ياسين أقطاي - يني شفق

يتضح يوما بعد يوم كيفية تصور الصهاينة للعالم ونظرتهم إلى أنفسهم وإلى الآخرين وكيفية تعاملهم معهم، وكذلك دوافع هذه النظرة والسلوكيات، ومع ازدياد الفهم لهذه الأمور لا يسع المرء إلا أن يشعر بالدهشة والفزع. فالصهاينة الذين كانوا يلجؤون باستمرار إلى ضمير الإنسانية العامة ويستجدون التفهم والرحمة، نتيجة للاضطهادات والملاحقات والنفي والهولوكوست التي تعرضوا لها، قد استنفدوا الآن ذلك الضمير فلم يعد ملاذًا آمنًا لهم.

لقد فقدت الإنسانية أي شعور بالرحمة تجاه الصهيونية، وهذا يشير بوضوح إلى أن الصهيونية تقترب من نهايتها بسرعة. فالصهاينة من خلال جرائمهم ضد الإنسانية، يستهلكون كل ما تبقى من مشاعر التعاطف والرحمة تجاههم. وعندما يحين ذلك الوقت، لن تتمكن الولايات المتحدة ولا قادة الدول الأوروبية من توفير ملاذ آمن لهم كما يفعلون اليوم، ولن يجدوا في قادة العالم الإسلامي الذين رهنوهم مقابل مصالحهم أو من خلال تخويفهم، من يمد لهم يد العون.

لا ريب أننا نسير بخطى سريعة نحو تلك الأيام، لن يكون سقوط إسرائيل على يد "معادي السامية" أو "كارهي اليهود"، بل بسبب غطرستها المفرطة وعدوانها المتكرر الذي يتنافى مع العقل والضمير والتاريخ، فهذا الكبرياء والعدوان المفرطان يثيران حتما غضبا وثورة لا مفر منهما. وينتشر هذا الغضب والثورة على شكل موجات في جميع أنحاء العالم، ويخلقان شعورا ووعيا وإحساسا مشتركا لدى الجميع.

وهذا لا يحدث من فراغ، بل إن إسرائيل هي التي تصنعه وتغذيه وتحركه. فقد وصل الأمر إلى حد لم يعد بإمكان أحد إيجاد حجة للدفاع عن إسرائيل بمقاييس العقل والضمير، ولم يعد بإمكان أحد الخروج لدعمها بأي شكل من الأشكال، ولن يتمكن أحد من ذلك أبدا. فالحقيقة واضحة كالشمس، ومن يحاول حجبها بغربال سيفضح ويهان. وبمجرد أن يفتحوا أفواههم سيهينون أنفسهم، فكل جملة في هذا السياق يحاولون من خلالها تبرير أفعال إسرائيل ستنتهي فقط بالخيبة والفشل.

وهذا مشابه تماما للموقف المخزي الذي وضعت فيه عذرا كوهين نفسها عندما حاولت الدفاع عن إسرائيل، فقد أبدى العديد من الأشخاص ردود فعل غاضبة تجاه كلمات كوهين التي اعتبروها بلا ضمير ووصفوها بالغباء حتى. فكلمات كوهين كانت حقا في غاية الانحطاط من أي زاوية نظرنا إليها.

إنها أم تعيش في تركيا، وعمها يروج للتطرف القومي التركي في تركيا، ويمارس السياسة في حزب الظفر، الذي يعتبر عنوانا للعنصرية والتطرف التركي، وتفتخر كوهين بأنها ابنة أخ لشخص كهذا. وفي محاولتها لتبرير أفعال إسرائيل وجعلها تبدو معقولة، تلقي باللوم على الأطفال الذين يقتلون حرقا تحت القصف الإسرائيلي، مشيرة إلى أنهم السبب في موتهم لتواجدهم تحت القنابل. وتدعي أن والديهم يعرضونهم للقصف عن عمد لتصوير الفيديوهات، ولذلك بدلا من أن تغضب على إسرائيل، تغضب على هؤلاء الآباء والأمهات إلى درجة أنها تشعر بالرغبة في قتلهم بيديها العاريتين. إن هذه الروح المظلمة تتحدث عن القيام بأيديها العارية ما لم تتمكن من فعله قنابل إسرائيل، تاركة حدود الخيال تهبط إلى هذا المستوى الدنيء من الحقد والكراهية. بالتأكيد لا عقل ولا حكمة ولا ضمير في هذه الكلمات، ناهيك عن كونها صادرة عن أم. بل وأيضا كاتبة تحظى كتبها بمبيعات هائلة.

لا تقتصر هذه الحماقة وانعدام الضمير على كوين فحسب، بل باتت مشكلة إسرائيل والصهيونية الآن. وتعود هذه المشكلة إلى عدم وجود أي أساس عقلي أو أخلاقي أو وجداني للدفاع عن إسرائيل. إنها أوضح صورة لإفلاس الصهيونية من ناحية الأخلاق والضمير والعقل. لكن ألا يشكل رواج كتب أزرا كوهين، وسماع صوت عمها المرتفع الذي يتحدث بنفس الأفكار المفتقرة إلى العقل والفهم والضمير والقيم الدينية، تهديدا خطيرا للأمن القومي التركي؟

لماذا لم يبع حلزون أو خنزير في حي مسلم لسنوات طويلة؟ ألا ينبغي أن نهتم بهذا الأمر؟ ألا ينبغي أن نفكر أن أولئك الذين باعوا للشعب التركي ولأبنائه قومية تركية بنيت على أسس عنصرية، ليسوا أصلا أتراك؟ ألم يحن الوقت لنرى كيف ولماذا قام "موئيز كوهين تكين ألب"، الذي أخفى اسمه الحقيقي "موئيز كوهين" لسنوات طويلة، بنشر الأفكار القومية التركية؟ فمن المؤكد أنه لم يفعل ذلك بدافع الحب للأتراك. ألم يحن الوقت لندرك أن هؤلاء الذين جوهر قوميتهم التركية هو العداء للعرب، يقدمون الدعم الأكبر والأكثر خبثا للصهيونية؟

في نظر الصهاينة، العرب هم الفلسطينيون، والفلسطينيون هم المقاومون الذين يقفون صامدين في وجه الاحتلال على أراضيهم. إنهم يعتبرونهم أعداء يجب القضاء عليهم وتشويه سمعتهم وعزلهم. فما هي الطرق التي اتبعوها لتشويه دعم تركيا لفلسطين؟ تم فعل كل ما يلزم لتحقيق ذلك بهذه الأيدي. فمرة يزعمون أن العرب طعنونا في ظهرنا، ومرة أخرى يدعون أن الفلسطينيين باعوا أراضيهم، ومرة ثالثة يرددون أن العرب لم يتمكنوا من توحيد صفوفهم أبدا. وفي غضون ذلك، تتسع الفجوة بين العرب والأتراك، مما يسمح للدول الغربية مثل إنجلترا وأمريكا وفرنسا بالتسلل والاستيلاء على ثرواتهم. ونحن بدلا من ذلك، نكتفي بالتفاخر والغرور القومي الذي زرعه فينا أعداء الإسلام والأتراك، دون أن ندرك حقيقة ما يجري. فبدلا من إدراك أن المقاتلين الشجعان في غزة يدافعون عن حدود تركيا بشكل مباشر، نطلق عليهم لقب "الإرهابيين" تلبية لرغبات الصهاينة الذين يُعدُّون لاحتلال بلادنا خطوة بخطوة.

لا تقتصر كلمات عذرا كوين على إظهار سذاجتها وصغر عقلها فحسب، بل تظهر أيضا بؤس الصهيونية. لا ينبغي لأحد أن ينخدع بالقوة المادية والدعم الذي تتمتع به الصهيونية اليوم. فعندما تصل دفاعاتها الفكرية والمنطقية إلى هذا المستوى البائس من الانحطاط، لا مفر من هزيمة حتمية. ستجد الصهيونية نفسها بدون أي مدافع، وأي ملجأ تبحث عنه سيكون بمثابة فضيحة لها. ولكن ليس بسبب العنصرية ضدهم أو مشاعر العداء للسامية التي استغلوها حتى الآن، بل بسبب ما قدمته أيديهم، والتي ستكون النتيجة الأكثر عدلا جزاء تصرفاتهم.

عن الكاتب

ياسين أقطاي

قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس