د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس

ما حدث بتركيا قبل أيام لم يكن مجرد محاولة انقلاب عسكرية فاشلة تم القضاء عليها وانتهي الأمر، بل هي جزء من مخطط مستمر منذ سنيين طويلة ولن ينتهي عند هذه المرحلة.

قد يظن الكثيرين أن تركيا استطاعت إفشال هذه المحاولة بسهولة بدعم غالبية شرائح المجتمع التركي المناهضة للانقلاب من أحزاب المعارضة السياسية ومنظمات المجتمع المدني، ويحلو له تسليط الاضواء  فقط على هذه النواحي الايجابية في حياة الشعوب الديمقراطية التي تدافع بكل ما تستطيع عن مكتسباتها المدنية وحقوقها الديمقراطية. وهذا شيء جميل ومطلوب لكن بشرط أن لا ننسى حقيقة الأمر، وأن لا تغيب عنا الاخطاء والسلبيات التي وقعت قبل وأثناء الانقلاب، وكادت أن تودي بالحياة المدنية بتركيا وتعود بها للوراء لأكثر من ثلاثين عاما على أقل تقدير.

لحظات مفصلية وحرجة لو تمكن الانقلابيون بالنجاح في أحداهما  لكان سير الأمور قد تغير بشكل كبير وفي منحى أخر، تمكن الكوماندوز الذي جاء بمهمة واضحة اغتيال الرئيس أو اعتقاله، لو أنه استطاع تحقيق جزءا من هدفه الاجرامي هذا، أو السيطرة على مبني الاتصلات ترك سات في بداية الانقلاب، وقطع كل وسائل التواصل والاعلام، أوالسيطرة على المطار ومبني القوات الخاصة... صحيح أن كل هذه المحاولات تم افشالها ودحرها، لكن أيضا  كل ذلك تم بصعوبة وفي اللحظات الأخيرة.

اكتشاف الانقلاب بالساعات الأخيرة، وشكل إدارة الأزمة والسلبيات التي وقعت والأخطاء التي ارتكبت لا داعي للخوض في تفاصيلها، لقد اختار رئيس الجمهورية أردوغان صيغة مختلفة، لاختزال هذه الحالة عندما قال ولأكثر من مرة في وسائل الأعلام ومقابلاته الصحفية بأنه علم بالمحاولة الانقلابية من قريبه، هذه الجملة بهذه الصغية في هذا المكان وفي هذا التوقيت كافية لتقول الكثير عما يعتلج بنفسه، وسنرى انعكاسات ذلك في الأيام القادمة. وقوله بأنه من الخطأ تغير الحصان أثناء عبور النهر هو بد ذاته  أكبر دليل على أن التغيير قادم لا محالة...

من شارك في المحاولة الانقلابية ليسوا هم فقط من الكيان الموازي ومجموعة فتح الله غولن، فقد شاركت شريحة من الضباط أصحاب الخلفية الأتاتوركية الكمالية المناهضين لفكر حكومة العدالة والتنمية، بالإضافة أيضًا لأصحاب الطموح والمطامع الشخصية من الجنرالات والرتب المختلفة. ولذلك فإن تطهير الجيش من أمثال هؤلاء لن يكون بالأمر السهل، وخاصة إذا ما تذكرنا الرتب التي تم تصفيتها في السنيين الماضية حيث لعب الكيان الموازي دورا كبيرا في تأليب الحكومة  يومها على تصفيتهم، وربما كان ذلك أيضا جزءا من الخطة الانقلابية منذ تلك الفترة وفي حال تأكد ذلك فهذا دليل على قدم الخطة المرسومة للوصول لهذا اليوم.

موقف الولايات المتحدة الأمريكية خاصة والدول الغربية بشكل عام، كانت مخيبة لآمال تركيا شعبا وحكومة، فقد كانت مواقف ضبابية وباهتة من حيث التوقيت والمحتوى، وكأن هذه الدول كانت تتنتظر أو تتمنى نجاح الانقلاب العسكري، وبدل أن تقف مع الشرعية والحياة المدنية والبرلمانية راحت تطالب بالالتزام بحقوق الإنسان أثناء الاعتقالات ووالملاحقة وتطهير البلاد والمؤسسات الحكومية.

ثمة أمر أخر يجب عدم نسيانه وهو العنصر الخارجي الذي دعم وساعد وخطط لهذه المحاولة الانقلابية، فلا يمكن لأي حركة بهذا الحجم من الانتشار والتنظيم والتخطيط والامكانيات أن تصل لهذه المرحلة لولا دعم وتوجيه ورعاية من قوى خارجية ومراكز استخباراتية اقليمية أو أوروبية أو من وراء المحيط.

كل هذه المؤشرات تدل على أن القوى التي وقفت وراء هذا الانقلاب لن تكتفي بهذه النتيجة، وستحاول تحقيق أهدافها من خلال اساليب أخرى، وقد تكون الاغتيالات السياسية في مقدمة تلك المحاولات وفي حال فشلها فالحرب الداخلية والطائفية ستكون المحاولة الثانية.

إلا إذا كان الهدف المخطط له من وراء هذه المحاولة هو ليس إسقاط الحكومة بل زعزعة قدرتها وتنبيهها وتطويعها...!!؟

تركيا اليوم التي استطاعت إفشال هذه المحاولة، هي أمام مرحلة جديدة وعلى مفترق طرق، وعليها اتخاذ قرارها الحاسم والواضح أمام هذه التحديات الجديدة.

حكومة العدالة والتنمية التي اكتشفت اليوم كثيرا من خفايا الأمور، اكتشفت أنها ورغم كل هذه السنيين الطويلة من قيادة تركيا، لا تزال في بداية الطريق، وأنها لم تستطع ترتيب كثير من الأوراق، مما جعلها تشعر بحاجتها إلى دعم ومساندة بعض القوى الأخرى من المعارضة ومراكز القوى، سواء كان هذا أثناء التصدي للانقلاب وإفشاله، أو في الفترة القادمة من ملاحقة الانقلابيين وتطهير مؤسسات الدولة منهم.

الحكومة اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما.

إما فهم الدرس والاستجابه له والتراجع عن كثير من المواقف الداخلية والخارجية وهذا سيكون مقتل تركيا ونهاية مشروعها الحالي.

أو التحدي وتحويل هذه المحنة إلى منحة، وجعلها بداية حقيقية لتغيير حقيقي لكثير من الترهل والخلل في تركيبة وآلية عمل أهم مؤسسات الدولة التي كانت تعتبر من المحرمات...

كل المؤشرات تقول إن تركيا وبقيادة رجب طيب أردوغان لن تختار سوى التحدي وعدم الانحناء والانصياع، وستسعى للخروج من هذه المحاولة أكثر قوة وصلابة وتماسكا...

لكن هذا لن يكون سهلا ولن يكون طريقها خاليا من العراقيل الأشواك...

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس