طلحة عبد الرزاق - ميدل ايست مونِتور - ترجمة وتحرير ترك برس 

في ضوء محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة ضد الحكومة التركية وإرادة الشعب التركي، تحرك العديد من المعلقين في الغرب من خلال استجابة السلطات التركية لأولئك الذين تآمروا ضد أمتهم. وكالعادة يبدو كأن الغرب يبحث عن ذرائع للمشاركة في توجيه أصابع الاتهام والادعاء بأن الديمقراطيات في الدول غير الغربية تعاني من نقص بطريقة أو بأخرى أو "أقل ديمقراطية" من ديمقراطية الغرب.

وحتى الآن،  فضلًا عن 750 من المسؤولين القضائيين، تركيا فصلت 8777 موظف يعملون في وزارة الداخلية، من ضمنهم 7899 عنصر من أجهزة الشرطة والأمن. وفي بيان أمس، قال رئيس الوزراء بن علي يلدرم: "حتى الآن تم اعتقال 7543 من المشتبه بهم... يتضمن [هذا الرقم] 100 شرطيًا، و6038 جنديًا، 755 قاضيًا ومدعيًا عامًا، و650 مدنيًا". ومن المهم التأكيد على أن الحكم لم يتم تمريره حتى الآن على المشتبه بهم، ولا تشمل هذه الأرقام هؤلاء القضاة وموظفي الخدمة المدنية – حوالي 3000 - الذين تم طردهم مباشرة في أعقاب محاولة الانقلاب.

على الرغم من أن يلدريم وضح الأمر بشكل تام، جنبًا إلى جنب مع المسؤولين الأتراك الآخرين، بأن تركيا سوف تحترم القانون، وأن هؤلاء المعتقلين مشتبه بهم حاليًا، وسيتم استجوابهم أمام المحكمة، وإذا تم توجيه تهم ضدهم، عندها الإله الديمقراطي الغربي يكون مستاءً ويطالب بالأكثر. من خلال تأجيج الغضب في وسائل الإعلام، ذهب الغرب إلى الهجوم ضد حليفهم المفترض.

بالكاد انقشع الغبار، وبدأت أسر ما يقرب من 300 من ضحايا الانقلاب الفاشل الحداد، عندما نشرت هيئة الإذاعة البريطانية مادة لا طعم لها عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعنوان عريض: "الرئيس تركيا العديم الرحمة". يذهب المقال إلى، صوابا أو خطأ، نشر عددًا من الادعاءات ضد أردوغان، في حين تفيد المقال بشكل مضلل بأن الجيش التركي كان قد أسقط حكومات منذ عام 1960 من أجل "الحد من نفوذ الإسلاميين" - هراء، يمكن لأي شخص درس الانقلابات المتنوعة أن يعلم . هل كان عدنان مندريس، رئيس الوزراء التركي المنتخب ديمقراطياً الذي اغتاله الجيش، إسلامياً؟ لا، كان محافظاً علمانياً، الذي بدأ حياته في حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إليه أتاتورك.

تقذف صحيفة الاندبندنت البريطانية تيار مستمر من النقد اللاذع والدعاية المضادة لأردوغان، مشاعر الشعب التركي الذي وقف ضد الانقلاب تكون ملعونة. لا يبدو أن الصحيفة تفهم أن لا يوجد أي حزب على الاطلاق من الأحزاب السياسية أو أي شخص في المجتمع المدني يدعم الانقلاب، وأن هذا كان انتصارًا للشعب التركي، بغض النظر عن خلفيتهم العرقية أو الثقافة أو العقيدة السياسية. ومع ذلك، فإن الصحيفة حريصة على جعل الأمر يبدو وكأن أردوغان يجري الآن لتحويل تركيا إلى دولة الخلافة الجديدة، في حين يكتب روبرت فيسك أن أي انقلاب آخر من المؤكد أن يحدث، وينجح.

بغض النظر عن ما قد يتصور المرء من أردوغان شخصياً، فضلا عن سياساته المثيرة للجدل في بعض الأحيان، لماذا يذكر أي من هذه المصادر الإعلامية أن أردوغان كان تقريبًا ضحية لمحاولة اغتيال في فندق كان يقيم فيه في مارماريس عندما بدأ الانقلاب؟ ووفقًا لتقارير، تم تحذيره من قبل الجنرال أوميت دوندار عن محاولة الانقلاب بفترة قصيرة قبل أن يبدأ، مما أتاح له الوقت لترك فندقه قبل 20 دقيقة من قدوم الانقلابيين واطلاقهم النار.

أظهر أردوغان شجاعة ملحوظة من خلال الصعود لطائرته الرئاسية وخداع طائرتين من طراز إف 16 حيث قفلتا الرادار على طائرته وقام بالهبوط في إسطنبول. من ثم بث أردوغان، من خلال تطبيق فيس تايم على التلفزيون التركي، حشد أمة بأكملها، بغض النظر عن معتقداتهم ووجهات نظرهم السياسية، وجنباً إلى جنب مع الشعب التركي أسقط أولئك الذين يحاولون تخريب إرادة الشعب وسيادة القانون.

رغم ذلك نحن هنا اليوم، نرى الغرب يشكك في التزام أردوغان بالديمقراطية (عندما يكون هو الذي قاد التهمة ضد أولئك الذين يسعون للإطاحة به) وإجباره على القراءة والاستماع إلى "تحليل" أولئك الذين قد أحبوا رؤية تركيا تحترق وترجع إلى الثمانينيات وعهد إرهاب كنعان أفرين لمجرد أنهم يكرهون رجل واحد - رجب طيب أردوغان.

ما يجعل الأمور أكثر مما إغاظة هو الاستماع إلى مسؤولين غربيين متنوعين ومنظمات ومؤسسات تعبر عن "القلق" بشأن الحملة الأمنية الحالية، وتشير إلى أن السلطات التركية تعتقل الناس على أساس قائمة من المشتبه بهم محددة مسبقاً. وذكر مفوض الاتحاد الاوروبي المسؤول عن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، يوهانس هان: "إنها [الحملة] تبدو كما لو أن شيء ما قد أُعِدَ. القوائم متاحة، مما يشير إلى أنه معد لاستخدامه في مرحلة معينة".

تعليقات هان ليست أكثر من الهراء المطلق، وبالطبع سيكون لدى وكالة الاستخبارات الوطنية التركية قوائم المشتبه بهم. بعد المحاولة الخطيرة على الديمقراطية التي أدت إلى مقتل المئات وجرح الآلاف، أليس من المنطقي بالنسبة لتركيا بصورة استباقية اعتقال هؤلاء المشتبه بهم؟ وأود أن أغتنم هذه الفرصة لتذكير السيد هان أن الحكومة البريطانية، ودول أوروبية أخرى، لديها قوانين تسمح باعتقال واحتجاز المشتبه في صلتهم بالإرهاب دون توجيه اتهامات. فلماذا الكيل بمكيالين؟

من غير المحتمل أن يكون الأتراك قلقين بشأن إمكانية إعادة تطبيق عقوبة الإعدام التي ستسحق فرصهم في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. بعد كل شيء، هم عانوا التمييز بما فيه الكفاية على يد الاتحاد الأوروبي، ووسائل الإعلام، والأحزاب السياسية. تحدث إلى أي شخص تقريباً في تركيا، واسألهم لو لن يقبل الأوروبيون أمتهم في نادي الاتحاد الأوروبي، وسيضحكون بسخرية على الفكرة. ومن غير المرجح يهتم أردوغان أيضاً، ولكن ذلك لا يجعل وجود عقوبة الإعدام أقل "ديمقراطية"، ذلك يعني أنه يتوجب على التنديد بالتزام الولايات المتحدة بالديمقراطية لأنها تفعل تشريعات عقوبة الإعدام الخاصة بها.

أيضًا، التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزارة الخارجية بشأن مستقبل تركيا ضمن حلف شمال الأطلسي غير مفيدة للغاية. كيف ستكون ردة فعل حكومة الولايات المتحدة إذا حاولت فصائل داخل القوات المسلحة الانقلاب؟ هل سيكونون متسامحين جداً؟ بكل وضوح لا، حيث يسمح قانون العقوبات الخاص بالولايات المتحدة بعقوبة الإعدام في حالة الخيانة العظمى. تهديد عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي على أساس أنها تعارض التنوع  قانونيا بملاحقة ومعاقبة الخونة أو غير ذلك من الهراء هو قمة النفاق.

لقد حان الوقت للغرب أن يدرك أن أرضيتها الأخلاقية المرتفعة الطويلة تنحدر إلى وادي غير أخلاقي المظلم، والنفاق الكاذب الذي لا يحمل بعد الآن أي وزن في منطقة الشرق الأوسط. قبل إلقاء المحاضرات على تركيا، يمكن لدول مثل الولايات المتحدة أولاً النظر في كيفية تعاملهم مع الأقليات العرقية. أو هل الذي بنتقص احترام التنوع لا يجرد العم سام من عضوية حلف الناتو؟

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس