بلال داود - خاص ترك برس

في القرن التاسع عشر أيضا بدأت الحركة الصهيونية بالظهور و التأثير و الدعوة لإقامة وطن خاص باليهود في أرض الميعاد كما يزعمون ، و كان التوجه إلى( فلسطين) . 

و تقاطعت مصالح الغرب في تقطيع أوصال الامبراطورية العثمانية، مع مصالح الصهيونية العالمية( الثرية جدا) الساعية لإيجاد أرض الميعاد ، فمن مصالح قيام دولة قومية لليهود أن يكون حولها دول صغيرة غارقة دائما في الفقر و التخلف و المرض و التشرذم و الديكتاتورية ، و هذه السمات العامة للمنطقة هي أيضا مطلب أوروبي غربي أصلا لتفتيت أي دولة إسلامية محتمل قيامها بعد القضاء على الدولة العثمانية . 

و من الصعب أن يستطيع أحد الجزم بأن الصهيونية هي المسيطرة على الغرب و تحدد له مساره و سياسته، أم أن إسرائيل  هي صنيعة غربية أوجدها لخدمة مصالحه، بحيث يكون حول دولة إسرائيل المستقبلية عدد كبير من الدول الصغيرة ، حفاظا عليها من الاقتلاع لو كان جيرانها اقوياء في دولة او دولتين كبيرتين.
 و قد سبق وعد بلفور عام ١٩١٧ ، امور عديدة فقد حصل اليهود على وعود كثيرة بهذا الخصوص و بادر الدوق روتشيلد بشراء مجموعة كبيرة من الأراضي ( حوالي ٩٠ قطعة ) في بدايات الانتداب البريطاني على فلسطين ، و بدأ التصميم عليها لتكون بدايات المستوطنات للمهاجرين اليهود الى فلسطين .
 
تم تطبيق مخططات سايكس-بيكو عمليا مع بداية الانتداب الفرنسي و البريطاني على الأراضي التي رسما حدودها و أسماءها خفية قبل الثورة العربية الكبرى ، و بعد ربع قرن تقريبا من الاحتلال العسكري الذي اودى ببقايا القوة التي كانت في العهد العثماني الى قريب الصفر ، قررت دول الاحتلال ان تغادر المنطقة و تترك حراسا نيابة عنها، على ما كانت تحتله من نفس البلدان ، و قسمت العالم العربي إلى جمهوريات وممالك وإمارات ، فما من منطقة ذات حضارة عريقة إلا و وضعوا عليها حارسا عسكريا جمهوري الاسم ديكتاتوري التصرف ، أما بلاد الثروة فقد منحت للقبائل النافذة اصلا مع وعد بحمايتها .

سايكس-بيكو كما نعرفها كان لها مرحلة ثانية في تقسيم المقسم ، تمت المحاولة الأولى لتنفيذ المرحلة الثانية منها بتقسيم  سوريا أثناء الانتداب الفرنسي إلى مجموعة دويلات ، هي دويلة دمشق ودويلة حلب ودويلة العلويين ودويلة اسكندرون ودويلة الدروز و دويلة لبنان الكبير ، و استمر هذا  التقسيم قرابة ستة عشر عاما قبل أن يعاد توحيد دويلات دمشق و حلب و العلويين و الدروز تحت اسم الجمهورية السورية و ترك لبنان منفصلا عن سوريا و أُلحق لواء اسكندرون بدولة تركيا الجديدة من خلال استفتاء صوري ، و ولدت دولة اسرائيل في نهاية المرحلة الاستعمارية هذه وتحديدا عام ١٩٤٨ ، و لكن الحقيقة أن هذا التقسيم إلى مجموعة دويلات بقي حلما بالنسبة لاسرائيل و لا تعترض عليه الدول الاوروبية من حيث المبدأ ، … 

بعد حرب الخليج الثانية ظهرت أكثر من خريطة جغرافية جديدة للمنطقة تحت اسم مخطط الشرق الاوسط الجديد و يحتوي عددا من الدويلات أكثر مما هو حاليا ، و فيه تقسيمات عرقية و دينية و طائفية ، و كنا قبل ذلك قد عاصرنا نحن انقسام السودان الى دولتين رسميا و حاليا يجري العمل على تقسيمات جديدة بأيدي السودانيين انفسهم و ليس بأيدي الاعداء . 

سوريا في وضعها الراهن اقرب للتقسيم الى بضع دويلات منها ماهو تحت سيطرة قسد و منها تحت سيطرة تركيا و منها تحت سيطرة الأسد و الحبل على الجرار، والعراق أشبه ما يكون بمحمية ايرانية مقسمة ألى قسم كردي وقسم عربي مسلم و الباقي شيعي خليط بين العربية و الفارسية .
 
العالم العربي في إفريقيا أو في المغرب العربي ليس أفضل حالا بكثير ، و لكن يمكننا القول أن العمل على إعادة تقسيمه أبطأ من العمل على التقسيم في المنطقة الأسيوية من العالم العربي ، وهذا يخضع للأولويات بحسب القرب والبعد من منطقة التأثر و التأثير، فقضية المغرب والصحراء الغربية، تتراقص كبندول الساعة من حين إلى أخر ، حسب الطلبات من الحكومة المغربية، بينما سبتة ومليلية أصبحتا مدينتين إسبانيتين تماما، ولم يعد أحد من العربان يطالب بهما، العمل في الجزائر ذو نفس طويل فهذا الشعب الذي ضحى بمليون من أبنائه مازال حيا لم يمت ، و الامور تحتاج إلى مزيد من الزمن مع الصبر، بالاضافة ‘إلى الصبر فالعمل جار بهدوء على إقناع القبائل هناك أنهم أمازيغ وليسواعربا،أما ليبيا فهي على الطاولة تحت مبضع الجراح، إلى شرق و غرب . 

الغرب المسيحي الأوروبي و الأمريكي  وريث روما ، لن يتوقف يوما عن الحلم باستعادة بيزنطة و أنطاكية و دمشق و الاسكندرية و استعباد الغساسنة …. و لن تتوقف الملالي عن التفكير بإعادة أمجاد النار المقدسة و تركيع المناذرة،و  مناوشة روما بين حين و آخر، كما أن إسرائيل مازالت تعمل على تحقيق أحلامها ببناء اسرائيل العظمى من الفرات إلى النيل .

 فهل نفكر نحن بدورنا يوما بإعادة بناء حضارتنا، و نفهم أن القاعدة المضادة ل ( فرق تسد ) هي ( اتحدوا تفلحوا ) ؟؟ ،  فنعيد بناء حضارتنا التي تضمن لنا الاستقلال التام عن روما و فارس فلا يبقى لهما علينا سلطانا ؟؟  هل تعي الشعوب المتشرذمة حاليا أنها شعب واحد بالأصل، و عليها أن تفكر بعبقرية خاصة للعودة إلى تلك الأمة الواحدة؟؟ ، هل يكون الربيع العربي المتعثر مقدمة لهذا الوعي ؟؟؟ تساؤلات كثيرة تبحث عن إجابة.

عن الكاتب

بلال داود

كاتب و معارض سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس