ترك برس

تناول مقال للكاتب والسياسي التركي ياسين أقطاي، تجربة تركيا في مواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016، وقارنها بمحاولة الانقلاب الفاشلة في بوليفيا.

وقدم أقطاي في مقاله بصحيفة يني شفق رؤية تشبه بين الحوادث في البلدين، حيث يبرز الدور المحوري للشعب في دعم الديمقراطية ومقاومة محاولات الانقلاب.

وأشار أيضًا إلى أهمية تضامن الحكومة والشعب في حماية النظام الديمقراطي ومنع الانقلابات، معتبرا أن تجربة تركيا يمكن أن تكون نموذجًا للدول الأخرى في مواجهة التحديات الديمقراطية.

واستعرض أقطاي وجهة نظر موجهة نحو الدفاع عن الديمقراطية وتأكيد على أهمية استجابة الشعوب والحكومات لمثل هذه الأزمات بشكل مشترك، مما يسهم في تعزيز الاستقرار والشرعية السياسية في البلدان المتأثرة.

وفيما يلي نص المقال:

بينما كان الجميع في تركيا مشدودين إلى شاشات التلفاز يتابعون مباراة تركيا ضد التشيك في بطولة يورو 2024، ظهر خبر انقلاب عسكري مفاجئ على شاشات التلفاز. وبالطبع لم يكن الخبر ليحظى باهتمام كبير في البداية وسط حماسة المباراة. فهذا الأمر يُعتبر شائعًا في دول أمريكا اللاتينية، حيث يُعتبر تغيير الحكومات من خلال الانتخابات العادية استثناءً.

لكن العلاقات والاهتمامات التي جعلت الناس لفترة قصيرة لا يعيرون اهتمامهم لخبر الانقلاب بدأت تتلاشى تدريجيًا من الذاكرة. بعد فترة قصيرة من 7 أكتوبر، كانت بوليفيا إحدى الدول التي اتخذت موقفًا واضحًا وصريحاً ضد إسرائيل. فقد أعلنت في تشرين الثاني/نوفمبر تعليق العلاقات الدبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي بسبب ارتكابه جرائم الإبادة الجماعية في غزة.

علاوة على ذلك قام الرئيس البوليفي لويس أرسي بزيارة موسكو قبل 20 يومًا فقط، حيث ناقش مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خيار انضمام بلاده إلى مجموعة "بريكس". وفي نفس اللقاء تم توقيع اتفاقية مهمة لبيع الليثيوم بين روسيا وبوليفيا.

لا شك أن هذه القضايا الثلاث قد تكون من أهمّ الدوافع للمشتبه بهم المعتادين وراء الانقلاب في بوليفيا. لا نعرف إلى أي مدى سيكون من المنطقي طرح السؤال عن أي من هذه الأسباب الثلاثة هو الأكثر تأثيراً. ولكن ما يجعل انقلاب بوليفيا مثيرًا للاهتمام بالنسبة لتركيا أكثر من من كل هذه الأسباب الثلاثة هو أن الرئيس دعا الشعب لمقاومة الانقلاب وإحباطه، وقد استجاب الشعب بالفعل لهذا النداء، ممّا أدّى إلى فشل الانقلاب في غضون فترة وجيزة.

هذا يمثل بلا شك مثالًا مثيرًا للاهتمام يثبت أن نموذج مقاومة الانقلابات الذي ظهر لأول مرة في تركيا في 15 يوليو/تموز، قابل للتطبيق في أماكن أخرى. ففي الماضي كان يكفي أن يصدر الجيش مذكرة اعتراض في تركيا حتى تتم الإطاحة بحكومة منتخبة، مهما كان مستوى الدعم الشعبي لها. وكان على من هم في السلطة أن يرحلوا بقبعاتهم أو مصطحبين معهم أحزابهم. ولم يكن هذا الوضع مختلفًا في أماكن أخرى. فالجيش كان دائمًا على حق، لأنّه يمتلك السلاح ويدافع عن البلاد. وكانت مهمة حماية البلد تمنحه موقعًا لامتلاكها أيضاً.

لقد ذكَّر الحكم المدني في تركيا لأول مرة في 27 أبريل عبر "بيان المذكرة الإلكترونية" بأن دور الجيش في حماية البلاد قد مُنح له من قبل الشعب ولهذا الغرض بالتحديد، وأن هذا الدور لا يشمل صلاحيات الحكم. وبذلك تم التأكيد بقوة على أن الجيش تابع للحكومة في ظل النظام الديمقراطي، وأن العكس ليس صحيحًا أبدًا، مما أدى إلى وقف محاولة انقلاب عسكري قبل أن تبدأ. لقد شكلت دعوة الرئيس أردوغان الشعب لمواجهة الجنود الذين خرجوا من ثكناتهم خلال محاولة الانقلاب في 15 يوليو، بداية حقبة جديدة تمامًا في تاريخ الانقلابات.

في بوليفيا، تم إفشال محاولة انقلاب عسكري التي بدأت بقيادة الجنرال خوسيه زونيغا بسرعة، بعد أن دعا الرئيس لويس آرسي الشعب للاحتجاج وأعلن عن إقالة الجنرالات الانقلابيين وتعيين قادة جدد بدلاً منهم. وانتهت محاولة الانقلاب التي أصبحت بلا قائد ولا أساس بعد أن أمر القائد الجديد للجيش، خوسيه ويلسون سانشيز، جميع الجنود والموظفين في الشوارع والساحات بالعودة إلى وحداتهم.

وبذلك نكون قد واجهنا مثالاً يمكننا من خلاله القول بثقة، إن تضامن الدولة والشعب ضد محاولة الانقلاب في 15 يوليو، التي سنحتفل بذكرى مرور ثماني سنوات عليها بعد 15 يومًا، قد تحولت إلى نموذج يُحتذى به. إن الاعتقاد بأن بوليفيا ستكون هدفًا لانقلاب مدبر من قبل الولايات المتحدة بسبب موقفها ضد إسرائيل، وطلبها الانضمام إلى كتلة البريكس، وامتلاكها لأغنى مصادر الليثيوم في العالم، ليس بنظرية مؤامرة على الإطلاق. وحقيقة أن الجنرال الذي قام بمحاولة الانقلاب هو أحد أبناء البلد لا تنفي احتمال وجود مؤامرة. فالانقلابات تُنفذ عادةً بواسطة أشخاص من داخل البلد، وإلا فهي احتلال. وفي الواقع إن جميع هذه الانقلابات هي محاولات احتلال مُقنعة.

هل كان الدافع الحقيقي وراء الانقلاب في بوليفيا هو دعم الرئيس البوليفي لغزة وموقفه المناهض لإسرائيل، أم كان الهدف هو تمكين القوى الإمبريالية من الوصول إلى موارد الليثيوم في البلاد؟ يمكننا أن نفكر في هذا السؤال مع سؤال آخر: ما هي الدوافع الحقيقية وراء الدعم الأمريكي غير المبرر لإسرائيل حتى لو أدى ذلك إلى إثارة غضب جميع شعوب الشرق الأوسط وخلق العديد من الأعداء. هل الدافع وراء ذلك هو حافز ديني صهيوني شرعي، أم هو الرغبة في السيطرة على النفط والموارد الأخرى في المنطقة؟ هنا يبدو أن الصهيونية الشرعية التي تُغرِق العالم في الفساد، تشكل الدافع الأيديولوجي للأطماع الاستعمارية، بينما يتمثل الهدف الحقيقي في السيطرة على النفط والموارد المادية الأخرى.

من منظور آخر يمكن رؤية عدم التناسب التام بين الموارد المُسخّرة من أجل الصهيونية، والعداوات المكتسبة، والمكاسب المادية التي يتمّ تحقيقها. ففي المشهد الحالي قد يتساءل المرء عما إذا كانت الرغبات الصهيونية تستحق كل هذا؟ في مرحلة ما، تتداخل الدوافع الأيديولوجية الدينية مع الدوافع الاقتصادية والاستغلالية إلى درجة يصبح من المستحيل إجراء حساب دقيق لهذه المسألة. وهنا تكمن ضرورة التحليل السوسيولوجي.

هناك موضوعان آخران يستحقان الاهتمام في محاولة الانقلاب في بوليفيا.

الأول هو الموقف الواضح والحازم الذي اتخذه الرئيس السابق إيفو موراليس، الذي يعتبر أيضًا منافس الرئيس الحالي، ضد الانقلاب. لم يكتف موراليس بإدانة محاولة الانقلاب بشكل صريح فحسب، بل دعا إلى التعبئة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية ضد الانقلاب، وأعلن عن إضراب لأجل غير مسمى وإغلاق الطرق، واتخذ موقفًا مشتركًا مع الحكومة ضد الانقلاب، معلناً أنهم لن يسمحوا للقوات المسلحة بانتهاك الديمقراطية وترويع الشعب.

الثاني: هو أن الجنرال الانقلابي زونيغا، الذي فشلت محاولته الانقلابية، ألقى باللوم على الرئيس الذي حاول الإطاحة به، مدعيًا أن الرئيس هو المسؤول عن محاولة الانقلاب. وبذلك، تكرر سيناريو "الانقلاب المدبر" كجزء لا مفر منه من مشهد محاولة الانقلاب الفاشلة. وحاولت بعض وسائل الإعلام أيضًا تفسير سهولة إحباط الانقلاب بأنه ربما كان "انقلابا ذاتياً مدبراً".

تمامًا كما حدث بعد محاولة الانقلاب في 15 يوليو، حيث لجأ الانقلابيون الفاشلون إلى حجج الدفاع بمجرد تجاوزهم الصدمة. فبعد أن وقعوا في الفخ الذي نصبوه بأنفسهم عادوا ليسألوا: "من الذي نصب لنا هذا الفخ". وهو ما يُظهر مرة أخرى أن هذه الحجة أصبحت جزءًا من الروتين المعتاد للانقلابات الفاشلة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!