أحمد جلال - خاص ترك برس

لا شك أن الفرد المسلم بصفة عامة والعربي بصفة خاصة أيا كان موطنه فى العالم الإسلامي، قد أصيب بخيبة أمل كبيرة من أنصار وزعماء القومية الذين قد أثخنوا رؤوسنا بدعوات القومية والحرية والاستقلال والقضاء على الاستعمار والتخلف والرجعية بمختلف أشكالها، وقد كانوا فى وسط هذة الدعوات يقصدون بالحرية والتخلف والرجعية، توجية سهامهم المسمومة نحو الإسلام وكل ما يمت للإسلام بصلة بدعوى أن الإسلام يكبل الحريات وهو أساس التخلف والرجعية إلخ.

وكانت قد ظهرت هذة الدعوات القومية بصورة كبيرة نتيجة التطور الحادث فى الغرب وتقدمة الكبير فى مختلف المجالات والثورة الصناعية التى أدت لبناء المصانع الكبيرة والطرق الحديثة فى التدريس والتعليم والعلوم بمختلف أنواعها، وقد تأخرت الإمبراطورية العثمانية عن اللحاق بركب التطور الحادث حولها نتيجة بعض التقصير وجمود أفكار البعض الآخر من النخب، ولكن التأخر الكبير كان ناتجًا عن المؤامرات والتدخلات التى حدثت من جهة الدول العظمى فى هذا العصر وهى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا ثم الولايات المتحدة، وأصبحوا طامعين فى هذة الإمبراطورية العظيمة المترامية الأطراف، فضلًا وهذا هو الأهم خشيتهم من حدوث اتحاد إسلامى حقيقى بين الدول الإسلامية يهدد أطماعهم الحقيقية فى إنشاء مستعمرات تابعة لهم.

والحقيقة أن السلاطين العثمانيين قد بذلوا قصارى جهدهم وأثبت العديد منهم بما لا يدع مجالًا للشك أنهم حاملوا لواء الخلافة والإسلام فقد حاولوا إنقاذ الإمبراطورية العثمانية لآخر قطرة من دمائهم وأرواحهم بالعمل الحثيث على التغيير والتحديث والتطوير، وعانوا فى سبيل ذلك الكثير والكثير من مؤامرات وعزل وقتل ومعارضات داخلية رجعية وقاصرة الفهم وعاجزة عن التصرف وفهم عمليات التغيير والتحديث كيف تتم وعلى أى مستوى تتم، هل يتم الاستغناء أو ترك الحضارة الإسلامية كليًا والتحول بالكامل إلى الإسلوب الغربي معيشة وحياة أم يتم الاستفادة فقط بالتطور الصناعي والعلمي وترك القيم والعادات الغربية المخالفة لنا ولقيمنا وعاداتنا الإسلامية.

نعم لقد كانت الإمبراطورية العثمانية فى أشد الحاجة إلى اللحاق بركب التقدم والثورة الصناعية الذي هب على الغرب، وكانت هذة المعارضة إما فى حقيقتها لا تفهم معنى التغيير والتحديث وكيف يتم أو ترفض التغيير بالكلية أو تسعى لمصالح شخصية أو غير مدركة لماهية هذا التغيير والتحديث ولكنها تساير جو التغيير والتحديث شكلًا فقط أما من حيث الموضوع فهي لا تعلم شيئًا، كما أن أغلبها كانت مأجورة وممولة من الخارج، هذا فضلًا عن التهديدات من الخارج بالحرب ودعوات الانفصال فى أحيان كثيرة، وقد أدت هذه التدخلات الأجنبية فى الإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف إلى إضعافها حتى حصارها داخل الأناضول فقط، وقد كان لدعوات القومية فى العالم الإسلامي دور كبير فى هذا الحصار والتفكك لهذة لإمبراطورية العظيمة.

وقد كان زعماء ودعاة هذة القوميات يبثون دعاياتهم المختلفة تحت شعارات عديدة كلما ظهرت لهم بوادر فشل في سياساتهم الداخلية والخارجية أمام مواطنيهم وشعوبهم فتارة تتحول القومية إلى الاشتراكية وتارة تتحول القومية إلى اشتراكية رأسمالية وهكذا من كل فيلم أغنية حتى لايفقد هؤلاء الزعماء زعاماتهم، وظل حال المواطن المسلم المؤمن بالقومية لا يعرف قدمه من رأسه سنوات عديدة هل هو إسلامي أم علماني أم أشتراكي أم شيوعي أم رأسمالي إلخ، وقد أصيبت هذة القوميات بنكسات عظيمة وأهمها وقوع أغلب هذة القوميات إن لم يكن كلها تحت نير الإستعمار الغربي، وأدت لظهور مشكلة فلسطين العويصة، وفشل زعماء هذة القوميات فى إيجاد حل لها، فضلًا عن ظهور مشكلة استعمار أمريكي جديد لدولة العراق مدعومًا من من التحالف الغربي وايران الشيعية، ومحاولات التقسيم التى تجري لسوريا والعراق، على غرار التقسيم الذى حدث للسودان.

ثم بدأت زعامات هذة القوميات الديكتاتورية بعد أن أفلست على المستوى الداخلي وعلى المستوى الخارجي، فى إيجاد مخرج آخر لها بمحاولة اصطناع ديمقراطيات وهمية ومحدودة يجيزونها تارة ويمنعونها تارة أخرى بحجج كثيرة أهمها منع الإسلاميين من السيطرة على الحكم.

ثم تشاء إرادة السميع العليم، أن تأتي عدة زعامات حقيقية لدولة تركيا بالطرق الديمقراطية وسرعان ما يتم القضاء عليها بانقلابات عديدة ليعود الوضع لما كانت عليه الديكتاتورية مرة أخرى، إلى أن يوفق اللّه سبحانة وتعالى السيد الرئيس أردوغان بالصندوق وبالديمقراطية أيضًا ويساهم فى نهضة بلادة فى مختلف المجالات، ثم شاءت إرادة اللّه أن يقوم شاب تونسي خريج جامعي ويعمل تاجرًا جوالًا بالشوارع ليكسب قوت يومه ،يسمى بوعزيزى، أن تصفعه شرطية فى الشارع لتمنعة من العمل فى الطرقات فتستثير غضبة وشجونه فالدولة لا توفر عمل للشباب وتمنعهم من العمل، فيقوم بإحراق نفسة معترضًا على إهانته ومنعة من العمل ومصادرة بضاعتة وسرعان ما أشتعلت تونس بشبابها ومواطنيها تضامنا معة مما أدى لخلع طاغية البلاد زين الدين بن على وفرارة إلى السعودية، وأدى ذلك إلى إشتعال الثورة فى اليمن وسوريا وليبيا ومصر وخلع رؤسائها وما زالت مستمرة، وتم الاحتكام إلى الديمقراطية والصندوق فى مصر وفاز بالرئاسة السيد الدكتور محمد مرسي الإسلامي الهوية الذى لم يمكث سوى سنة واحدة فإذا بانقلاب يحدث مغلفا بثورة مضادة وهمية يقوم بعزله وتنصيب رئيس غيره غير مبال بالصندوق والديمقراطية وإرادة الشعب في اختيار رئيسه، وسرعان ما أكتشفت الشعوب العربية الأيادي الأجنبية الخبيثة التي كانت تقف خلف كل العلمانيين والقوميين والليبراليين ضد الثورات العربية المنادية بالعيش والحرية والعدالة.

وسرعان ما اكتشفت الشعوب الإٍسلامية الخدعة الاستعمارية الكبيرة التى كانوا يعيشون فيها بحجة ووهم القومية والوطنية والعلمانية والليبرالية المزعومة والتي هي في أساسها ديكتاتوريات مغلفة فقط بوهم القومية ويحركها الغرب المستعمر بطريقة غير مباشرة بدلًا من الاحتلال العلني المباشر والذي ترفضة الشعوب، هذه الديكتاتوريات الاستعمارية المغلفة بالقومية والتي ترفض كل ما هو إسلامي أو ذي خلفيات إسلامية بدون سبب فقط لأنه إسلامي.

نعم، لقد اكتشفت الشعوب الإسلامية بعد حوالي قرن تقريبا، كم ظلمنا الخلافة العثمانية الإسلامية والتي هي عز وشرف كل مسلم، بجهلنا وطمعنا وخيانتنا وغبائنا، فأسقطناها وسقطنا معها فى جب عميق، فبعد ألم يحن الوقت للشعوب الإسلامية أن تنعم وتستعيد الخلافة أو على الأقل الاتحاد الإسلامي!؟ رحم اللّه السلطان عبد العزيز "عزيز" والسلطان عبد الحميد الثاني أصحاب سياسة "اتحاد إسلام".

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس