محمود عثمان - خاص ترك برس

بعد المصالحة مع الروس، بدأت تركيا بانتهاج سياسة ديناميكية نشطة فعالة مبادرة تجاه ما يجري على حدودها الجنوبية في سورية والعراق . ولا يفتأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يردد عبارة : " سنكون موجودين في الساحة، وسنكون حاضرين على الطاولة ". بالتوازي مع هذه السياسة الديناميكية هناك تحركات عسكرية نشطة أيضاً باتجاه الحدود مع البلدين الجارين .

الجيش التركي بدأ عملية درع الفرات التي تتقدم بشكل بطيء لكن بخطى ثابتة، من خلال استراتيجية واضحة، تقوم على ملء الفراغ الأمني وتقديم الخدمات الإدارية في المناطق المحررة على نحو يعزز ثقة المهجرين السوريين ويدفعهم للعودة إلى مساكنهم وأراضيهم. وفي العراق بدأت وتيرة الاحتجاج على التدخل التركي مع اقتراب عملية تحرير الموصل من تنظيم داعش. إذ تهدف إيران من خلال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى إبعاد تركيا عن معركة الموصل المصيرية، من أجل إبعادها عن طاولة تقاسم النفوذ هناك. يرد الطرف التركي على تهديدات العبادي بأن الحكومة المركزية في كل من سورية والعراق قد انهارت, وما حكومة بشار الأسد في دمشق, وحكومة حيدر العبادي في بغداد سوى فصيلين من الفصائل المتنازعة على السلطة في هذين البلدين, وبالتالي الحديث عن سلطة شرعية في كليهما ليس له سند على أرض الواقع. مقابل ذلك تعزو تركيا تدخلها السياسي والعسكري إلى مسوغات تتطابق مع ما تسوقه القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الصراع في كل من سورية والعراق.

مسوغات التدخل العسكري التركي :

التصدي للإرهاب خارج الحدود التركية 

تتعرض تركيا لهجمات إرهابية من تنظيم داعش الإرهابي, وتنظيم حزب العمال الكردستاني الانفصالي بفروعه وفصائله المختلفة. وتشكل كل من سورية والعراق مصدر الخطر الإرهابي, والوجهة التي يأتي منها الإرهابيون , وبالتالي ترى تركيا أن من حقها الطبيعي أن تقوم بعمليات وقائية تضمن سلامة حدودها, وأمن مواطنيها في الداخل. أسهمت العمليات الانتحارية الإرهابية التي نفذها تنظيم داعش, وحوادث التفجير والمفخخات عن بعد التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني في ضرب الموسم السياحي لهذا العام, حيث يعيش قطاع السياحة في تركيا حالة ركود لم يشهدها منذ سنوات.

العملية الانقلابية الفاشلة شكلت حافزا للمنظمات الإرهابية, ومن يقف وراءها من القوى العالمية والاقليمية , في استهداف تركيا والنيل من أمنها وإضعاف اقتصادها, لكي تتراجع عن تأدية دورها الإقليمي, كما أسهمت الحملات ضد تركيا في البلدان الأوربية في تفاقم الوضع أكثر فأكثر, فلا يكاد أن يمرَّ شهر من دون أن تصدر تصريحات عن مؤسسات حكومية وأوروبية تحذر رعاياها من السفر إلى تركيا !.

منع قيام حرب طائفية في الموصل

لا تخفي المليشيات الطائفية المدعومة من طرف إيران, والتي أعطتها حكومة حيدر العبادي صفة رسمية , فارتكبت المجازر الفظيعة بحق المواطنين في المناطق التي حُرّرت من تنظيم داعش. لا تخفي مليشيات الحشد الشعبي نيتها بالانتقام من سكان الموصل , فقد جاء على لسان زعيمها قيس الخزعلي بأنهم سينتقمون من سكان نينوى لأنهم أحفاد قتلة الحسين !.

الرئيس التركي أردوغان قال بعبارات واضحة وصريحة: " لن نبقى متفرجين على قيام حرب طائفية في الموصل ". في رسالة تحذيرية واضحة لإيران بأن سيناريو تصفية السنة والتغيير الديمغرافي الذي تم في بغداد لن يتكرر في الموصل.

التزامات تركيا التاريخية 

قبل أقل من مئة عام كانت سورية والعراق تحت حكم الدولة العثمانية, وباعتبار الجمهورية التركية وريثة للدولة العثمانية, فهذا يلقي عليها مسؤوليات تاريخية, وخصوصا تجاه الأقليات العرقية التي تربطها بتركيا صلات القربى, كالتركمان والأكراد والعرب, حيث هناك عشائر بل عائلات قسمتهم حدود معاهدة سايكس بيكو ,بين عشية وضحاها, فأصبح جزء منهم داخل تركيا, وجزء داخل سورية وقسم داخل العراق .

مع بدء عملية تحرير الموصل أعلن الحشد الشعبي عزمه على التحرك باتجاه مدينة تلعفر التي تقطنها غالبية من التركمان السنة. فأبدت تركيا اعتراضها, ولا يزال المسؤولون الأتراك يعتبرون تقدم قوات الحشد الشعبي باتجاه تلعفر, بداية لحرب عرقية طائفية لن تسمح تركيا بحصولها. البارحة أغلقت السلطات التركية تلفزيون " قدس تي في " الممول إيرانياً, لأنه كان يقوم بالدعاية للحشد الشعبي الشيعي.

تركيا اليوم ليست تركيا الأمس المنغلقة المنكفئة على نفسها , تركيا اليوم تؤمن أن أمنها الاستراتيجي لا يمكن حمايته إلا من خلال المشاركة الفعالة في عملية إعادة رسم خريطة المنطقة من جديد. باتباع سياسة ردع الخصوم خارج الحدود. لدى تركيا معلومات وبراهين , فيما لو نجحت المحاولة الانقلابية , لكنا اليوم نتحدث عن مناطق "حكم ذاتي" بإدارة حزب العمال الكردستاني , شبيهة بتلك التي صنعها في شمال سورية. 

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس