د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس

قمة إسطنبول ستختلف عن سابقاتها من القمم...

جملة كررها كثيرون قبيل انعقاد القمة وأثناءها، وانطباع عاشه كثيرون لما سبق القمة من زيارات وارهاصات، وحلم  تطلع له المظلومين والمعذبين والتائهين، وربما تنبؤ لبعض المحلليين والمتابعين لما يجري بمنطقتنا من أوضاع ومؤامرات، أجبرت وتجبر قادة المنطقة لاتخاذ قرارات قد تكون مُرة ومؤلمة، لكنها حاسمة وحازمة بعد أن فقدوا الخيارات والبدائل الأخرى.

فهل كانت هذه القمة فعلاَ على هذا المستوى والتوقع والطموح؟

وهل ستلبى تطلعات الشعوب المسلمة وتحقق الآمال المعلقة عليها؟

تحديات كثيرة وعوائق كبيرة تعترض أي محاولة للنهوض وإصلاح لهذه المنظمة التي أصابها كثير من الترهل وعصفت بها كثير من الخلافات وأصبحت شبيهة بمثيلاتها من الجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة التي عجزت عن تنفيذ قرارتها التي اتخذتها بالإجماع بما يتعلق بالمحنة السورية حديثاَ وبالقضية الفلسطينية قديمًا.

تحديات ذكرها رئيس الدورة الجديد رجب طيب أردوغان في كلمته الافتتاحية وعلى رأسها الحروب الطائفية والمذهبية والعرقية التي تطحن الشعوب الإسلامية، والإرهاب الذي أُريد له أن يفتك فقط بالدول الإسلامية، بالإضافة إلى الفقر والجهل والتخلف والهجرة واللجوء.

تراجع الثورات فيما سمي بالربيع العربي، والثورات المضادة في بعضها واستمرار الحرب المدمرة، ونزيف الدم المسلم في كل من سورية واليمن وليبيا والعراق في ظل تواطؤ دولي وعجز أممي من أكبر التحديات التي تقف أمام هذه القمة التي تمثل ربع سكان العالم وتمتلك الكثير من القوى البشرية والثروات الاقتصادية والطاقة لكن شعوبها تعاني ويلات وأزمات ومحن كثيرة وكبيرة.

الحرية المنقوصة والعدالة المجروحة والفساد الإداري والمالي وسوء العلاقة بين الحاكم والمحكوم في غالبية دول منظومة التعاون الإسلامي، برأيي هي السبب الرئيسي وراء كل هذه المشاكل التي تعيشها هذه الشعوب المقهورة، وبدون حلها بشكل صحيح، ستكون الوصفة مجرد معالجة للأعراض وليس سبب العلة الأساسي.

رغم كل المحاولات السعودية، واستباق القمة بزيارة على أعلى المستويات من قبل القيادة السعودية لكل من مصر وتركيا، ورغم توقيع كل المعاهدات الاقتصادية بمليارات الدولارات ومجلس التعاون الاستشاري المشترك، كل هذه المحاولات لم تستطع كسر الجليد وردم الفجوة بين أنقرة والقاهرة، وكل ما استطاعت هذه الجهود فعله هو تأجيل الخلاف وتحاشي التصادم أثناء المؤتمر والتجاهل الايجابي لكل من الطرفين للآخر، وهذا تحدي آخر لمستقبل عمل منظمة التعاون الاسلامي في المستقبل القريب.

الخلاف السعودي الايراني لا يزال في مكانه، فلم تكن هناك مصالحة ولا لقاء بين الطرفين رغم الجهود التركية ومحاولة تقريب وجهات النظر.

إصرار السعودية على توجيه انتقادات لإيران بشكل واضح من خلال البيان الختامي، وعدم حضور الرئيس الايراني للجلسة الختامية احتجاجا على هذه الانتقادات، أكبر دليل على أن الجواب سيكون على أرض الواقع في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان، وهذا يعني مزيداً من الدماء والدمار والقتل والتشريد.

لكن القمة تميزت هذه المرة بملامح واشارات تجعلها تختلف عن مثيلاتها وتدعو للتفاؤل والأمل بتغيير مسيرة وأداء هذه المنظومة.

من أهمها:

* القيادة التركية للمرحلة القادمة وترأس رجب طيب أردوغان لها بشكل شخصي وما عرف عنه من متابعة واصرار لكل القرارات التي تتخذ وتحويل هذه الأقوال إلى أفعال.

* لأول مرة هناك مقترحات عملية مهنية قابلة للتطبيق وليس مجرد كلام عاطفي وشعبوي، المطالبة بهيئة لمكافحة الإرهاب، وعقد مؤتمر للمرأة، وتشكيل هلال أحمر إسلامي موحد، ونظام تحكيم خاص للعالم الإسلامي.

* المطالب القديمة الجديدة التي طالما كررها رئيس الدورة الحالية أردوغان بتغيير مجلس الأمن الدولي ومنظومة الأمم المتحدة لإنصاف العالم الاسلامي فلم يعد مقبولًا أن يكون مصير العالم بيد خمس دول دائمة العضوية وتمتلك حق الفيتو.

* تغير السياسة السعودية في الفترة الأخيرة من الطبخ على نار هادئة إلى سياسة العواصف وامتلاك زمام المبادرة والحزم والتحرك حسب ما تمليه المصلحة الوطنية واتخاذ قرارات شجاعة في اليمن وسوريا.

* التقارب السعودي التركي وتشكيل مجالس التعاون الاستشاري المشترك، وتطابق كثير من المواقف تجاه مايحدث في المنطقة من مشاكل ومخططات ومؤامرات، فقد كانت قمة بنكهة سعودية تركية بكل ما تعني الكلمة.

كل هذه الملامح تدعو للتفاؤل بعض الشيء في منطقة غلبت عليها النزاعات والخلافات المذهبية والطائفية والعرقية.

أمران آخران يهددان هذا التفاؤل لا بد من الاشارة لهما:

الأول هوالتنافس الخفي على القيادة بين تركيا والسعودية أو على الأقل لنقل بين أصحاب الأقلام والكتاب في كل من البلدين الذي يريد كل طرف التركيز عل أحقية كل منهما لقيادة المرحلة القادمة. وما هيئة مكافحة الإرهاب والتحالف الاسلامي لمكافحة الإرهاب ببعيد عن هذه الظاهرة.

الثاني هو تعرض كل من تركيا والسعودية من انتقادات أمريكية في هذه الفترة الحرجة ومحاولات لمنعهما من قيادتهما للمنطقة وتأثيرهما على القوى المؤثرة على أرض المعركة،وخاصة في سورية. تصريحات أوباما بالفترة الأخيرة عن دور السعودية وشخصية رجب طيب أردوغان والتناغم الروسي الأمريكي ودعم أمريكا لقوات حماية الشعب الكردية رغما عن تركيا أكبر دليل على رغبة الدول البعيدة بمضايقة وإزعاج دول المنطقة لمنعها من أمتلاك زمام المبادرة والحل.

ضمن هذه الايجابيات والسلبيات والصعوبات والتحديات تأمل الشعوب أن ترى بصيص الأمل من بين الدماء والدمار.

فهل تتحول هذه القمة إلى أفعال بدل الأقوال؟

وهل ستسطيع القيادة التركية إثبات جدارتها في القدرة على الإنجاز والتغيير رغم كل ما يحيط بها من عوائق وصعوبات في الطريق...؟

هذا تحدي قبلته هذه القيادة ووعدت أن يكون التغيير في الأشهر القريبة.

وهذا ما ننتظره ونأمله.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس