علي أبو هميلة - الجزيرة مباشر

تعتمد الدراما التلفزيونية في تركيا على حضور الجماهير في استمرارها أو غيابها عن شاشات العرض، فالجمهور هو العامل الحاسم في استمرار عمل درامي من خلال أعداد المشاهدات الأسبوعية التي يتم رصدها خلال العرض على شاشات القنوات التلفزيونية فقط.

لا يحسب مستوى المشاهدات على وسائط أخرى كمنصة يوتيوب مثلًا، مثلما يحدث في الأعمال المسرحية فإذا تخلى المشاهد عن الحضور إلى المسرح توقف العرض وأسدلت الستارة.

هذه القاعدة أطلق عليها النقاد نظرية الجمهور عايز كده التي تصعد بفكرة درامية بسيطة إلى قمة المشاهدات وتكون سببًا في استمرارها مواسم درامية متعددة بينما تجعل فكرة وعملًا أخر متميزًا لا يستكمل موسمه وينتهي بعد عدة حلقات، العمل التلفزيوني في تركيا يصور ويعرض أسبوعيًا.

شهد الموسم الدرامي التركي المنتهي في الأسبوع الثاني من يونيو/حزيران أمثلة لتلك القاعدة فهناك أعمال اختفت بعد عدة حلقات مثل المتشرد الذي لم يستمر سوى خمس حلقات رغم أجواء الدراما الجديدة على الشاشة، فهو يحكي عن صراع رجال أعمال حول حارة شعبية من أجل هدمها وإعادة بنائها بناطحات سحاب تواكب العصر، ويتصدى لهم أهل الحارة.

ويتناول المسلسل العالم السفلي للحارات الضيقة وأبناء الشوارع، لكن يبدو أن العمل لم يحظَ بالقبول الجماهيري فضلًا عن حجب الإعلانات عنه فكانت النهاية بعد الأسبوع الخامس.

أيضًا هناك مسلسل أسطورة الشجرة السوداء وهو مسلسل يجمع بين الأسطورة الشعبية، والصراع الإقطاعي في ستينات وسبعينات القرن العشرين، والصراع من خلال فكرة بناء سد لإعادة توزيع المياه على الأراضي الزراعية يتصدى للفكرة رجال كبار يتحكمون في مصير أهل القرية ويتملكون أراضيها، لم تستكمل حلقات العمل أيضًا وتوقف فجأة بعد الحلقة العاشرة.

نفس مصير مسلسل محمود هدائي وهو شخصية صوفية استطاع العمل أن يصمد جماهيريًا لعشرين حلقة (أسبوعيًا) ثم توقف، ورغم تشابه الفكرة مع العمل الدرامي يونس إمره حيث القاضي الذي يقابل شخصية صوفية فيتخلى عن حياته ويصبح مريدًا للشيخ.

إلا أن يونس كان صاحب الحظ الأعلى في الأعمال التي تناولت الشخصيات الصوفية في الدراما التركية فكان العمل الوحيد الذي استمر موسمين دراميين.

في مقابل تلك الأعمال التي انقطع عنها الدعم الجماهيري رغم جودتها، فقد حملت المشاهدات أعمالًا بسيطة وانتهت أحداثها إلى موسم جديد مثل مسلسل المتوحش، وهو عمل درامي انتهت أحداثه في عشرين حلقة درامية لكنه استمر طوال الموسم بحكم الجمهور لتصل عدد حلقاته إلى 37 حلقة مدة الحلقة أكثر من ساعتين.

ها هو الإنتاج يعد الجمهور بموسم جديد بناء على رغبة الجماهير، المسلسل يتناول أجواء جديدة أيضًا ويحكي قصة علي يامان ابن لطبقة ثرية، يتآمر زوج أمه مع صديقتها على خطفه ويلقون به بين أطفال الشوارع، يعيش علي كطفل شوارع حتى يصبح شابًا أقرب للبطل الشعبي بين أبناء الشوارع.

يظهر علي في حياة أسرته بعد أن أصبح شابًا ليقلب حياة الأسرة رأسًا على عقب، وكشف زيف الحياة التي تعيش فيها أمه وجده رجل الأعمال الكبير، حيث استطاع زوج الأم أن يخدع الجميع، ليكتشف الجميع أن الرجل الذي كانوا يظنونه ملاكًا هو شيطان قاتل، سارق، خائن للزوجة والعائلة، وهكذا يكون الطفل الذي عاش في الشوارع البسيط سببًا في هدم عالم مزيف.

الواقع الدرامي أن هذا العمل انتهت أحداثه في الحلقة التاسعة عشرة، فقد تمكن علي من كشف الحقائق أمام الجميع، ولكن مستوى المشاهدات الأسبوعية التي تتحكم في استمرار الأعمال أو توقفها حمل العمل إلى موسم جديد وحلقات جديدة نشاهدها في أكتوبر/تشرين الأول القادم.

قماشة العمل الدرامي لا تحتمل أكثر لكن بدأ كاتب العمل والمخرج في استغلال سذاجة الأم بطلة العمل في إضافة أحداث أخرى، وتقع شخصيات العمل في دوامة الرجل الشرير زوج الأم وألاعيبه وحيله التي تعني أن الجميع لا يتعلمون، إنها حكمة المشاهدات والإعلانات.

يبدو أن نجاحًا جماهيريًا أصاب الأعمال التي تقدم داخل المراكز الطبية والمشافي وحكايات المرضى والأطباء لاقت رواجًا جماهيريًا بعد نجاح عديد من الأعمال مثل دكتور معجزة الذي قدم منذ سنوات، هذا النجاح شجع على تقديم أعمال مشابهه، فالمتوحش غالبية أحداثه داخل المستشفى الاستثماري الكبير وكذلك العمل الدرامي بهار.

بهار اسم البطلة طبيبة تقاعدت في منزلها بعد الزواج تقوم برعاية زوجها وأولادها وعائلة الزوج تتمتع بشخصية محبة للجميع، زوجها طبيب كبير ابن عائلة طبية شهيرة، تقع بهار مريضة بمرض الكبد (فيرس سي) ولا بد من نقل كبد لها، تتوافق فصيلة الدم مع الزوج الذي يتهرب من المنح، ويتمنى وفاتها خاصة بعد أن يعرف أن والده كتب له ثروته.

في ذات الوقت على علاقة بزميلة لهما ولها ابنة في نفس عمر ابنته، وهكذا تكتشف الزوجة الحقائق واحدة تلو أخرى، وينجح طبيب الزوجة في الحصول على مانح للكبد، وتتعافى الزوجة، انتهت الحكاية دراميًا ومرة أخرى تحمله المشاهدات إلى موسم جديد.

يتمتع الإنتاج الدرامي التركي بالكثير من المميزات الإبداعية، ورغم أن مدة حلقاتها تصل إلى ساعتين ونصف للحلقة وهذا زمن درامي كبير، وإذ تصورنا عملًا موسمه الأول عشرين حلقة فهذا معناه 50 ساعة تليفزيونية، هذا زمن درامي طويل جد يتطلب جهدًا كبيرًا في الكتابة والتنفيذ الدراما، وتصور أسبوعيًا، وهذا يعني جهدًا يوميًا.

رغم ذلك هناك تميز في الكتابة الدرامية، البناء الدرامي، تطور الشخصية الدرامية، الصراع المتواجد داخل العمل والشخصيات، ربما تبدأ الدراما غير منطقية حينما يفرض على فريق الكتابة البقاء بالنجاح الجماهيري هذا يعني إعادة الأفكار مرة أخرى.

أكثر من 30 عملًا تلفزيونيًا عرضت في الموسم الدرامي التركي الفائت بين أعمال مستمرة وأعمال جديدة ومن الصعب تواجد ممثل في عملين في وقت واحد حتى في الأدوار الثانوية، ومع ذلك فأنت أمام ثروة من الممثلين الأتراك، وكأن هناك ممثلًا جيدًا يولد كل يوم في تركيا.

عدد لا نهائي من الممثلين، ويتمتعون بمواهب متميزة فلا تستطيع أن تقول إن هناك ممثلًا خارج الشخصية، ويساعد استخدم التطور التكنولوجي في تقديم ممثلين لأول مرة من خلال التشابه الذي قد يتطلبه بين الآباء والأبناء، ويسمح هذا بظهور ممثلين جدد وتدربيهم ليصبحوا نجومًا بعد ذلك.

كتابة السيناريو والحوار عمل صعب لفريق الكتابة الدرامية، ولكن مهمة تحويل هذه الكتابة إلى عمل تليفزيوني درامي يقع على عاتق فريق الإنتاج والإخراج، وقد استطاعت الأعمال الدرامية التركية تحقيق نجاح كبير في هذين المجالين خاصة في الأعمال الدرامية التاريخية التي سنتناولها المقال القادم.

إن إنتاج عدد من الأعمال الدرامية بهذا الحجم وبتلك المدة الزمنية الأسبوعية، وبهذا التنوع الدرامي في الكتابة يجعل الدراما التلفزيونية مصدرًا من مصادر الدخل القومي في تركيا، فقد حققت العام الماضي 62 مليار دولار عائدًا لها، وأيضًا يشير إلى ثروة فنية كبيرة تتمتع بها الدراما التركية التي بدأت مسيرتها تتشابه بإنتاج درامي عربي ومصري وانتهى بها المسار متفوقة على الإنتاج الدرامي العربي في سوريا، لبنان، ومصر، وفي هذا فليجتهد المجتهدون ليحققوا نجاحاتهم.

عن الكاتب

علي أبو هميلة

إعلامي مصري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس