غالب دالاي – صحيفة قرار - ترجمة وتحرير ترك برس

أدى انهيار النظام القديم إلى إثارة النقاشات والبحث عن نظام جديد في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة. ولنبدأ أولًا بهذا البرهان. إن التخلص من الحكومات والأنظمة السياسية القديمة الطراز في الشرق الأوسط نهائيًا لا يعني انهيار النظام القديم بالكامل. بل على العكس من ذلك ما يزال حكم الأنظمة الملكية والدكتاتورية والسلطوية مستمرًا في الأغلبية الساحقة من الشرق الأوسط.

ويعود السبب الرئيسي لعدم توافق وجود هذه الأنظمة مع النظام بالمفهوم القديم إلى وجود علم النفس السياسي الجديد الذي أوجدته الأطراف الجديدة يوميًا والمنتشرة على نطاق المنطقة. ومختصر العبارة، يؤمن علم النفس السياسي الجديد هذا باستمرار النظام القديم والأنظمة السلطوية وإمكانية تغييرها للأفضل. وقيام هذا الاعتقاد وعلم النفس بمهمة إزالة ذلك النظام. وتشكيلهما عائقًا أجبر الأسد والسيسي على تجاوزه مع احتمال عجزهم عن ذلك فيما بعد.       

كما فشل في تأسيس نظام مستقبلي جديد بالرغم من انهيار النظام القديم بالأمس القريب. وعلى الأرجح لن يظهر هذا النظام والوضع الراهن الجديد لمدة طويلة من الزمن. ويرى البعض أن تأسيسه يحتاج إلى عقود بينما يرى البعض الأخر أنه يحتاج إلى جيل كامل على الأقل. ولكن الجميع أجمع على أنه سيأخذ مدة أطول. ولهذا السبب كانت الفترة الماضية بمثابة عملية انتقالية. ستستمر طويلًا.

وقبيل التحقق من ماهية هذه العملية الانتقالية وخصائصها والأسئلة الضرورية للرد على النظام الجديد من المفيد أولًا البحث عن الأسباب التي مهدت الطريق لإنهيار النظام الإقليمي وأساسيات الأزمة والفوضى الإقليمية الحالية. وسأستعرض هذه العناوين على النحو التالي. مما لاشك فيه أنه من الصعب استيعاب كافة تلك العناوين التي شلكت أساسيات الأزمة الإقليمية في هذا الجدول وإفساح المجال لمناقشة بعض العناوين.

العجز في الشرعية: وإن استبعدت السنوات 10-15 عقب استقلال الدول التي شهدت حركات قومية عربية معادية للاستعمار، فإن أنظمة الدول العربية تعيش أزمة شرعية مستمرة منذ مدة طويلة. وتشكل هذه الأزمة مبررًا سائدًا يقوم فيه نظام دولة معادٍ للشعب بدلاً من مفهوم الدولة المؤلفة من المواطنين. فقد أدى عجزهم عن الإستجابة لمطالب الهوية والاقتصادية والاجتماعية لمجتمعات تلك الدول، وخسارتهم الحروب التي خاضوها مع إسرائيل وسعيهم من أجل الحفاظ على سلامة أنظمتهم التي أسسوها والتحالفات الإقليمية والدولية التي أقاموها من خلال دولهم الاستخباراتية إلى إفساح المجال لاتخاذ أزمة الشرعية هذه حالة خطيرة على نحو أكبر.

دول فاشلة: تشكل أعداد الدول الفاشلة المتزايدة يومًا بعد يوم في العالم العربي عنوانًا آخر يعد سببًا ونتيجة واستمرارًا لأزمة الشرعية. وذلك بالتخلص من إمكانيات استخواذ تلك الدول الفاشلة الممتدة من اليمن وليبيا ومصر والعراق وسوريا وصولًا إلى لبنان على احتكار الشرعية الشديد وإمكانية قيادة هذه الدول وجعلها شمولية والحفاظ على أمنها. وتحويلهم هذه الدول بمرور الأيام إلى أدوات لدى مجموعة معينة وزمرة أو عصابة سياسية. وبالتالي إفساح المجال من أجل تحديد تلك الدول من خلال هذا النوع من الهويات التقليدية والأساسية، ونشوء مجموعات خاضعة للدولة، وإقامة الهويات التقليدية أخرى سياسية داخل هذه المجتمعات. مما يعني تقاسم السيادة فعليًا من قبل العديد من بؤر القوى التقليدية.      

مفهوم العائلة والحزب والنخبة والدولة والنظام والحاكم: إن مفهوم النظام والدولة في العالم العربي كما حدده المفكر غسان سلامة هو  الحزب أو العائلة والنخبة الحاكمة الضيقة. وهو ما جعل أنظمة الدول العربية ضعيفة جدًا. وبالتالي تهديد كيان الدولة بالكامل في حال ظهور أي أزمة أو تغيير داخل الحزب أو العائلة والنخبة الحاكمة الضيقة. وهو ما تشهده ليبيا وسوريا والعراق. ومثال على ذلك، تبين بشكل واضح كيف عملت دول المؤسسات المتحدة بين النخبة الحاكمة أو الشخصية وحزب معين مع الدولة على إضعافها.

صراعات الهوية والأيديولوجيات العابرة للحدود: تشكل في العالم العربي تياران فكريان أساسيان هما عموم-العروبية وعموم-الإسلاموية. ولا يقتصر هذان التياران على الدول الموجودة داخل مجال العمل والرؤية السياسية. بل بدا أن السنة الموجودين بكثرة داخل هاذين التيارين يشكلون حدود الدول وبالتالي استهدافهم من أجل إجتياز تلك الحدود. وكانت نتيجة هذا الوضع إضعاف أنظمة الدول العربية. وتحويل الثورات العربية إلى صراعات هوية داخل الحدود وأخرى عابرة للحدود، وانتقال الضعف والهشاشة لدى تلك الأنظمة إلى أبعاد أكبر.

وهكذا شكلت الأزمات الأساسية في أنظمة الدول العربية التي ساهمت في انهيار النظام الإقليمي القديم عناصر موضوع البحث. وكما أشرت سابقاً لا تتضمن تلك القائمة كافة العناصر. ومثال على ذلك، تعميق الأزمة الإقليمية بشكل أكبر نتيجة عدم إقامة الولايات المتحدة الأمريكية أو عجزها عن إقامة مظلة أمنية بديلة عن طريق قوة أخرى مقابل ما تشهده من أحجية خطيرة متعلقة بالمظلة الأمنية التي أوجدتها في المنطقة سابقاً. ويتمثل ذلك في العملية الانتقالية الجارية حالياً. في ظل وجود تحديات وخصائص أفرزتها تلك العملية الانتقالية التي ستستمر مدة طويلة كما يبدو. وهو ما سنناقشه في المقال القادم.

عن الكاتب

غالب دالاي

مدير البحث في منتدى الشرق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس