مارسيل ليوبخر - فيلت - ترجمة وتحرير ترك برس

على الرغم من أن أغلب خطابات السياسيين الأتراك الموجهة لجاليتهم في ألمانيا لا تشجعهم على الاندماج داخل المجتمع الألماني، إلا أن منعهم من القيام بزيارات لألمانيا وإلقاء خطاباتهم هناك، يعتبر أمرًا معقدًا من الناحية القانونية. والجدير بالذكر أن الحكومة الفدرالية الألمانية لا يمكنها التدخل في هذه المسألة إلا عندما تعتبر الأمر بمثابة تَعَدٍّ على العلاقات الخارجية بين برلين وأنقرة.

في الواقع، تعددت خطابات السياسيين الأتراك، التي تؤكد على أهمية حماية الهوية الوطنية للجالية التركية الموجودة في الجمهورية الفدرالية الألمانية. وفي هذا الصدد، صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في إحدى المناسبات، أمام حشد بلغ عدده 16 ألفًا من أنصار حزب العدالة والتنمية في مدينة كولن، بأن "إجبار الأتراك على التخلي عن هويتهم الأصلية والذوبان في المجتمع الألماني هو جريمة ضد الإنسانية".

وبعد مرور ثلاث سنوات، طالب أردوغان في خطاب له في مدينة دوسلدورف، أبناء وطنه بتعليم أبنائهم اللغة التركية وإعطائها الأولوية حتى قبل اللغة الألمانية. وفي سنة 2015، دعا أردوغان الألمان المنحدرين من أصول تركية في مدينة كارلسروه إلى الحفاظ على قيمهم الأصيلة وعلى دينهم ولغتهم، من الاضمحلال وسط المجتمع الألماني.

في الحقيقة، قد تعتبر مثل هذه التصريحات بمثابة عائق أمام الجهود المبذولة لإدماج الأجانب في المجتمع الألماني على المستويين الاقتصادي والثقافي، علما وأن هذه المسألة تطال حوالي ثلاثة ملايين تركي متواجدين في ألمانيا. في المقابل، يعد إصدار قرار بمنع هؤلاء السياسيين من النشاط على الأراضي الألمانية، أمرًا صعبًا من الناحية القانونية، على الرغم من أن العديد من السياسيين الألمان يرغبون وبشدة في إصدار مثل هذا القرار.

من حيث المبدأ، فإن الحق في التجمع والنشاط السياسي مكفول في ألمانيا، ولا يمكن منع هذه التجمعات، إلا إذا كان هناك خطر حقيقي على الأمن والنظام العام بمقتضى القانون الألماني، أي عندما تكون هناك أدلة ملموسة على إمكانية حدوث أعمال عنف في إحدى الولايات الألمانية، ففي مثل هذه الحالة يمكن لسلطات هذه الولاية منع هذا التجمع.

وفي هذا الإطار، فإن احتمال وجود خطر على الأمن وعلى النظام العام من قبل السياسيين الأتراك المشاركين في حملة الترويج للاستفتاء، يمكن التغاضي عنه، نظرا لحساسية هذه المسألة وتداخلها مع أهمية العلاقات الدولية التي تجمع ألمانيا بتركيا. فمن المرجح أن تتدهور العلاقات والمصالح الألمانية في حال ما اضطرت الحكومة الفيدرالية الألمانية لإصدار قرار مماثل، وهو ما قد يحد من قدرتها على المناورة والتصرف في هذا الصدد بسبب حسابات السياسة الخارجية.

وفي حال كانت الحكومة الفيدرالية تنوي إصدار قرار مماثل، فإنها مطالبة بإثبات وجود خطر حقيقي، والحصول على دعم من السلطات المحلية في المدينة المعنية بالمسألة. فضلا عن ذلك، وفي حال أقدمت الحكومة الفدرالية على مثل هذه الخطوة، يجب عليها أن تتجنب استعمال أساليب عنيفة وفظة لمنع الاجتماعات، وتلجأ لطرق أكثر دبلوماسية من أجل منع أحد السياسيين الأتراك من إلقاء خطاب أمام تجمع من الجالية التركية.

من جانب آخر، يسمح حق الاجتماع للمواطنين الأتراك بانتهاج طرق مختلفة للتواصل مع السياسيين، تماما مثل ما حدث في أغسطس/ آب الماضي، عندما أراد أردوغان التحدث مع أبناء الجالية التركية في مدينة كولن عبر تقنية الفيديو المباشر عبر شبكة الإنترنت. في المقابل، قامت السلطات المحلية في شمال الراين بمنع هذه المداخلة عبر الإنترنت وبررت قرارها حينها بالقول إن "الحق في التجمع في القانون الألماني لا يمنح منظمي هذه الاجتماعات الحق في فسح المجال لرؤساء دول وحكومات أجنبية للتحدث في الجمهورية الفدرالية الألمانية في مواضيع تخص بلدانهم".

وفي هذه الأثناء، لا يواجه المواطنون الأتراك صعوبة كبيرة في ممارسة حقهم في تنظيم الاجتماعات في الأماكن المغلقة، خلافا لما هو عليه الحال فيما يتعلق بالاجتماعات في الأماكن المفتوحة. وتجدر الإشارة إلى أنه وفي العديد من المناسبات، فضل السياسيون الأتراك حضور هذه الاجتماعات بصفتهم الشخصية كأفراد، وهو ما حصل قبل أسبوعين مع رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم في مدينة أوبرهاوزن.

ولكن كانت هناك دائما عوائق إضافية، كما حدث تماما مع الرئيس أردوغان، فقد تم إعلام الحكومة التركية بقرار الجانب الألماني منع إلقاء الرئيس لخطاب مباشر منقول عبر شبكة الانترنت في مدينة كولن وذلك في آخر لحظة. وعللت ألمانيا هذا القرار قائلة إن "إمكانية إلقاء رؤساء دول وحكومات أجنبية لخطابات سياسية في الأراضي الفيدرالية الألمانية هو أمر يتعلق بالسياسة الخارجية"، ولذلك فإن اتخاذ قرار من هذا النوع هو مسألة فيدرالية وليست بيد المنظمين المحليين.

ومن هذا المنطلق، يجب أن يحصل رؤساء الدول والحكومات الأجنبية الذين يريدون التواجد في ألمانيا وإلقاء خطابات، على موافقة صريحة ورسمية من الحكومة الفيدرالية الألمانية، بما أن هذه الزيارة ليست زيارة رسمية.

عموما، تنفي هذه المعطيات بعض الشكوك حول تدخل السلطات الألمانية لإلغاء الاجتماعات السابقة، إذ أن القانون المتعلق بالحق في التجمع لم تكن له علاقة بإلغاء الاجتماعات التركية في مدن كولن وفريخن وبلدة غاجيناو. ففي بلدة غاجيناو تم منع الاجتماع لأن المنظمين لم يذكروا في البداية أنهم قد برمجوا زيارة لوزير العدل التركي. بالإضافة إلى ذلك، تذرعت السلطات البلدية بعدم قدرة الطرقات وموقف السيارات على احتضان اجتماع بهذا الحجم. أما بالنسبة لمدينة كولن، فقد ألغت الاجتماع بحجة غياب عقد لاستئجار المكان الذي سيتم فيه الاجتماع. وعوضا عن ذلك، تم عقد هذا الاجتماع ببلدة فريخن في شمال الراين، إلا أن مالك ذلك المكان أيضا أعلن فسخ العقد مع المنظمين، بدعوى رفض احتضان هذا الحدث السياسي.

والجدير بالذكر أن المستشار الفيدرالي النمساوي، كريستيان كيرن، كان قد أعلن يوم الأحد في حوار مع صحيفة محلية عن رغبته في فرض حظر، يشمل كامل دول الاتحاد الأوروبي، على الحملات الانتخابية التي يقوم بها السياسيون الأتراك.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس