فرج كُندي - خاص ترك برس

دأب كثير من الكتاب والفنانين ومن يدعون الفكر والثقافة ومن يتلبسون بلباس الدعوة والخطاب العام سواء على الصعيد الديني أو الأيديولوجي أو السياسي والفكري والثقافي والتربوي... إلخ على استخدام فنون الخطابة والبلاغة والدعاية مع استخدام أساليب ديماغوجية تخديريه تخدم أهدافهم وتحقق أغراضهم من خلال منهجية السيطرة الكلامية التلبيسية.

وهي سيطرة التضليل والتحريف الكلامي رمز القوة والسلطة والسيطرة والسحر والإغواء والإغراء والاجتذاب والتضليل بصوره ومظاهره الكاملة غير المنقوصة تأتي من خلال سيطرة الكلام على الفكر والذهن والرأي والتصور والتوقع للمستقبل الذي تنشده الأطراف أو القوى التي تقف خلف هذا التضليل أو التحريف للكلام عن مواضعه.

والتضليل بالكلام بصوره الإغرائية الإغوائية أو التحويلية التحريفية التزييفية التي تؤثر بأفكارها على الرأي العام أو الخاص وتتلاعب به لتقنعه وتسخره ثم تضلله وتجذبه إلى ساحاتها من خلال القدرة على تشكيل الأفكار والمفاهيم والتصورات التي تخدم الهدف الذي صيغت من أجله.

يستخدم التضليل الكلامي عدة وسائل دعائية مختلفة منها المكتوب والمرئي وشبكات (الإنترنت) والإذاعات المسموعة والفضائيات المرئية والوسائل الإيضاحية وغيرها من الوسائل الحديثة كأدوات تخدم أهدافه وتصيغ أفكاره لعرضها بصور قشيبة تغري وتقنع المتلقي وتجعله متأثر بهذا العرض الذي يجمع بين الذكاء في الصياغة والبراعة في العرض من خلال استخدام التقنية الحديثة في تسويق الأفكار والقيم المراد نشرها في المجتمع وتعزيزها فيه كبديل عن قيم وأخلاق راسخة فيه تشكل هويته وعقيدته من قرون طويلة.

إن التضليل الكلامي له قوة جبارة لا يستهان بها تفتك بالمجتمع كفتك أسلحة الدمار الشامل التي لا تبقي ولا تذر لأنه يعتمد على أثر "الكلمة" في توصيل المعاني وتشكيل المفاهيم لارتباط وتفاعل الكلمة مع المعنى الدلالي  فهي أداة الخطاب اللفظي أو الكتابي الذي تتشكل منه المفاهيم والتصورات التي تبنى عليها الأحكام وتتشكل بها العقول والأفكار.

والكلام هو نتاج إعمال العقل الذي ينتج الفكر؛ والتعمق في دراسة الكلام يمكن عن طرق التفكير التي يستخدمها رواد التضليل ومن يطلع على حركة الفكر يكتشف الدلالات والخفايا التي تقع خلف الكلام.

أدوات التضليل والتحريف والتزييف

كثرت أدوات وطرق التضليل والتزييف والتحريف في هذا العصر عما كانت عليه طيلة العصور السابقة حتى صعب حصر أعدادها وصورها وأشكالها وإن كانت تشترك في استخدام عنصر التهويل والمبالغة باستخدام كافة الفنون من شعر وخطابة وبلاغة وخيال جامح والإيماءات والإيحاءات المتنوعة، والكلام حمال الأوجه المحير المضلل. كما تعتمد على الدعاية وتوظيف بعض العلوم المساندة مثل التاريخ والأيدولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع وسحر البيان، واستطاعت أن تنجح في استخدام العوامل المساعدة وأهمها توظيف الصورة الثابتة والمتحركة في الإقناع وصناعة الحقيقة التي يريدها لا كما هي عليه في أصل حقيقتها.

وساهمت وسائل الإعلام ومن ورائها بالتأسيس لمدرسة تضليل كلامي موجه إلى عقول الناس ومشاعرهم؛ منها ما يستهدف العامة ومنها ما يستأثر بعقول الخاصة، وأسست لخطاب كلامي مزدوج ومتشظّي المعاني ومتناثر في الدلالات لخلق فوضى الأحكام وتشتيت الرأي العام لتسهيل سحبه وجره للوقوع في الفخ الذي يقع خلف هذه الأدوات، وهو ما يعرف بفن قيادة النفوس بواسطة التضليل وتوجيه الرأي العام للهدف الموضوع مسبقا ويراد منه تضليل المتلقي، والتأثير على فكره ووجدانه.

إن مؤسسات التضليل الفكري تقوم على فلسفة التزييف الكلامي وتحريفه عن مواضعه يتولى الإشراف عليها طبقة من باعة الكلام وتجار الوهم والزيف من الذين يمزجون الحق بالباطل ويزيفون الحقائق من المتملقين والمداهنين النفعيين المتاجرين بالقيم والأخلاق لتحقيق أهداف وغايات غير نبيلة "غير مكترثين بنبل الغاية ولا نبل الوسيلة". 

وفلسفة التضليل عند بعض الاتجاهات الإعلامية المعبرة عن اتجاهات فكرية وجهوية ومناطقية وعقائدية تزيف الكلم عن مواضعه لتسير به نحو الهدف الذي تقبع خلفه مدرسة التضليل الكلامي، وإن باعة الكلام وتجار التلاعب بالحقيقة الهادفين إلى السيطرة على عقول الناس للتسلط عليهم عبر مزج الحق بالباطل وتزييف الحقائق وترويج الاباطيل بنكهة الحقيقة الزائفة مع الإسفاف في التملق والمداهنة مع استعراض للمغالطات على أنها حقائق وتشويه للأخلاق وطمس للعقلانية وابراز اللاعقلانية عن طريق التأثير على المشاعر الإنسانية والتلاعب بها.

لذلك شرعت مؤسسات التضليل بكافة أشكالها المقروء والمسموع والمشاهدة في صناعة آليات موجهة ومنظمة ومتدرجة تعمل بشكل حثيث ومتدفق في التأثير على عقل المتلقي بتأسيس قواعد أستخدم فيها التحريف والتزييف والتسويف وعرض الأغاليط على انها حقائق مسلمة مع نسف آليات ومعايير التمييز والتحقق، وذلك من خلال "تضخيم المغالطات والتأكيد على صحتها"؛ كما عملت أدوات التضليل وبكل جدية واجتهاد على بناء ذاتها وتطوير أدواتها وتبادل أدوارها من خلال رصد الأموال الطائلة والميزانيات الضخمة لتصبح منهجًا يدرس في المؤسسات – العلمية - العاملة في صناعة التضليل والتزييف والتحريف.

نجحت المدرسة التضليلية في بناء وتشكيل أساليب صورية مقننة ثابتة غير منطقية في الخطاب لتضليل المتلقي والسير به كما وإلى أين تشاء من خلال إرساء صيغة تحفيزية عدوانية تقوم على الاستفزاز الذي يؤدي إلى هيمنة وترسيخ أن هذا الخطاب هو الذي يقوم على الحقيقة المطلقة وينفرد بها دون غيره ولا يشاركه فيها أحد من خلال الايهام  بتطبيق مبداء ونظرية أنه من يمتلك الحقيقة.

واستخدمت مدارس التضليل في منهجها الجدالي التضليلي المحتكر للحقيقة كل وسائل التضليل والخداع والتمويه بمهارة وحرفية قائمة على الجدلية الصورية والتنافس الحاد والتبرير غير المنطقي القائم على "المغالبة ومنهج كرر ثم كرر حتى تصدق" كما تستخدم هذه المدرسة قوتها السحرية اللفظية الكلامية التلبيسية للسيطرة والتسلط على عقول الجماهير ونفسياتها ومعنوياتها، ومهدت إلى سيطرة قوتها الرهيبة المتمثلة في الكلمة الغاشمة التي تسيطر على الرأي العام وتخضعه لمصلحة "صناع هذه القوة وأربابها" دون اعتبار لقوله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} وقوله صلى الله عليه وسلم: {وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد السنتهم}.

ليس التضليل الكلامي هو السلاح الوحيد المستخدم في عملية الصراع السياسي أو الفكري أو الأيديولوجي بل هو يمثل أحد هذه الأسلحة ويعتبر أهمها لأنه يعتمد على أقوى سلاح مؤثر وهو سلاح (الكلمة) التي تهيمن على المدلول والمفهوم والمعنى الذي تصاغ عبره الأفكار والمفاهيم والتصورات.

وفي البدء تكون الكلمة ثم تتداعى الافكار والمفاهيم والتصورات وقد افلح من زكاها وخاب من حرفها وبدلها وزيفها فتكبه على وجهه في النار.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس