ترك برس

قال مركز "ستراتفور" الاستخباراتي الأمريكي، إنه ينبغي على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن يعي الآن أن تركيا على استعداد للعمل، أكثر من أي وقت مضى، مع الولايات المتحدة ومنافسيها في أوروبا الشرقية والوسطى من أجل تحقيق التوازن في مقابل عدائية موسكو، مشيرًا إلى أنه "ربما تكون أنقرة قد تم تثبيطها لبعض الوقت، ولكن ليس هناك من ينكر ذلك الآن: يبدو أن الوقت قد حان بالنسبة لتركيا".

جاء ذلك في مقال للمركز بعنوان، حان الوقت بالنسبة لتركيا، وترجمته صحيفة، ساسة بوست إلى العربية، قيّم من خلاله التوتر التركي الروسي الذي بدأ على خلفية إسقاط تركيا مقاتلة روسية انتهكت مجالها الجوي نهاية الشهر الماضي، عند الحدود مع سوريا.

ووصف المركز أداء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأنه كان "دراميًّا بعض الشيء"، مضيفًا "فإن هناك حقيقة جيوسياسية صعبة وراء صدمته واستيائه تجاه تركيا"، وأن "روسيا تعرف أهمية الحفاظ على تركيا كصديق عندما تكون في مواجهة القوى الأكبر في الغرب، وذلك لأن تركيا تملك مفاتيح مضيقي البوسفور والدردنيل، وهما الطريق الوحيد الذي يمكن من خلاله أن تصل السفن الحربية والتجارية الروسية إلى البحر المتوسط من الموانئ الدافئة لروسيا على البحر الأسود، إضافة إلى أن جميع الحسابات الخاصة ببوتين والمتعلقة بالتعامل مع الولايات المتحدة تصطدم بحقيقة غير مريحة مفادها أن موسكو لا يمكنها أن ترتكن إلى حياد تركيا في واحدة من أكثر المناطق استراتيجية على الخريطة".

وأشار المركز، أن المنافسة الروسية التركية عادت من جديد، ليس لأن كلا الطرفين أو أحدهما قد أراد ذلك، ولكن لأن الجغرافيا السياسية قد أجبرت كل منهما عليه، وأن "بوتين وأردوغان هما ورثة لاثنتين من الإمبراطوريات التاريخية، واللتين خاضتا معا عدة حروب ما بين القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر، ومع الطفرة التي تشهدها البلدان، فقد وجدا نفسيهما رأسا برأس مرة أخرى"، مبينًا أن "أول علامة على ذلك، جاءت خلال شهر آب/ أغسطس من العام 2008، عندما غزت روسيا جورجيا، حيث نبه ذلك تركيا إلى أن موسكو جاهزة ولديها الإرادة لاستخدام قوتها العسكرية لإعادة تشكيل موانع أمنية في فلك الاتحاد السوفيتي السابق لمواجهة الزحف الغربي، في ذلك التوقيت، لم تكن روسيا سعيدة وهي ترى سماح تركيا للسفن الحربية الأمريكية بالمرور عبر البحر الأسود من أجل إيصال المساعدات إلى الموانئ الجورجية، عبرت موسكو عن استيائها عبر إيقاف الآلاف من الشاحنات التركية على الحدود الروسية، ولكن كلا الجانبين قد تزحزح قليلا من أجل تجنب حدوث صدع أكبر".

واعتبر المركز أن الغزو الروسي للقرم في عام 2014 كان هو "اللكمة التالية التي وجهتها روسيا إلى قلب تركيا، حيث يقطن 300 ألف من التتار الناطقين بالتركية في شبه جزيرة القرم منذ العصر العثماني، ينبع الدفاع التركي السريع عن التتار في القرم في أعقاب الجزء الروسي من أكثر من مجرد الاهتمام بالقرابة العرقية: فهمت تركيا أن ميزان القوى في البحر الأسود قد يشهد تحولات. استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم يعني أن موسكو لم تعد قانعة بالتعامل عبر الترتيبات الإيجارية الهشة مع الحكومة الزئبقية في كييف. (يقع مقر الأسطول الروسي على البحر الأسود في ميناء سيفاستبول في شبه جزيرة القرم التي كانت خاضعة لأوكرانيا حتى عام 2014)، روسيا تتمتع الآن بحرية لتعزيز أسطولها على البحر الأسود والمصمم بشكل كبير لمواجهة القوة البحرية التركية".

وأردف قائلًا: "جاء اندفاع روسيا إلى سوريا في عام 2015 ليمثل تجاوزا للخطوط الحمراء بالنسبة إلى تركيا، في هذا الفصل من التوسع التركي، فإن حزب العدالة والتنمية الإسلامي يضع باحته الخلفية في الشرق الأوسط المتقلب على رأس سلم أولوياته، ينصب التركيز التركي على شمال سوريا وشمال العراق، وهو حزام المحافظات العثمانية التي تمتد بشكل طبيعي شرقا من محافظة هاتاي التركية، المشاركة الروسية في سوريا من أجل الدفاع عن الحكومة العلوية تعمل مباراة ضد أهداف تركيا بتوسيع وجودها العسكري في حلب والحفاظ على قدرتها على تحجيم النشاط الانفصالي الكردي، وفي نهاية المطاف استبدال الرئيس السوري بشار الأسد، لصالح حكومة سنية صديقة للمصالح التركية".

ولفت إلى أن سياسة (صفر مشاكل مع الجيران) التي اتبعتها أنقرة، "كانت سياسة متوقعة من بلد لا يزال يصحو من سبات جيوسياسي طويل وليس في مزاج مناسب لخلق تقلبات في المنطقة، ولكن كل الدلائل كانت واضحة هناك: كانت هناك التحركات العدوانية الروسية في الخارج، وكان الاتحاد الأوروبي يظهر بوادر الانهيار، كما كانت الحرب الأهلية الروسية قد بدأت للتو".

في سياق متصل، قال الكاتب زيرفان البرواري، المتخصص في الشؤون التركية، إن التسابق على القوة والنفوذ في الشرق الأوسط بين الدول العظمى والإقليمية بات المشهد الذي لا يحتاج إلى المختصين لتحليلها أو معرفتها، وتركيا تدري تلك التطورات، وأنها في صدد تشكيل تحالف إقليمي مع دول الخليج في الشرق الأوسط من خلال التنسيق مع الناتو، وكذلك صناعة الضغط في البلقان وأوربا الشرقية على المشاريع والطموحات الروسية"، لافتًا أن التصعيد الروسي لم يصل إلى المستوى الذي يعتبر الخطا الأحمر بالنسبة للمصالح التركية، وأن الاصطدام المباشر بين الدولتين حالة غير متوقعة؛ وذلك لعدة أسباب تتعلق بعضها بالخصائص الذاتية للدولتين وأخرى تتعلق بالعوامل الموضوعية في البيئة الإقليمية والدولية.

 

وأشار البرواري إلى أن الحرب الباردة بين تركيا وروسيا بدأت منذ وقت لا تقل عن نصف عقد من الزمن، وأن حادثة اسقاط الطيارة الروسية حولت هذا الحرب إلى العلن، إلا أن الحرب الباردة قد اتسعت لتشمل روسيا وأكثر من طرف ضمن الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة، وأن الجنون الروسي في سوريا والجرائم ضد المدنيين السوريين سوف تدفع الأطراف المعادية لروسيا إلى دعم مباشر لاي جهد تركي غير مباشر ضد روسيا، وأن "الأيام القادمة تحمل للقادة الروس مفاجئات ووقائع قد تزيد من حالة الانهيار الاقتصادي لموسكو وتقلل من هيبتها في المحيط الدولي".

وتابع قائلًا: "تركيا لم تعد الدولة التي كانت تسمى في اروقة الدبلوماسية الدولية "دولة الجناح" أو الجسر الذي يربط الشرق بالغرب، بل وكما قال أوغلو إن تركيا لها أكثر من صفة وهي دولة أوربية، بلقانية، قوقازية، شرق أوسطية بالإضافة إلى تاثيرها المباشر على البحر الأبيض المتوسط، وأن القرن الحالي حسب القادة الجدد هي قرن تركي، وأن تركيا تحاول جاهدة أن تحل الموقع التي تتناسب مع ثقلها التي تتجلى من تاريخها، نظامها الديمقراطي، وقوتها العسكري، وكثافة سكانها، فكل تلك العوامل تبعث الأمل لأنقره لتكون قوة إقليمية عظمى تساهم في رسم الخريطة السياسية للمنطقة في المستقبل، وأن تجاهل الدور التركي في الوقت الراهن تعبر قراءة خاظئة للمشهد السياسي والتطورات الأمنية في المنطقة".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!