دينا رمضان - خاص ترك برس 

هناك قصة قصيرة متداولة تحمل الكير من المعاني والعبر، وهي تتحدث عن جيش غزا قرية غاب رجالها في عمل، فقام أولئك الغزاة بنهب تلك القرية واغتصاب نسائها، إلا سيدة واحدة استطاعت مقاومة من تهجم عليها وقطعت رأسه، لتحمله وتخرج به من دارها فترى حال النساء الأخريات وقد اغتصبن جميعا، الأمر الذي أثار حفيظة تلك النسوة اللاتي خفن أن يُتهمن من قبل أزواجهن إن هم عرفوا بأمرها، فاتفقن جميعا وقمن بقتل تلك السيدة حتى لا تكون مثالا حيا على فشلهن.

للأسف هذه القصة أصبحت تعبر عن حال الكثير من السوريين حاليا، فما أن يجدوا أي مبادرة لأي عمل حتى يبدأ الطعن والتخوين حتى غدت اي مبادرة أو حتى مجرد التفكير بها إثما يؤتى!

في الثلاثين من الشهر الماضي تم عقد المؤتمر التأسيسي للجالية السورية في تركيا، والذي سبقه تحضير ما يقارب الاشهر الثمانية من قبل بعض الناشطين في العمل الانساني، الذين اجتمعوا على ضرورة إنشاء جالية سورية تنظم عملهم وجهودهم تحت مظلة واحدة، وتشكل جهة مرجعية للسوريين والأتراك معا للوصول إلى حلول تناسب الطرفين، وخاصة بعد أن أضحى الأمر ضرورة قصوى، بعد القرارات التي اتخذت في المجال التعليمي للأطفال السوريين في تركيا، والتي رآها أكثر السوريون مجحفة بحقهم، وكانت الحكومة التركية معذورة إذ أنها لم تجد جهة مرجعية سورية تتداول معها الأمر، وإنما وجدت جهات وكيانات متفرقة، والتي لم تستطع بدورها أن تشكل ثقلا سوريا يؤخذ به لتغيير قراراتها أو تعديلها. طبعا مثال التعليم هو واحد فقط من عدد كبير من المشاكل والمسائل التي تتعلق بالسوريين الذين بلغ تعدادهم حوالي الستمائة ألف في إسطنبول لوحدها، وما يقارب الثلاثة ملايين في باقي أنحائها.

ونتيجة تلك الحاجة الماسة، وبعد عدد من الاجتماعات التشاورية التي سبقت المؤتمر التأسيسي و التي عُقدت بين هؤلاء النشطاء، قاموا مشكورين بتحديد لجنة لتحضير النظام الداخلي، وقامت تلك اللجنة بعملها لما يقارب 800 ساعة عمل، شملت الاستعانة بلجان استشارية، الاطلاع على نماذج النظم الداخلية للجاليات المختلفة... وإلى ما هنالك من أمور تساعد في الخروج بالنظام الداخلي الذي يقوم عليه بناء الجالية، وحرصا من هؤلاء النشطاء على النزاهة تم التأكيد على عدم ترشحهم للأمانة العامة التي ستقود العمل لاحقا.

وبالفعل تم عقد المؤتمر في التاريخ المشار إليه، وتم دعوة معظم القنوات الاعلامية لتغطيته، وتمت خلاله مناقشة بعض نقاط النظام الداخلي وتعديل بعضها، مثل تخفيض سن الترشح للأمانة من 33 سنة إلى 22 بغاية إشراك العنصر الشبابي، وتعديلات أخرى، وتم التصويت في النهاية على إقراره، وبعدها قام بعض الحاضرين ممن تنطبق عليهم المواصفات المنصوص عليها في النظام الداخلي، والذين توافدوا بصفاتهم الشخصية، قاموا بالترشح للأمانة العامة والتي نص الاتفاق على أن تقوم بعملها حتى الشهر الأول من العام القادم، أي خمسة أشهر فقط، لتكون المهمة الأساسية لهذه الأمانة متمثلة بوضع اللبنات الأولى لهذا العمل الضخم، بالإضافة إلى مهمة تعريف أكبر شريحة من السوريين بهذا الكيان الجديد، وبالتالي يكون عدد الأعضاء المنضمين لها حتى الشهر الأول من العام القادم معقولا للقول بتمثيل السوريين على كافة ميولهم وانتماءاتهم، وعندها يتم عمل انتخابات موسعة ترضي جميع الأطراف.

كانت هناك انتقادات حول طريقة الدعوة التي انحصرت بالوتساب/ الايميل، ولكن لم يكن هناك طرق أفضل نظرا لإحجام القائمين على العمل عن الحصول على أي نوع من الدعم المادي من أية جهة، حتى يكون العمل شفافا ولا تؤثر أي جهة خارجية على توجهه بأي شكل، وكان المأمول أن يكون هذا المؤتمر هو المنبر الذي يتم الإعلان فيه عن هذه النواة، والتي يعلم الجميع أنه لا يمكن لها أن تنجح إلا بدعم السوريين وانضمامهم لها.  

ولكن هل يرضى البعض بكل الشرح الذي ذكر أعلاه؟!

هيهات..هيهات، فقد انبرت أقلام بعض "الناشطين" الذين لم يتم أخذ إذنهم وموافقتهم الخطية على تلك المبادرة للبدء بالتشكيك والتخوين والطعن بمن أقدم عليها، هؤلاء "الناشطون" الذين ترّفعوا خلال سنين الثورة السبع من رتبة "يا لعيّب.. يا خرّيب" الى رتبة "يا خرّيب..يا خرّيب" ، حتى ليظن المرء أنهم كانوا على وشك إتمام مشاريعهم الكبرى التي كانت ستنقذ السوريين من مشاكلهم لولا مجيء تلك المبادرة بقوتها الربانية فتوقف كل تلك المشاريع الجبارة التي يعملون عليها! وبالطبع وكما العادة فالحجة والشعارات الكبيرة جاهزة "الشرعية" "التمثيل" "الديمقراطية" لتنتهي تساؤلاتهم بالسؤال الأكبر "من أنتم"؟

وأقول هنا:

- نحن السوريون الذين مللنا شعاراتكم الطنانة التي لاتسمن ولا تغني من جوع...

- نحن السوريون الذين سئمنا بطولاتكم وعنترياتكم الفيسبوكية التي ليس من ورائها عمل او نتيجة على الأرض...

- نحن السوريون الذين آمنا ان الشرعية تُكتسب نتيجة عمل حقيقي على الأرض وليست مجرد كلام أو تنظير...

- نحن السوريون الذين ضجرنا لغة التخوين والطعن وآمنا بلغة النقد البنّاء وتقديم المبادرات والحلول والبدائل...

- نحن السوريون الذين نفرح بكل مبادرة نظن فيها خيرا لنا جميعا تحل مشاكلنا وتخفف من همومنا ونعمل مع أصحابها لإنجاحها وليس دفنها حية...

- نحن السوريون الذين نشجع إخوتنا السوريين ولا نخذلهم ونعمل معهم ولا نقف بوجههم وكأنهم أعداؤنا...

- نحن السوريون الذين نحلم برؤية عمل سوري خالص بدون أي تدخلات أجنبية او دعم جهات مشبوهة، ونؤمن بأن هذا العمل يجب ان يدعمه كل السوريون ليكون نموذجا يحتذى حتى يرى العالم بأسره قدرات السوريين وإنجازاتهم إن هم تولوا أمورهم بأنفسهم..

"الجالية السورية في تركيا" الآن هي نواة مشروع عظيم وضخم، يحتاج إلى تعاضد سواعد كل السوريين وتكاتفهم. إن عملوا سويا على إنجاحه بالعمل الجاد والنقد البناء فسيحل الكثير من مشاكلهم، ويشكل مرجعية مهمة افتقدها السوريون خلال سني الثورة، نعم هناك أخطاء، فلا يوجد عمل بدون أخطاء، ولكن يبقى ان نصحح هذه الاخطاء ونقومها بالتعاون مع القائمين على هذا العمل، أو أن يكون خيارنا الآخر قتل العمل حتى قبل أن يكتمل، هذا قرارنا الذي من المفترض أن تكون الدروس القاسية التي عشناها كسوريين كافية لاتخاذه! 

عن الكاتب

دينا رمضان

باحثة وناشطة مختصة بالشأن السوري، حاصلة على شهادة EMBA (ماجستير تنفيذي في ادارة الاعمال، PMP الشهادة الامريكية في ادارة المشاريع، دارسة للعلوم السياسية (معهد سياسي) و مدير تنفيذي سابق في احد المنظمات الانسانية المختصة بالشأن السوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس