوربا وخاصة بعد فشل حصار فينا كسبب لتوجه السلطان سليم الى الشرق ) ونحن نعلم بأن كانت هناك حصارين للعثمانيين لفينا وهي في سنة 1528 و1532 على التوالي وأن معركة جالديران مع الفرس كانت في عام 1514 ومن ثم بدأ التوسع العثماني نحو الشرق  أي ان حصار فيينا لم تكن سببا وجيها لتوجه السلطان سليم نحو الشرق كما يذكره الدكتور محمد أنيس في كتابه الدولة العثمانية والشرق العربي والذي طبع نسخته الأولى عام 1960 ، ولكن عند قيام االبرتغاليين بالنزول في بعض موانئ البحر الأحمر يعتبر سببا حقيقيا للسلطان سليم بحماية البلدان الإسلامية  وخصوصا ان المماليك لم يستطيعوا التصدي للغزاة البرتغاليين .

ولكن مسألة توجه السلطان سليم نحو الشرق مسألة اثارت الكثير من التساؤلات لدى المؤرخين ففي تركيا يرى البعض من المؤرخين الاتراك بأن توجه السلطان لم يكن ضروريا فكان بالإمكان تقوية دولة المماليك في مصر بالجيوش لتصدي البرتغاليين وكذلك للأمارتين اللتين كانتا  في منطقةجنوب أدنة والاخرى في منطقة حلب وشمالها ، بدون سحب الجيوش من أوربا . هذا الرأي له أساسه لأن بعض المؤرخين يرون أن السلطان سليم هو سبب مباشر لقيام إسماعيل الصفوي بأتخاذ مذهب الامامية الاثني عشري في دولته ، فأسماعيل الصفوي كان اميرا لعشيرته وكان على مذهب الباكتاشية ولم يكن شيعيا في البداية  لكن منعه السلطان لخلافات سياسية من دخول الأراضي العثمانية فألتجا الى ترويج مذهب الامامية وسعى الى نشره في المناطق التي كانت خارج سيطرة العثمانيين ، وبالطبع هذا رأي القوميين الاتراك اما رأي المؤيدين للدولة العثمانية السنية فيرون عكس ذلك ويؤيدون ما قام به السلطان سليم .

ويتحدث أيضا بصورة مفصلة عن محاولات الصلح التي قام بها بعض اركان الدولة العثمانية ومنهم جمال باشا الذي كان واليا على الشام فبعد ان كشف البلاشفة الروس اتفاقية سايكس بيكو السرية والتي عقدت لتقسيم البلاد العربية بين فرنسا وبريطانيا حاول استغلال هذا الحدث بعدما أصاب زعماء الثورة العربية بالإحباط  للتقرب وعقد الصلح مع الشريف حسين عام 1917 فبعث ثلاث رسائل الى القادة الحجازيين والرسالة الأولى كانت الى الأمير فيصل والذي اصبح فيما بعد ملكا على العراق والثانية الى القائد جعفر العسكري الذي عين بمنصب وزير الدفاع في العراق ومن ثم اغتيل ، والرسالة الثالثة كانت للامير عبدالله ويذكر ان جمال باشا كان من الد أعداء الإنكليز والفرنسيين  ، والفرنسيين خصوصا حيث صفى عملاء فرنسا في المناطق التي كان يتولاها , لكن كل مساعي جمال باشا ذهبت ادراج الرياح بسبب عدم موافقة الشريف حسين لذلك بعد تشاوره مع الجنرال اللنبي ، واصدر الشريف حسين امرا لابناءه بأستلام الاوامر من ونجت او من الجنرال اللنبي حصرا وبذا فشلت محاولته الأولى مثلما فشلت المحاولة الثانية وكادت المحاولة الثالثة ان تنجح بعدما ارسل جمال باشا الصغير والذي تولى الإدارة بعد جمال باشا ارسل الأمير محمد سعيد الجزائري للتفاوضل مع الأمير فيصل وتم الاتفاق النهائي بين الطرفين العثماني والعربي وبمباركة السلطان العثماني لكن بعض الأطراف منعت من تنفيذ الاتفاق ومنهم أنور باشا ناظر الحربية وطلعت باشا وربما جهة مقابلة ارادت عدم امرار هذه الاتفاقية .

ويتحدث الكتاب في الفصل الثالث عن التطورات السياسية في الحجاز في تلك الفترة ويتناول الاشراف في عهد السلطان عبدالحميد ويتناول الفصل في احدى ابوابه عن   خط سكة حديد الحجاز الذي تمّ افتتاحه عام 1908م بطول 1464 كم في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ، واستغرق إنشاؤه 8 سنوات وبكلفة تزيد عن 3 ملايين ليرة عثمانية ، يبتدئ الخط سيره من مدينة "مزيريب" حتى المدينة المنورة وتسبقها 6 محطات بمدن الشام ، و يتناول  في هذا الفصل علاقة الشريف حسين مع السلطة العثمانية بصورة وافية  .
والفصل الرابع يتناول قيام الحرب الكونية الأولى ومساعي الشريف حسين في تحذير الدولة العثمانية من دخول الحرب أو من دخولها الى جانب المانيا الحرب ويتحدث أيضا عن علاقة الشريف حسين بالبريطانيين وبداية العلاقات والرسائل المتبادلة ، ثم خديعة البريطانيين للعرب و اتفاقية  سايكس بيكو  ويتناول أخيرا نتائج الثورة العربية .

وأنا اذ اذكر بعض مقتطفات الكتاب الموسوعي الشامل الذي يحوي بصورة مفصلة احداث تلك الفترة أرى أن الكتاب أضافة الى  كونه عبارة عن دراسة ومدخل لأحوال الحجاز أبان الدولة العثمانية  فأنه يفتح الباب على مصراعيه للتوسع في احداثها بما تشمل الوضع الاقتصادي والسياسي للولايات العربية التي كانت تمثل جزء من الدولة العثمانية كما تمس الشخصيات العربية والتركية وأفاق مساعيها ودورها في تلك الاحداث ، وبالامكان قراءة الخلاف بين الاتحاديين أمراء الحرب مع السلطان عبدالحميد وكذلك العداء الناشئ بين جمال باشا والفرنسيين .

وأخيرا فأن المؤلف حاول بكل جهده تصنيف مؤلفه بالحيادية التامة رغم تضارب اراء الجهتين العربية والعثمانية ومن بعدهم التركية وكذلك بين المصادر التركية نفسها حيث انقسم العالم التركي من بعد تأسيس الدولة التركية بين القوميين وأنصار الدولة العثمانية والقريبين من العرب ولحد الان لم تنتهي الجدالات حول الاتحاديين وطريقة تعاملهم مع السلطان عبدالحميد . .

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس