ترك برس

يرى خبراء ومحللون سياسيون أن التطبيع بين تركيا والنظام السوري يخدم مصالح روسيا، وأنه ليس مستبعداً أن يقدّم الأسد تنازلات تتعلق بالانسحاب التركي من الشمال السوري.

وأبقى رئيس النظام السوري بشار الأسد الباب موارباً أمام التقارب مع تركيا بدفع من روسيا، التي بدا أنها رأت أن الظروف مؤاتية للانخراط مجدداً في وساطة، بدأت قبل أعوام، لتجسير الهوة بين دمشق وأنقرة، والتي قوبلت بشروط متبادلة من الطرفين، وهو ما عرقلها حتى الآن.

وبحسب صحيفة العربي الجديد، قال الأسد، خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف في دمشق، إن نظامه منفتح على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين بلاده وتركيا و"المستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى"، على حد تعبيره.

من جهته، أكد لافرنتييف دعم بلاده "كل المبادرات ذات الصلة بالعلاقة بين سورية وتركيا من كل الدول المهتمة بتصحيح تلك العلاقة"، معتبراً أن الظروف حالياً "تبدو مناسبة أكثر من أي وقت مضى لنجاح الوساطات، وأن روسيا مستعدة للعمل على دفع المفاوضات إلى الأمام، والغاية هي النجاح في عودة العلاقات بين سورية وتركيا".

وجاءت زيارة المسؤول الروسي إلى دمشق في ظل تصاعد الحديث عن تجدد الوساطات لتجسير الهوة بين تركيا والنظام السوري من قبل عدة أطراف، من بينها موسكو وبغداد. كما جاءت عقب تصريحات لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، حث فيها النظام السوري على "استثمار حالة الهدوء وتوقف الاشتباكات بغية حلّ المشكلات الدستورية وتحقيق السلام مع معارضيه".

وطرح ذلك تساؤلات عن توفر النيّة لدى تركيا والنظام السوري للتقارب وتطبيع العلاقات بعد أكثر من 12 سنة من القطيعة التي وصلت إلى حد العداء بعد الثورة السورية في عام 2011. وكانت الجهود الروسية لإحداث تقارب بين تركيا والنظام السوري بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2022، وأثمرت عن لقاءات متعددة بين وزراء الدفاع ولاحقاً وزراء الخارجية ومسؤولين امنيين.

بيد أن تلك الجهود اصطدمت بشروط وضعها النظام للتقارب مع الأتراك، أبرزها الانسحاب العسكري التركي من الشمال السوري، ووقف دعم فصائل المعارضة السورية، تمهيداً لاستعادة قوات النظام المناطق التي سيطرت عليها هذه الفصائل.

ولكن الجانب التركي أكد عدم تفكيره بالانسحاب من سورية قبل التوصل إلى حل سياسي للقضية السورية عبر "تحييد" التهديد الذي تشكله قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المسيطرة على مجمل الشمال الشرقي من سورية، على الأمن القومي التركي.

ونقلت صحيفة العربي الجديد عن مصدر دبلوماسي تركي قوله إن موقف أنقرة حيال التواصل والتطبيع مع النظام ثابت كما كان سابقاً مع بدء مرحلة اللقاءات، وذلك على أرضية مكافحة الإرهاب والتنظيمات المسلحة المحظورة، وتركيا رأت أن خطورة إجراء الانتخابات في شمال شرق سورية من قبل "الإدارة الذاتية" (التابعة لقسد) فرصة للتعاون في هذا الإطار.

ولفت المصدر إلى أن الجانب الروسي شجع دائماً على الحوار بين تركيا والنظام السوري في جميع اللقاءات التي جرت، وهناك قمة مرتقبة في 3 و4 يوليو/تموز المقبل، بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في أستانة ـ كازاخستان، مع وجود الملف السوري على طاولة المباحثات، ومن الواضح أن هناك سعياً لتحقيق أي تقدّم قبيل هذه القمة.

وشدّد المصدر على أن موقف تركيا ثابت بعدم الانسحاب من المناطق الآمنة في شمال سورية، من دون تطبيق القرار الأممي 2254 وإقرار دستور جديد وإجراء انتخابات نزيهة بناء عليه، كما أن أنقرة تحركت أخيراً ببراغماتية بالتناغم مع المواقف الدولية.

وتعليقاً على زيارة المبعوث لافرنتييف إلى دمشق، رأى المحلل المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن موسكو "لم توقف يوماً مساعيها وجهودها وسيطاً لإنجاز تطبيع للعلاقات بين تركيا والنظام السوري لإنعاش اقتصاد النظام، والمضي في إعادة تأهيله إقليمياً". وتابع: "هذا التطبيع في حال حدوثه يخدم مصالح روسيا إن كانت تلك المتعلقة بالحصول من الاقتصاد السوري على ثمن الدور العسكري الذي أدته في سورية، فضلاً عن تعزيز موقفها في المنطقة في ظل احتدام المواجهة مع الولايات المتحدة".

وأعرب عبد الواحد عن اعتقاده أن التحرك الروسي باتجاه تفعيل الوساطة للتطبيع بين تركيا والنظام السوري "جاء على خلفية مخاوف مشتركة بين النظام السوري وموسكو وأنقرة من تطورات الوضع في مناطق سيطرة قوات قسد بعد إعلان الأخيرة نيّتها إجراء انتخابات محلية". وأضاف: "رغم تراجع قسد عن هذه الخطوة وتأجيلها حالياً، إلا أن مجرد الإعلان عنها شكّل تطوراً استفادت منه موسكو لتذكير أنقرة بأن هناك تهديدات مشتركة لها وللنظام، وأن التصدي لهذه التهديدات يتطلب بالضرورة تنسيقاً بين الجانبين، برعاية روسية".

ورأى عبد الواحد أنه "رغم هذه التطورات، فإن التطبيع بين تركيا والنظام السوري لا يزال يواجه عقبات رئيسية قد تعرقل مجدداً أي جهود في هذا الاتجاه"، مضيفاً: "من الواضح أن تركيا لا تنوي سحب قواتها من شمال سورية والتخلي عن مناطق سيطرتها هناك، لأنها لا تثق بنظام الأسد الذي سيتمسك بانسحاب القوات التركية من سورية شرطاً للتطبيع، وهذا في الواقع يعكس عدم حاجة النظام إلى تطبيع سيضطر لأن يدفع ثمنه بشكل أو بآخر". وأعرب عن اعتقاده أن النظام السوري "مرتاح كما يبدو للوضع الراهن، ولا مشكلة لديه في أن تبقى الأمور على حالها، إذ يصوّر نفسه محارباً للإرهاب ويستخدم هذه الرواية ركيزةً رئيسيةً لاستمراره"، لافتاً إلى أن "التطبيع بين تركيا والنظام السوري خاضع إلى حد ما لعلاقة أنقرة مع واشنطن". ورأى أنه ربما تتشدد الولايات المتحدة في معارضتها هذا التقارب للحيلولة دون تقوية النفوذ الروسي في سورية.

ورأى مدير الدراسات في مركز أبعاد محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التحركات الأخيرة "تشي بأن هناك تحولات جدية في ملف تقارب تركيا والنظام السوري"، مضيفاً: "شهدنا في الفترة الأخيرة زخماً في محاولات التطبيع بين تركيا والنظام السوري عبر الوساطة العراقية، التي تقف خلفها إيران". وتابع: "طهران هي الأكثر تأثيراً على نظام الأسد، وبالتالي، ليس من المستبعد بالفعل أن يقدّم الأسد تنازلات تتعلق بمسألة انسحاب تركيا من الشمال السوري، وذلك تحت تأثير الضغط الإيراني بشكل مشابه لما حدث من تأثير إيران على نظام الأسد في ما يتعلق بالمصالحة مع حركة حماس". بيد أن سالم أبدى اعتقاده أنه "لا تزال هناك تحديات عديدة تقف أمام التطبيع بين تركيا والنظام السوري"، مضيفاً: "هناك ممانعة لدى النظام للتطبيع مع تركيا مدعوماً من بعض الجهات العربية التي يسعى الأسد للتطبيع معها".

وظهرت أولى الخطوات العملية باتجاه التقارب بين تركيا والنظام السوري من خلال الإعلان عن قرب افتتاح معبر أبو الزندين، أول من أمس الأربعاء، الرابط بين منطقة النفوذ التركي في شمال سورية ومناطق النظام السوري في ريف حلب الشمالي الشرقي. وأفاد المجلس المحلي لمدينة الباب عبر "فيسبوك"، أول من أمس الأربعاء، بأن المعبر "سيُفتح تجريبياً" مدة 48 ساعة، بهدف اعتماده "معبراً تجارياً رسمياً". وكانت الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني السوري المعارض قد أصدرت قراراً، في عام 2020، بإغلاق جميع المعابر والمنافذ الرسمية مع قوات النظام في شمال البلاد. واقتصر استخدام تلك المعابر على عمليات تبادل الأسرى التي جرت بين النظام والجيش الوطني المعارض على فترات متباعدة بضمانة روسية - تركية، وبإشراف الصليب الأحمر الدولي والأمم المتحدة. وبين مناطق النظام ومناطق المعارضة عدة معابر، منها معبر أبو الزندين في ريف حلب الشمالي الشرقي قرب مدينة الباب، وميزناز في ريف حلب الغربي، والترنبه القريب من بلدة سراقب في ريف إدلب الشرقي. ولطالما حاول الجانب الروسي فتح المعابر بين مناطق المعارضة والنظام لإنعاش اقتصاد الأخير المتهالك نتيجة العقوبات الدولية منذ عام 2011.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!