عبد الغني الأحمد - خاص ترك برس

لا يزال أرشيف انضمام تركيا إلى دول أوروبا مفتوحًا منذ سقوط الدولة العثمانية، وقد عبرت أغلب الحكومات التي توالت على تركيا عن رغبتها بالانضمام للاتحاد الأوروبي بعد تأسيسه، وتعد  حكومة حزب العدالة والتنمية أكثر من عَمِل لضم تركيا إلى دول الاتحاد، وتقف في وجه تلك الحكومات حواجز ومعوقات وضعها الاتحاد الأوروبي كحجج للحيلولة دون انضواء تركيا تحت راية الاتحاد.

وعلى الرغم من المحاولات العديدة التي قامت بها تركيا لتحقيق التقارب مع أوروبا (كإلباس الدولة العباءة العلمانية وسن القوانين التي تتناسب مع دول الاتحاد)، فإن الغرب يقف مراوغًا تارةً ورافضًا جملة وتفصيلا لدخول تركيا تارةً أخرى، فهو لا يريد أن يخسر تركيا كشريك مهم وحليف استراتيجي ذو ثقل مهم في العالم.

وإن الباحث المدقق يجد أن القضية تنحدر من أسباب تاريخية وديموغرافية ودينية وأخرى اقتصادية وغيرها من الأسباب.

وبالنسبة للأسباب التاريخية فيبدو واضحاً للعيان بأن الأوروبيين لازالوا حاقدين على الأتراك بحجة أنهم أحفاد العثمانيين الذي صالوا وجالوا في دول أوروبا وكانت لهم الكلمة الفصل في أوروبا على مدى عقود عديدة.

وأما العنصر الديموغرافي فيشكل هاجسًا كبيرًا للشعوب الأوروبية، فالشعب التركي المتمثل بـ80 مليون نسمة  سيعطي تركيا ثقلًا كبيرًا بين دول الاتحاد، وقد يؤدي هذا العدد الضخم إلى تغلغل الأتراك بين المجتمعات الأوروبية نتيجة النقص البشري الذي تعانيه أغلب الدول الأوروبية.

وعلى الرغم من علمانية الدولة فإن للهوية الإسلامية دور كبير، إذ تُعد غالبية الشعب التركي من المسلمين، وهذا ما قد يحدث تغييرا في الهوية الرأسمالية لأوروبا مما يشكل تأثيرًا واضحًا على الحضارة الأوروبية.

والأسباب الاقتصادية كثيرة  إذ إنه من الصحيح أن تركيا لا تملك مصانع ضخمة وصناعات ثقيلة كالدول الأوروبية الكبيرة إلا أنّها حتما ستكون في حال انضمامها إلى أوروبا قوة اقتصادية ذات ثقل، إذ ستغزو الصناعات التركية خاصة فيما يتعلق بالملبوسات والمشروبات والمأكولات والألعاب والصناعات الخفيفة الرائجة أوروبا، كما تغزوا المنتجات الصينية العالم وهذا ما لا تتمناه أوروبا التي ترغب في أن تكون تركيا "سوقا لها و ليس مصنعا لسوقها".

جغرافيًا لا تريد أوروبا أن تجاور بحدودها دول الشرق الأوسط المضطربة وغير المستقرة  كالعراق وسوريا، وبانضمام تركيا لها ستكون على مشارف المشرق العربي، وقد يهدد ذلك أمنها.

وأبرز ما تخشاه أوروبا هو تزعم تركيا للعالم الأوروبي، وهذا أمر متوقع إذ ستصبح تركيا في حال انضمامها من أولى الدول من حيث السكان إلى جانب ألمانيا، وستكسب ما يقارب المئة مقعد في البرلمان الأوروبي مما سيجعلها ذات قرار نافذ داخل الاتحاد.

ومع كل هذه المعطيات  فإن الاتحاد الأوروبي حتى وإن منع تركيا من الانضمام فإنه لن يعلن ذلك بطريقة مباشرة لأن إعلانًا كهذا من شأنه أن يؤدي إلى مضاعفات سلبية خطيرة خاصة وأن تركيا تمتلك الكثير من الأوراق التي قد تستخدمها في حال رفضها دون مبررات، أبرزها الموقع الاستراتيجي والدور الإقليمي والمكانة الهامة في العالم الإسلامي.

عن الكاتب

عبد الغني الأحمد

كاتب سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس