إبراهيم تينيكجي - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

"تركيا اسم يحمل معنى المسؤولية"، هي واحدة من الجمل التي تحمل معنىً كبيرًا والتي قالها رئيس جمعية موصياد السيد "نائل أولباك".

فنحن دائما نستحضر مفهومي المسؤولية والانتماء، وكلنا يعلم بأن المسؤولية هي شعور نابع من الإيمان، وهناك مفهوم الالتزام وهو متولد عن مفهومي المسؤولية والانتماء، فعلى سبيل المثال كنا ملزمين بالوقوف أمام الدبابات أثناء أحداث 15 تموز/ يوليو، فنحن ملزمون بحب شعبنا ووطننا مهما اختلفت الظروف.

وكل يوم نقرأ ما تعرضه الصحف من أخبار مشينة لأشخاص باعوا وطنهم، ومن كثرة هذه الأخبار أصبحت لدينا القدرة على التمييز بين المذنب والخائن بشكل جيد، فهل يستحيي من لا يملك انتماءً لوطنه؟ نعم لا يستحيي، وهؤلاء الثلاثة هم: جان دوندار، وإمره أوسلو وصلاح الدين دميرطاش، وأيضا شاهدنا مؤخرا "أوكان بايولغين"، وهؤلاء القاسم المشترك بينهم أنهم لم يحترموا الدعم الذي استمدوه من الشعب، وذلك لأنهم لا يشعرون بانتمائهم لهذا الوطن.

ونكرر ونقول بأن مسؤوليتنا تنبع من الإيمان وليس من القدرة، وقد قال وزير الداخلية سليمان صويلو: "سوف نصبح من الدول العشر الأوائل الكبيرة"، ولنقل إن شاء الله، فبهذا الشكل نضع الإيمان بجانب القدرة نصب أعيننا ونمضي باتجاه هدفنا.

ولو كانت تركيا دولة كبيرة ذات هيمنة في العالم، هل كنا لنسمح بما حدث في سوريا والعراق؟ ربما لا، وكنا لنبحث ونبت في ملفات أخرى غير حلب والموصل.

نحمل على عاتقنا مسؤولية نابعة من تاريخنا وإيماننا فهذا هو قدرنا، والتاريخ يثبت هذا ولا يهمنا أبدا من استلم السلطة فهذه المسألة تعلو فوق السياسة وسأضرب لكم بعض الأمثلة على ذلك:

توجد جزيرة تركية على نهر الدانوب تم التخلي عنها لرومانيا وفقا لمعاهدة لوزان اسمها "أداكاله". وقد غرقت الجزيرة بسبب تأسيس بعض المنشآت. وفي عام 1972 قام رئيس الوزراء التركي سليمان دميريل بزيارة رومانيا داعيا سكان أداكاله للقدوم إلى بلادنا.

أيضا توجد قرية "أولوبامير" في ولاية فان التركية ويقطنها أتراك القرقز. والحكاية تقول: عند احتلال الاتحاد السوفيتي لمرتفعات بامير في شمال أفغانستان تم جلب 1150 شخصًا بالطائرة من أتراك القرقز وإسكانهم في ولاية فان التركية وذلك بأمر من الانقلابي كنان إيفرن عام 1982.

ولنأخذ مثالًا آخر عما حصل في عهد "تورغوت أوزال" الذي استقدم الأكراد الذين يقنطون في شمال العراق وإنقاذهم عام 1991، وقد اعتنت بهم كلهم تركيا بشكل جيد رغم إمكاناتها الضئيلة، وكنت شاهدا على ذلك لأنني كنت أؤدي الخدمة العسكرية هناك.

كان العصر السلجوقي والعثماني كذلك مليئًا بهذه الأمثلة، فبلادنا كانت دائما مكانا آمنا للأجانب. إذا تأملنا الأناضول فسوف نجد العديد من العرقيات والجنسيات التي تقطنها مثل الشركس والتتار والبوشناق والألبان وغيرهم. وقد قمت بزيارة قرية تركية تبعد 1000 متر عن حدود بلغاريا اسمها "بوماك" وقديما كان اسمها "سيسلوبيا"، وخطر ببالي هذا السؤال:
لماذا يوجد عدد كبير من الرومان في هذه القرية مقارنة للباقي الدول المجاورة؟

والسبب هو أننا بعد أن خسرنا في حرب البلقان لم تقبلهم الدول المنتصرة في أراضيها، لكن الدولة العثمانية قبلتهم ومن دون عنصرية رغم سنين القحط والجفاف التي عانت منها آنذاك وهناك وثائق تثبت ذلك.

يوجد في بلادنا ما يقارب 3 ملايين سوري، ونعيش مع إخوتنا السوريين في نفس الحي، ففي حيّنا الكثير من الباكستانين والبنغال وأفغان وغيرهم من الجنسيات، وأنا سعيد جدًا لأجل هذا، لكن مسؤوليتنا ليست فقط تجاه الأجانب القاطنين في بلادنا بل تتسع لتتجاوز الحدود أيضا، فها نحن نبني دارا للأيتام في مدينة "فطاني" التايلاندية، ونقوم بحفر الآبار في أفريقيا، وفي الصومال نقوم بإجراء الكثير من عمليات العيون، (وبالمناسبة الشكر الخاص لجميع أطباء العالم)، والحمد لله قوائم المساعدات تكبر لتشمل العديد من المناطق كأتراك الأهسكا، وتتار القرم، وأراكان وحتى النيجر.

أما بالنسبة لما حدث في مصر فلم نتصرف وكأن شيئًا لم يكن، بل نددنا بالانقلاب، وأيضا لا ننسى غزة، واعترضنا كثيرا على الظلم الذي يحدث في سورية والعراق، وحزنا على الحال الذي وصلت إليه اليمن، ونقلق خوفا على شعبي الموصل وحلب.

ويمكنكم ملاحظة أننا لا نهتم بالذين ينتسبون لديننا وعرقنا فقط، فالإيمان يحتم علينا الاهتمام بغير المسلمين المظلومين، وهناك الكثير من المسيحين بين القادمين من سوريا والعراق، الذين رفضهم الغرب الذي يخرج علينا بدروس الإنسانية التي يفتقر إليها.

لنقل كلنا بصوت عالٍ: "تركيا اسم يحمل معنى المسؤولية".

كيف كانت تصريحاتنا بعد أحداث إقليم القرم؟ "تركيا لن تظل غير مبالية بهذا الوضع"، أما مسألة كفاية قوتنا أم عدم كفايتها فهي أمر آخر، فموقف تركيا لم يتغير في أصعب الأوقات.

وكما قال عصمت أوزيل: "الكل لديه حجة إلا أنت ليس لديك".

إذا هذه هي تركيا...

عن الكاتب

إبراهيم تينيكجي

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس